نصرالدين إبراهيم
إن ما شهدته منطقة الشرق الأوسط , وخاصةً منطقتنا, من متغيرات هائلة, جعلت كل التحليلات والتوقعات لمستقبل المنطقة قبل حوالي الست سنوات الأخيرة في مهب الريح, فما كان بمقدور كبار الخبراء والمحللين السياسيين والعسكرين أن يتوقعوا مجرد توقع أن القوة العظمى في العالم, والمتمثلة بالولايات المتحدة, ستتخلى عن حليفها الأطلسي القوي ” تركيا ” , وتتحالف مع القوات الكردية الوليدة في سوريا .
بالوقوف على هذه المتغيرات وأسبابها وتداعياتها, ندرك تماماً أن جملة من العوامل دفعت بأمريكا والغرب عموماً إلى دعم ومساندة الكرد في سوريا والعراق, يأتي في مقدمتها أنّ الكرد فعلاً مناهضون للفكر الإرهابي ويحاربون الإرهابيين بقناعة ووفق مبادئ راسخة, فالكرد كانوا على مرّ تاريخهم شعب مسالم, بعيد كل البعد عن التطرف, ومن ناحية أخرى فإن الغرب أدرك بعد التقلبات الحاصلة في المنطقة بعد حرب تحرير العراق عام 2003م، وبعد ما بات يعرف بالربيع العربي, وخاصةً بعد الثورة الشعبية السلمية في سوريا, والتي لم تدم طويلاً لتتحول إلى صراع طائفي وحرب أهلية بكل ما لهذه الكلمة من معنى …أدرك الغرب أن سايكس – بيكو انتهت … وأن خارطة جديدة سترسم في الشرق الأوسط, وليس ثمة حلفاء أفضل من الكرد, ناهيكم عن قناعة الشعوب الغربية بعدالة القضية الكردية, ومدى الظلم الذي تعرض له هذا الشعب جرّاء ” سايكس – بيكو ” .
ومن جهة أخرى جاء تخلي الغرب التدريجي عن حليفه التركي بسبب سلوك السلطات التركية المتناقضة في تحالفها معهم وخاصة منع استخدام قاعدة إنجرليك الجوية في تركيا في حرب تحرير العراق 2003م, إضافةً إلى رعاية تركيا للقوى الإرهابية والفصائل المسلحة المتطرفة, وتحريضها على بث الفوضى في الجوار السوري, كذلك سير تركيا بقيادة أردوغان نحو المزيد من الديكتاتورية, وخاصةً بعد التعديلات الدستورية الأخيرة في تركيا …
إن الظروف الموضوعية التي ترافق تطور القضية الكردية في سوريا بعد ست سنوات من عمر أزمتها الدامية باتت أكثر نضوجاً, وأقرب إلى الوصول بالشعب الكردي لنيله لحقوقه القومية والوطنية المشروعة, في بلدٍ ديمقراطي برلماني تعددي لامركزي, على أنقاض عقود من القهر والاستبداد والانكار لتلك الحقوق في ظل أنظمة مركزية متلاحقة في البلاد.
باعتقادي, ستكون حصة الكرد في مستقبل سوريا مرهونة بمدى قوة العامل الذاتي لديهم, فكما أن قوة الكرد العسكرية على الأرض جعلت منهم رقماً صعباً وجاذباً في المعادلة الدولية في حربها على الإرهاب, فلا بدّ أن تكون جبهتهم الداخلية السياسية موحدّة وقوية بالشكل الذي يدفع بالقوى العالمية إلى الأخذ بعين الاعتبار وجودهم كجزء هام ورئيسي من الحل السوري المرتقب, وأن تكون هناك حدوداً واضحة لهم في الخارطة الجديدة التي ترسم بحذرٍ شديد .
فالكرد في سوريا, وعلى اختلاف مشاربهم الفكرية والسياسية, أحزاباً وأطر ومنظمات مدنية مدعوون إلى الجلوس على طاولة الحوار, وتحمل مسؤولياتهم التاريخية, ووضع أولوية النصر الكردي في ظلّ هذه الفرصة السانحة, واللجوء إلى الحوار الهادف والبنّاء لتجاوز كافة نقاط الخلاف العالقة, والتي لا تغدو كونها هامشية مقارنةً مع عظمة نتائج وحدة الصف والموقف الكرديين …وصولاً إلى تشكيل مرجعية سياسية كردية شاملة لأهداف وتطلعات شعبنا الكردي في سوريا.
اليوم, يترقب أبناء شعبنا الكردي, وأصدقاءه , ولادة عهد جديد ينعم فيه شعبنا بالأمان والاستقرار, في كنف شرق أوسط جديد, والذي نأمل أن يكون بداية تاريخ جديد من الوئام والوفاق والسلام بين كافة شعوبه وأديانه وطوائفه.
وكملاحظة هامة لا بدّ لنا كحركة سياسية كردية وكشعب كردي أن نجسد قولاً وفعلاً المبادئ الحضارية والإنسانية التي ننادي بها منذ عقود من سنين نضالنا, وأن نحوّل بلادنا إلى أنموذجٍ يفتخر به أبناؤه.