خاص Buyerpress
تستقطب الاتحادات الثقافية وبعض مراكز المجتمع المدني, في روجآفا محاضرات وندوات بهدف ملء الوقت بما يعود بالفائدة والمعرفة, ولكن يظهر للمتابع أنها تطرح أفكار سبق وأن تناولتها الكتب، وكذلك وسائل الإعلام بنوع من الشمولية وحوّلتها إلى محتوى سهل الوصول.
والجانب الأهم في كل ذلك أنها جعلت من بعض “أنصاف المثقفين” كأساتذة ليحاضروا فيها، فكيف لهذا المحاضر أن يتوسع في موضوعه, في وقت يفتقر إلى أدوات التواصل, بالإضافة إلى عدم امتلاكه منتوجاً فكرياً نوعياً. لنخلص نهايةً إلى جملة أسئلة بات الإجابة الصريحة عليها ملحة.
يقول الكاتب الكردي محمد محفوظ رشيد في المحاضرات والندوات التي تنظمها اتحادات ومنظمات المجتمع المدني وفيما إذا كانت تحقق أهدافها المرجوة: “ظهرت غالبية المنظمات الحالية والتي تدعي العمل تحت عنوان المجتمع المدني في ظروف غير اعتيادية، حيث تتأثر نشاطاتها بالأوضاع الراهنة، ويغلب عليها طابع الدعاية لجهات مموّلة لها والترويج لشخصيات معينة لتبرير حضورها في الأطر والمحافل، والتقرب من مراكز السلطة والقرار وفق برامج وخطط لتنفيذ مشاريعها المرسومة، وهذا ما يوفر للقائمين على تلك المنظمات مصادراً للانتفاع مالياً بشكل أو بآخر( كهدف رئيسي لهم) بدون تعميم”.
فيما قيّم رشيد الأنشطة التي تقوم بها اتحادات ومنظمات المجتمع المدني : “إن معظم نشاطاتها شكلية لا تبلغ الغاية المرجوة حسب المعلن عنها، فهي لا تخرج عن النطاق الإعلامي وتكرار نفس الوجوه والعناوين في جميع الورش والندوات والمحاضرات بصورها وأسمائها، يضاف إليها عدم توفر التخصص والمهنية لدى القائمين عليها”
لكنه رغم وصفه لتلك الأنشطة بأنها ليست أكثر من دعاية سواء للجهات الممولة أو لشخصيات معينة أكّد رشيد:” بالمحصلة هذه المنظمات بمعظمها إفرازات للوضع الراهن، ومستلزمات للأمر الواقع، وهذه لا تنفي الإيجابية من وجود بعضها مع نشاطاتها، وتمهيد الأرضية لبناء مؤسسات مدنية أكثر فاعلية وجدية مستقبلاً”
وعن المشاريع الثقافية التي تحتاجها المنطقة الكردية كبدائل عن الأنشطة المفرغة من مضمونها ومحتواها, حددها بالقول.
“البدائل مرهونة بالتغيرات الجارية وبطبيعة الظروف الناجمة عنها، وحديث البحث عنها يعبّر عن عجز المنظمات القائمة عن تقديم مشروع مستقبلي خاص بها وبنطاق عملها لافتقادها الشرعية والاستقلالية والاستراتيجية”
من جانبه وصف الكاتب والفنان التشكيلي الكردي ماهين شيخاني أن المحاضرات والندوات التي تنظمها اتحادات ومنظمات المجتمع المدني بأنها خطوة إيجابية لكنها غير كافية.
معبراً بالقول:” الاتحادات و المنظمات قد تحقق بعض أهدافها التي تسعى إليها من خلال هذه الأنشطة- ولكننا نعلم بوجود العديدة منها تحت تأثير وسيطرة الأحزاب لذا فهي حكماً تخدم مشاريع حزبية على نطاق ضيق أو على مستوى جمهور وشعبية ذاك الحزب أو المنظمة”
وعن تقييم المحاضرات والندوات التي يديرها محاضر غير ملم بالموضوع, قال فيها شيخاني:” هنا تكمن المشكلة، فالكثير من المحاضرات يديرها أشخاص غير ملمون أو بالأحرى غير “جديرين” أو حتى ليست من اختصاصهم على سبيل المثال: أن يأتي المحاضر ويقدم موضوعاً عن الطب والصحة وهو ﻻ يعمل في سلك الصحة و ﻻ يحمل شهادة تؤهله لذلك.
