دلوفان سلو
بعد أحداث الحادي عشر من سيبتمبر2001، قررت الولايات المتحدة محاربة الإرهاب بشكل استباقي, أي قبل حدوث هجمات على أراضيها, وبدأت حربها تلك في الدول والمناطق التي تعتبر حواضن للإرهاب, حيث شنت هجمات عديدة وصلت لحد الحروب كما حصل في أفغانستان والصومال وغيرها, ولاحقا في العراق, حيث أدى ذلك إلى تواجد القوات الأمريكية بمختلف تشكيلاتها في منطقة الشرق الأوسط بحجة محاربة الإرهاب.
وفي ظل هذه الفوضى الخلاقة في المنطقة تشكلت العديد من التنظيمات المتطرفة التي تغلف نشاطها بالجهاد الاسلامي, وكان أبرز تلك الحركات حركة الجهاد والتوحيد بزعامة أبو مصعب الزرقاوي والتي تطورت فيما بعد إلى دولة العراق الاسلامية, ومن ثم إلى الدولة الاسلامية في العراق والشام, واختصارا ب(داعش), وذلك بعد أن انتقل ذلك الصراع إلى الدولة الجارة للعراق سوريا بعد أحداث ماسميت بالربيع العربي, حيث عملت المنظمة الجديدة (داعش) على توسيع منطقتها الجغرافية في كل من العراق وسوريا واحتلت محافظات ومدن بأكملها بشكل يسير وسهل ودون مقاومة تذكر, لا رسمية ولا شعبية! إلى جانب ذلك بدأت بشن هجمات في كل من أوربا وأمريكا, الأمر الذي دعا إلى تشكيل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة لمواجهة هذا الخطر الحقيقي الذي بات يهدد السلم العالمي ككل, وقرر ذلك التحالف دعم بعض القوات البرية العاملة على الأرض مع تقديم التغطية والقصف الجوي.
حيث اختارت في البداية بعض فصائل وكتائب الجيش الحر لتقوم بتدريبهم, وبعد أن دربتهم قامت تلك الفصائل بالانضمام إلى بعض من التنظيمات المتطرفة, وعندها أيقن التحالف الدولي أنها بحاجة قوات برية غير متطرفة وستحارب الإرهاب بشكل مضمون, ووجدت ضالتها تلك في وحدات حماية الشعب ومن ثم قوات سوريا الديمقراطية, وخاصة بعد معركة كوباني الشهيرة, حيث أبدت هذه القوات مقاومة تاريخية وأسطورية ولم تسمح للمنظمة الإرهابية داعش باحتلال مدينة كوباني, وهذه كانت سابقة في مسيرة داعش الإرهابية التي كانت قد تعودت على فتح كل الأبواب أمامها في المنطقة, وبدأ التحالف الدولي بدعم هذه القوات بشكل تدريجي وإمدادها ببعض الأسلحة والتدريبات النوعية, وأنشأت في سبيل ذلك بعض القواعد الجوية البسيطة والتي اقتصرت على الإمداد اللوجستي وليس قواعد انطلاق, وذلك لتسهيل التنسييق العسكري بين قوات التحالف الجوية وقوات سوريا الديمقراطية البرية, إلا أن ذلك التعاون والتنسيق المهمين كانا دوما يجابهان بتدخل تركي لدى التحالف الدولي بذريعة أنه لا يجوز تقديم الدعم للقوات الكردية لأن لها أجندات انفصالية, مع العلم أنه لا تمرّ أي مناسبة دون تأكيد القيادة السياسية لتلك القوات الكردية على أنهم لا يحملون أي مشروع انفصالي, وإنما جل اهتمامهم ومعركتهم هي للقضاء على الإرهاب المتمثل بداعش وشبيهاتها والوصول بالدولة السورية إلى دولة فدرالية تحفظ فيها كل الشعوب والأمم المتواجدة على هذه الجغرافية بحقوقها دون إقصاء وتهميش لأحد.
ووصل التدخل التركي إلى حد ضربها لبعض المواقع العسكرية التابعة لوحدات حماية الشعب, حيث أن تركيا استفادت هنا من ضبابية الموقف الرسمي للتحالف الدولي وفي مقدمتها أمريكا, وبعد الضربة التركية قامت الولايات المتحدة بنشر قواتها بشكل رسمي على الإعلام في بعض مناطق روج آفا, وفي يوم الثلاثاء 9/5/2017، أعلن البيت الأبيض وبشكل رسمي بأن الرئيس الأمريكي الجديد ترامب أجاز للبنتاغون بدعم قوات سوريا الديمقراطية, ولعل كان هذا أبرز تطور في السياسة الأمريكية اتجاه الكرد في سوريا والتي كانت تعتبر تكتيكية أكثر مما هي استراتيجية, علما أن هذا القرار أتى بعد زيارة وفد أمني وعسكري تركي ضخم وعالي المستوى إلى واشنطن, إلا أن هذا لم يثني الولايات المتحدة عن قرارها الذي وصلت إليه بعد تجارب عديدة على الأرض, وتبين صوابية القرار الأمريكي فورا بتحرير كل من مدينة الطبقة الاستراتيجية وسد الفرات, أكبر سدود سوريا, من قبضة داعش.
ولكن كي تتحول السياسة الأمريكية من تكتيك عسكري قصير المدى إلى استراتجية متكاملة بعيدة المدى لابد من اتخاذ خطوات سياسية في روج آفا (شمال سوريا) بالتوازي مع الخطوات العسكرية المتلاحقة, وفي حال لم تتخذ الولايات المتحدة تلك الخطوات فإن الوضع سيبقى هشا وقابلا للاهتزاز في أي لحظة, وذلك على مبدأ أنه كي يتم التخلص الكامل من الارهاب لابد من الوصول إلى نظام سياسي متحضر ومتوازن يحمي الجميع, ولعل الفدرالية الجغرافية التي تطالب بها الإِدارة السياسية في روج آفا, والتي تعتبر الواجهة السياسية لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة عسكريا من التحالف الدولي, هي الحل الأمثل لسوريا المستقبل.