سائقات النقل العام يُؤنثن مهنة الذكور

صحيفة العرب- Buyerpress

لم تكن مهنة سياقة وسائل النقل العمومي حتى وقت قريب من اختصاص النساء ولم يكن من السهل على المرأة الحصول على وظيفة في قطاع يحتكره الرجال وحدهم.

وحالت المعتقدات الاجتماعية والنظرة الدونية للأنثى دون رغبة النساء في الجلوس خلف المقود أسوة بالرجال، وجعلتهن لعقود طويلة يخترن مهنا لا تلبّي طموحاتهن ورغباتهن في إثبات ذواتهن خارج إطار الأسرة التقليدي والمحدود.

إلا أن الكثيرات تمكنّ من الخروج من دائرة الحظر المفروض عليهن وأثبتن أنهن قادرات على تطويع أيّ مهنة، بما في ذلك مهنة السياقة التي لا تشترط النوع الاجتماعي بقدر ما تحتاج إلى التأهيل.

ولكن من الأوساط السعودية المحافظة لم ترد أيّ أنباء جديدة عن رفع الحظر عن قيادة النساء للسيارات رغم أن المملكة أعلنت عن “الرؤية 2030”، وهي الاستراتيجية المستقبلية للبلاد، والتي تنص على أن الحكومة “ستستمر في تنمية مواهب المرأة واستثمار طاقاتها وتمكينها من الحصول على الفرص المناسبة لبناء مستقبلها والإسهام في تنمية المجتمع والاقتصاد”.

أما في العديد من المجتمعات العربية الأخرى فقد اعتادت العين رؤية الحافلات والقطارات وسيارات الأجرة وجميع وسائل النقل الخفيفة والثقيلة تقودها النساء، ولكن هذه المشاهد التي تتكرر يوميا لم تستطع تقويض الاعتقاد السائد بأن الرجال أفضل من النساء في القيادة.

ورغم ما شهدته المجتمعات العربية من تقدم معرفي وثقافي وتحوّلات جوهرية في مجال الحريات والمساواة بين الجنسين إلاّ أنها لم تخل بعد من الأصوات التي ما زالت تكرّس الفوارق بين سياقة المرأة وسياقة الرجل.

وينظر للنساء على أنهن أقل حزما وقدرة على مواجهة الشدائد والأخطار في الطرقات وعاجزات عن القيام بالصيانة الميكانيكية لوسائل النقل وأنهن السبب في تزايد معدلات الحوادث المرورية، وتروّج حولهن العديد من الانتقادات الساخرة التي تحبط عزائمهن وتنال من معنوياتهن.

وعلى الرغم من أن الأفكار الثابتة حول عدم كفاءة المرأة في السياقة لا تستند إلى أيّ حقائق علمية، فإن الكثير من ركاب وسائل النقل العمومي لا يشعرون في الغالب بالراحة النفسية عندما يكون السائق امرأة.

إرادة قوية

تبدو مهنة السياقة محفوفة بالمخاطر وشاقة ولكن أغلب النساء اللاتي يمتهنّها لا يجدن الإنصاف من المجتمع المتحيز ضدهن ولا من أصحاب الشركات الذين يفرضون عليهن أحيانا عقودا قاسية وغير مرنة، بالإضافة إلى أن السياقة ليست من القطاعات التي تقل فيها الفوارق في الأجور بين الجنسين، كما أن النساء الأكبر سنا يكنّ بشكل عام أكثر عرضة لفقدان وظائفهن ويواجهن صعوبات أكبر في إيجاد وظائف في هذا المجال.

وهناك تحديات كثيرة أمام المرأة السائقة في كل مكان من العالم إلا أن التونسية يمينة جوعاني (62 عاما) استطاعت أن تفرض نفسها كسائقة تاكسي بين المئات من سواق سيارات الأجرة في تونس العاصمة وفي زمن لم يكن من السهل على أيّ امرأة أن تفكر مجرد التفكير في خوض غمار مهنة السياقة، ولكن جوعاني تجرّأت على ذلك بعد أن استلهمت التجربة من أختها التي أصبحت أول سائقة تاكسي في تونس في عام 1974.

وبدأت جوعاني المطلّقة والأمّ لطفلين العمل كسائقة سيارة أجرة منذ عام 1986 وهي فخورة جدا بتجربتها في السياقة التي تجاوزت الثلاثين عاما، وبفضلها تمكّنت من إعالة أسرتها والإنفاق على دراسة أبنائها.