وحول إذا ما كانت تلك الأنشطة تساهم في رفع سوية الوعي الثقافي لدى الحضور. أكد بالقول: ” لنكن منصفين, فمجتمعنا ﻻ يخلو من المتمكنين والمتميزين على كافة المستويات والصعد, أما بالنسبة للجمهور المستقطب، فالموضوع القيم مع محاضر متمكن مع جمهور مدرك تعطي نتيجة إيجابية وأي خلل في المعادلة تكون النتيجة سلبية.
وفي معرض سؤالنا للشيخاني إذا ما كانت هناك ديمومة في الفعاليات الثقافية التي تقام في روجافا؟ أم هو فقط نشاط لإظهار المنظمة أو الاتحاد على أنه يقيم أنشطة ثقافية؟ أوضح : “تبقى هذه الديمومة في الفعاليات الثقافية أو أي نشاط اذا كانت الأرضية متوفرة وخصبة بل يكون هناك من يساعد على تشجيع العمل أي يكون المناخ “ديمقراطي. و إذا كان النشاط استعراضي فقط لإظهار المنظمة أو الاتحاد بأنهم يتحركون, أعتقد الفشل مصيرهم .
وعن إمكانية إيجاد مشاريع ثقافية بديلة عن الندوات والمحاضرات الهادفة إلى رفع الوعي الثقافي لدى المتلقي قال : “اعتقد أنه ﻻبدّ من المحاضرات والندوات وستكون رديفا لأي عمل من شأنه رفع الوعي الثقافي ولكن للأسف لعبت السياسية دوراً سلبياً حيث شتت العقول ومزقت المجتمع، لذا نحتاج إلى إطار يجمعنا جميعاً على الكلمة الحرة والفكر النيّر والعمل الخيّر للمجتمع.
فيما رأى الكاتب الكردي خالد عمر أن المحاضرات والندوات التي تستقطبها المراكز الثقافية ومنظمات المجتمع المدني لا تحقق الا أهدافا بسيطة لارتباط تلك الأهداف ببقاء عمل المنظمة بحد ذاتها.
وعن نجاحها في استقطاب الجمهور المستهدف الملم بموضوع المحاضرة أو الندوة قال: “أن أغلب المواضيع التي تطرح سابقة لأوانها فهناك مواضيع تهم المجتمع وحريته ولكن بسبب انعدام الحريات المرجوة والشرخ الذي أصاب المجتمع بسبب الخلافات السياسية والكم الهائل للأحقاد فهي غير قادرة على استهداف الجمهور المستفيد”.
وشدد عمر على ضرورة أن يكون المحاضر متمكناً وذو اختصاص, لأن المحاضرات ليست بالأمر السهل وتحتاج مجهود فكري وثقافي.
وقال في ديمومة الفعاليات الثقافية التي تقام في روج آفا أضاف : “الفعاليات التي تقام غير مهمة في أغلبها في الوقت الحاضر فهناك أمور مجتمعية وحياتية تتقدمها في الأهمية, ويجب إلقاء الضوء عليها ومعالجتها كمشكلة تفكك الأسرة وتمييع القيم.
وفي المشاريع الثقافية البديلة اعتبر عمر: “أنه ليس بالإمكان تطبيقها في الوقت الراهن للأسف لأن غالبية الشعب منهمك بمشاكله ومآسيه يجب بداية ضمان الحريات وإنعاش اقتصاد المنطقة والحد من الهجرة قبل كل شيء.
يقول الناشط الكردي أحمد موسى في معرض سؤالنا له حول ما اذا كانت المحاضرات والندوات التي تنظمها اتحادات ومنظمات المجتمع المدني تحقق أهدافها المرجوة؟ : “الأصح هو القول هل هي بالفعل محاضرات تُعالج معضلةٍ ما، أو القائمين عليها بالفعل كوادر تكنوقراطية يحقُ لها تقديم المحاضرة، أو الندوةِ تلك؟!، في الغالب ستكون الإجابة لا، لأنه غالباً ما يُفعل في مراكز المجتمع المدني، أو مكاتب الأحزاب الكُردية، أو التنظيمات الشبابية، لا تكون “محاضرةً” في المفهوم الواضح، والصريح لها، ولا يكون القائمُ عليها ملماً بفحوى المحاضرة، والمسألة المرادة طرحها للحضور.
