في مثل هذا اليوم .. مصر دفعت بأول منتخب عربي في المونديال

الزمان ..27 مايو 1934 .. المكان .. ملعب كومونالي جيورجيو اسكاريلي في مدينة نابولي الإيطالية .. الحدث .. مباراة مصر والمجر في النسخة الثانية لبطولة كأس العالم لكرة القدم. مرت عشرات السنين وتعاقبت الأجيال وتغيرت الأحوال وتبدلت الأمور ، لكن الحقيقية التي ستبقي خالدة في ذاكرة التاريخ أن منتخب مصر هو أول منتخب عربي شارك في كأس العالم.

تأهل مريح ودون معاناة

على عكس ما يحدث الآن ، لم يكن تأهل المنتخب المصري لمونديال 1934 صعباً، فقد وقع في التصفيات التي جرت للمرة الأولى في البطولة مع منتخبي تركيا وفلسطين . وسهل انسحاب الأول الأمور تماما ومهد الطريق أمام الفراعنة ليحملوا لواء الكرة العربية للمرة الأولى في تاريخ المونديال ، بعد أن حققوا فوزاً عريضاً على المنتخب الفلسطيني في القاهرة في 16 مارس 1934 بنتيجة 7-1 ، عن طريق مختار التتش (3 أهداف) وهدفين لكلا من مصطفى كامل ومحمد لطيف.
دخل المنتخب المصري المباراة بتشكيل مكون من : مصطفى كامل منصور – علي كاف – عبد الحميد شارلى – حسن الفار – حسن رجب – أمين صبري – محمد لطيف – مختار التتش- مصطفى كامل طه – عبد الرحمن فوزي – جميل الزوبير.
وجدد المنتخب المصري فوزه في لقاء الإياب الذي جرى في القدس في 6 أبريل 1934 ، ولكن هذه المرة بنتيجة 4-1.

سجل مختار التتش نصف الأهداف وأكملها محمد لطيف وعبد الرحمن فوزي ، لينجح المنتخب المصري في بلوغ النهائيات في إيطاليا بقيادة المدرب الاسكتلندي جيمس ماكراي.

وتكونت التشكيلة التي خاضت مباراة الإياب من عزيز فهمي – علي كاف – عبد الحميد شارلى – حسن الفار – حسن رجب – محمد فريد – محمد لطيف – مختار التتش- مصطفى كامل طه – عبد الرحمن فوزي – محمود هاني لبيب.
ووفقا لما قاله مصطفى كامل منصور حارس المنتخب المصري في ذلك الوقت في حوار لصحيفة الحياة اللندنية نشر في 29 مايو 1998، لم تضم تشكيلة المنتخب الفلسطيني سوى لاعبين عربيين فقط والباقي صهاينة تحت قيادة مدرب يدعى شيمون لوميك.

ظروف صعبة ومشاركة مشرفة في مباراة وحيدة

كشف حارس مرمى الفراعنة في البطولة عن بعض الظروف الصعبة التي واجهت مصر قبل السفر إلى إيطاليا حيث قال :”لم تكن الظروف مواتية لمنتخب مصر قبل السفر إلى ايطاليا بسبب خلافات داخلية حول استمرار الموسم المحلي ، حيث أصر الاتحاد على استمرار الموسم حتى 12 مايو حيث أقيمت مباراة المختلط – الزمالك حالياً – ضد الأولمبي في نهائي كأس الأمير فاروق – كأس مصر حالياً – وضم الفريق 9 لاعبين من المشاركين في المنتخب. والتقى المصري البورسعيدي مع بور فؤاد في نهائي الكأس السلطانية يوم 11 مايو، وضم فريق المصري لاعبين في المنتخب، ورفض الاتحاد كافة النصائح التي دعته لتأجيل لمباريات المحلـية حتى العودة من المونديال.”
وأضاف :”تسبب ذلك في تعرض إبراهيم حليم الظهير الأيسر لإصابة جسيمة في مباراة فريقه في نهائي الكأس ولم يتمكن من اللعب رغم سفره ولم يكن لدى الفريق لاعب بديل على نفس الدرجة من الكفاءة، مما اضطر المدرب لتغيير مركز حسن رجب ليلعب بدلاً من إبراهيم حليم ، وسبقه إلى الإصابة أيضاً وجيه الكاشف لاعب الأهلي وفريد نجاحي لاعب المختلط. ولعب منتخب مصر بتشكيلة جديدة في المونديال للمرة الأولى في تاريخه مما أفقده عنصر التفاهم.”

وغادرت البعثة المصرية إلى إيطاليا على متن باخرة كبيرة من ميناء الإسكندرية إلى جنوى برئاسة أحمد فؤاد أنور، وحسن رفعت سكرتيراً وداود راتب للمالية ومحمود بدر الدين إدارياً وجيمس ماكراي مدرباً ويوسف محمد حكماً دولياً مرافقاً.