وتبدو ابنة بلدها إيمان الركاح التي تعمل بشركة نقل سياحي منذ أكثر من ثلاث سنوات واثقة من نفسها كثيرا إلى درجة أن عملها كسائقة اعتبرته بمثابة التحدي بينها وبين جنس الرجال.

وأشارت في تصريحها لـ”العرب” إلى أنها تعشق كل ما من شأنه أن “يثير كبرياء الرجال ويجعلهم يدورون حول أنفسهم إما مصدومين أو مبهورين”.

وأوضحت الركاح “البعض من الرجال يعتقدون أن النساء لا حول لهنّ ولا قوة، وأنه ليس لدينا القدرة على ممارسة بعض المهن التي نسبت إليهم، ولكننا باقتحامنا هذا الميدان جعلناهم يدركون ألا فرق بيننا وبينهم، وهذا ليس مجرد استعراض للعضلات بل هو حقيقة وواقع يشهد به أصحاب المهنة والركاب”.

وأضافت “مثلما وجدت التشجيع والمساندة من الكثير من الرجال وجدت أيضا أن البعض منهم أشبه بوحوش بشرية حاولوا تقزيمي وإحباطي، ولكن إرادتي كانت أقوى وقلبي الصغير لم يعد صغيرا، فمهنة السياقة علمتني الجلد والصبر والتحدي”.

واستدركت “ولكني اخترت مهنة السياقة لأنني أحبها أيضا، وفيها أجمع بين هوايتي التي هي الأسفار والجولات الاستطلاعية وعملي، وأقولها بكل فخر وثقة في النفس أنا فنانة في سياقتي ورصينة جدا لأن السياقة أولا وقبل كل شيء فن وأخلاق وإبداع”.

وختمت الركاح حديثها قائلة “نحن في مهنة السياقة معرضون للخطر في أيّ لحظة، بالإضافة إلى المضار الصحية التي يمكن أن يسببها الجلوس المطول للظهر والأعصاب، ولكن كل هذا يهون عندي عندما ترمقني نظرات إعجاب الناس ويفخر بي ابني”

ترى الأخصائية الاجتماعية السعودية حصة العمار أن المرأة في العالم العربي أثبتت تفوقها في العديد من المجالات العلمية والثقافية والاقتصادية، وتميزت في قطاع الأعمال الحرة والمشاريع المستقلة مشيرة في تصريحها لـ”العرب” إلى أن المرأة العربية يحدوها طموح متوقد ورغبة عارمة في التغيير للأفضل ولا توفر أيّ جهد من أجل تحقيق الرفاه لها ولأسرتها ولمجتمعها بشكل عام. وقالت العمار “في بلادي على سبيل المثال تملك المرأة الكثير من المؤهلات التي تساعدها في السعي الجاد لتحقيق أهدافها، وقد فُتحت لها مجالات متعددة بدعم من قادة البلاد وقناعتهم بأنها نصف المجتمع وأساسه ومن غير المقبول أن يبقى معطلا وعاطلا عن العمل”.

وأوضحت أن المرأة السعودية قد تولت العديد من المناصب القيادية وسعت للتوسع والعمل كفرد له كيانه واستقلاليته المادية في جميع الميادين الطبية والعلمية والثقافية والاجتماعية وقطاع سيدات الأعمال.

إلا أنها أشارت إلى أن بلادها لم تصدر حتى الآن قانونا يسمح للمرأة بقيادة السيارة، ولكنها لم تنف أن البعض من النساء الموجودات في القرى السعودية البعيدة يقدن سياراتهن بأنفسهن.

وتوقعت العمار في حال اتخاذ السلطات السعودية قرارا يسمح للنساء بقيادة السيارة أن تتسابق الكثيرات إلى إنشاء شركات نقل للنساء فقط، وخاصة لمن لا يرغبن في قيادة السيارة.

واعتبرت أن سيارة الأجرة التي تقودها المرأة تمثل أفضل وسيلة نقل على الإطلاق بالنسبة إلى تنقلات النساء سواء إلى عملهن أو جامعاتهن أو لقضاء مختلف مصالحهن.

وبررت العمار ذلك بقولها “سيكون مشروعا رائعا جدا لأنه سيحد من تواجد السائق الأجنبي سواء في الحافلات المدرسية أو سيارات الأجرة وكذلك سيحدّ من هدر المال السعودي عليه، فيما لا تشعر معه أغلب النساء بالأمان لأنهن يجهلن خلفيته الأخلاقية، ولكنّهن سيكنّ أكثر طمأنينة وراحة مع السائقة التي من نفس جنسهن ولدينا شواهد نجاح للتجربة في الإمارات الحبيبة والتي لا تختلف عن السعودية في العادات والتقاليد”.