ويتابع موسى: ” و النسبة العظمى من القائمين على تلك النشاطات هم دخلاء على الثقافة، والمجتمع المدني، كما الكثيرين من الدخلاء على الصحافة، وغيرها من الاشياء التي ظهرت بعد الثورة السورية.
وأضاف :” أن تلك المحاضرات لا يمكنها أن تصل إلى الهدف المرجو منها، لأنه اولاً تستهدف شريحةً معينة من المجتمع المحلي، وثانياً لأنه لا تقترب من المجتمعات القروية في المنطقة، والاهم أن الفحوى غالباً يكون بداخله اخطاءً علمية، تؤثر سلباً على الرسالة السامية للعمل المدني”.
ونفى موسى مقدرة الجهات القائمة على تلك الانشطة, في استقطاب الجمهور المستهدف المُلم بالموضوع المطروح في الندوة أو المحاضرة معللاً إجابته بالقول: “لو اعتبرنا أن الجمهور المستهدف هي فئة الأصدقاء الخاصة بالمحاضر، أو فئة العائلة، وزملاء العمل فقط، فيمكن أن نقول نعم، فهو في العادة يستهدف صديقه، قريبة، وزميلة في العمل، دون الانخراط في المجتمع المحلي، أما لو قلنا أن المجتمع بأكمله يجب أن يكون مستهدفاً في المواضيع المطروحة على طاولة المحاضرات، والندوات، فبالتأكيد لا، لأنه أساساً لم يتم استهداف المجتمع المحلي كاملاً، أو حتى بشكل جزئي”.
وعن تقييم المحاضرة أو الندوة التي يديرها محاضر غير ملم بالموضوع الذي يتحدث عنه, قال :”طالما الاستفسار أن المحاضر غير ملم بالموضوع الذي يحاضر فيه، فبالتأكيد التقييم، والانطباع سيكون سلبياً، ولا يمكنه الاقتراب من الإيجابية، لأن أغلب المواضيع التي يتم طرحها في المحاضرات اختصاصية، فمثلاً تجد خريجاً لمعهد الرياضة يُحاضر في الزراعة، وخريجاً للهندسة الزراعية يُحاضر في الرياضة، فأيّ إيجابية ستحملها تلك المحاضرة، وأيّ استفادة سيتلقاها الجمهور الحاضر، سوى المعلومات الخاطئة، المغايرة للوقائع العلمية، والاختصاصية لفحوى المادة.
وأكّد أنه لا يمكن لتلك الأنشطة أن تساهم في رفع سوية الوعي الثقافي لدى الحضور, بالشكل المرجو منها. لأنها أساساً تكون منقوصة الثقافة، والإلمام بالموضوع، وتكون كوادر غير مختصة، لذلك لا يجزم بأنها تزيد في سوية الوعي لدى الجمهور الحاضر.
وعن وجود ديمومة في الفعاليات الثقافية التي تقام في روجافا أو كونها فقط نشاط لإظهار المنظمة أو الاتحاد على أنه يقيم أنشطة ثقافية قال: “لا اعتقد أنها تكون ديمومة، بقدر الحصول على مشاريع داعمة لاستدامة المركز في عمله، ولإظهار المنظمة على أنها تهتم بالشأن الثقافي وزيادة الوعي في المجتمع، ولا اعتقد أنها تحمل غايات ثقافية، بقدر حملها للشهرة والمعرفة الذاتية فقط.
وبخصوص حاجة المنطقة لمشاريع ثقافية بديلة عن الندوات والمحاضرات لرفع الوعي الثقافي لدى المتلقي, ختم موسى حديثه: “المنطقة تفتقد لمراكز دراسات وأبحاث تكون باستطاعتها دراسة الواقع السياسي، والثقافي، والمدني بشكل أكاديمي جيد، ليكون باستطاعة المتلقي الاستفادة من تلك المشاريع، لأن المحاضرات أثبتت أنها تزيد الوضع سوءاً”.