وضمت قائمة المنتخب المصري 17 لاعباً هم عزيز فهمي ومصطفى منصور لحراسة المرمى وكامل مسعود وهاني كامل ومحمود مختار من الأهلي وعلي كاف وحسن الفار وإبراهيم حليم ومحمد لطيف ومصطفى كامل طه من المختلط وحميدو شارلي وحسن رجب وحافظ كاسب من الأولمبي وعبد الرحمن فوزي ومحمد حسن من المصري البورسعيدي وإسماعيل رأفت من الترسانة ومحمود إسماعيل النجرو من البوليس، وكان مسموحاً لكل فريق باصطحاب 20 لاعباً.
ووفقاً لنظام النسخة الثانية من البطولة ، جرت المسابقة التي شارك فيها 16 منتخباً بنظام خروج المغلوب. وأوقعت القرعة مصر في مواجهة المجر التي ضمت تشكيلة 11 لاعباً محترفاً في أندية يوبشت وفرنسفاروس وهنجاريا بودابست بقيادة المهاجم جيزا تولدي هداف فرنسفاروس وايمري ماركوس الجناح الأيمن ، وأدار المباراة الحكم الدولي الإيطالي رينالدور بارلاسينا.
دخلت مصر المباراة بتشكيل مكون من مصطفى كامل منصور لحراسة المرمى، وعلي كاف وحميدو شارلي وحسن الفار، وفي خط الوسط إسماعيل رأفت وحسن رجب، وفي الهجوم محمد لطيف ومصطفى كامل طه وعبد الرحمن فوزي ومختار التتش ، قائد الفريق ، ومحمد حسن.
أما عن أحداث المباراة ، فقد حسم المجريون اللقاء مبكراً في الدقيقة التاسعة بهدف لبال تيليكي ، واندفع بعدها المنتخب المصري للهجوم بحثاً عن التعادل ، وهو ما كلفه هدفاً ثانياً في الدقيقة 25 عن طريق تولدي. ورد عبد الرحمن فوزي سريعاً لمصر بهدف في الدقيقة 26 من تسديدة مباشرة من 18 ياردة ، وعاد ليضيف هدف التعادل في الدقيقة 42 ، لينتهي الشوط الأول بنتيجة التعادل (2-2).
واستمر اللعب على نفس الوتيرة في الشوط الثاني بهجوم مصري متواصل وهجمات مجرية معاكسة، ولكنها محدودة. وكانت المفاجأة في الدقيقة 54 عندما أحرز مختار التتش هدف التقدم لمصر وأشار حامل الراية باحتسابه ، ولكن الحكم الإيطالي ألغاه بداعي التسلل على محمد لطيف غير المشارك في اللعبة.
ونفذ لاعبو المجر الضربة الحرة بسرعة أثناء انشغال لاعبي مصر في معرفة سبب الإلغاء، وارتدت الهجمة بسرعة البرق على مرمي مصر وانفرد جينو فينشي بالمرمى من 40 ياردة مسجلاً هدفاً ثالثاً أنهى المباراة تقريبا.
ورغم حالة الإحباط ، ظل الفريق المصري مسيطراً حتى الدقيقة 61 إذ وصلت كرة عالية داخل منطقة الجزاء لمصطفى كامل منصور ، وأثناء قفزه لالتقاطها ، اندفع تولدي عالياً ليصطدم به مما أسقطه أرضا وأدى لدخول الكرة الشباك ليحتسب الحكم هدفاً رابعاً للمجر وسط احتجاج صارخ من لاعبي المنتخب المصري، حسب ما قال مصطفى كامل منصور لموقع بي بي سي قبل أسابيع من وفاته عام 2002.

أساطير تاريخية

على الرغم من المدة الطويلة التي مرت على مشاركة المنتخب المصري في تلك البطولة، إلا أنها كانت نقطة التحول في صنع عدد من أساطير الكرة في مصر عبر العصور، وأصبحت سيرتهم إرثا تاريخيا تتناقله الأجيال.
وبخلاف منصور الذي احترف في كوينز بارك رينجرز وسطر تاريخاً عظيماً بعد اعتزاله مع النادي الأهلي المصري، هناك أيضاً الرمز التاريخي مختار التتش الذي خلد الأهلي اسمه بإطلاقه على ملعب الكرة في النادي ، وكذلك عبد الرحمن فوزي الذي يعد أول لاعب عربي يسجل في المونديال والذي حاز على لقب أفضل جناح أيسر في البطولة ، وانتقل بعد البطولة إلى الزمالك وبات أحد رموز القلعة البيضاء وأطلق اسمه على صالة الألعاب الرياضية في النادي، ويبقى الأشهر بينهم جميعاً محمد لطيف الذي ذاع صيته كأحد رواد التعليق في الوطن العربي.