مِن غِلي التبن ..ارتاحيت

د. عماد خلف

وتتتالى الأحداث والوقائع العجيبة في منطقتنا، وتصدف الأحداث الشبه متوقعة نتيجة الظروف الغير متوقعة، فالرهان على ثبوت سعر أي مادة لمدة ساعات خاسرة، لأن في جميع دول العالم وحتى الإفريقية المنكوبة هناك قانون يتحكم بالأسعار وتوازنها مع نظرائها، كتأثير سعر الدولار وفائض الإنتاج ما بين التصدير والانفاق الداخلي، كلها عوامل تتحكم بأسعار المواد بشكل شبه قانوني وإن فقد في بعض تلك النقاط التي ذكرناها، إلا في معدومتنا والمطْلقة على نفسها جزافاً أسم الوطن؟

حيث أظهرت لنا خلال هذه السنوات الخمس العجاف مالم تظهره سبع سنوات عجاف نبي الله يوسف، وطرحت لنا معادلات رياضية صعبة إلى درجة التعقيد في الحل، فالارتفاع الحاصل بأسعار المواد بدون ذكر نوعيتها لا تتقيد بالارتفاع الحاصل بسعر صرف الدولار وهبوط قيمة الليرة السورية، ولا تلتزم بالعولمة الاقتصادية في حدودها الغبية، ولا تستجيب لنداءات واستغاثات القدرة الشرائية للبشر، ولا حتى في بعض المواد لماااع وبااااع البهائم كما في عنوان مقالنا الحزين، فالتبن علف أبسط ما يقال عنه بأنه الخدعة المريرة للحيوانات، وتوصيفه كمادة غذائية زوراً وبهتاناً ظلم بحق الكربوهيدرات والأحماض الأمينية والدهنية وغيرها من جبابرة هذه التسمية، ودوره المحوري فقط يتمحور بملئ كروش الحيوانات لإكسابها شعور الشبع وعدم الرغبة في الأكل، كون الحيوانات لا تتوقف عن الأكل إلا بعد ملئ معداتها من هذه المادة مع كميات قليلة من المركزات العلفية الغالية، وما نعرفه عن التبن أنه كان يترك في البراري بعد الحصاد بلا قيمة أو اعتبار لوجوده كشيء حتى، بل كانوا يحرقونه أحيانا للتخلص من وجوده كشيء، وكان وقتها أي أيام العز والزعططة لا يجرؤ على رفع قشته أمام سنبلة الشعير والقمح، فلا توجد مقارنة بأي نقطة تلاقي بينهما لا غذائيا ولا اقتصادياً، أما اليوم؟

 وي وي وي عينك ما تشوف مصيول بعدما ربح كرت اليانصيب، فالتبن أصبح خلال أسبوع تاريخي في دورة حياته ينافس جميع المواد الغذائية البروتينية والسمرية بسعره ولهفة التجار والمربين والأطباء والمهندسين والصرافة وووو عليه، وأصبح سعره محدد سعر بقية المواد في سوق الغش والنفاق، خلال أسبوع قلب التبن المعادلات الأزلية وأثبت خطأ معظم الحسابات البيانية و أشبع كروش الكثيرين من البشر بأعداد تزيد إشباع كروش الحيوانات، بل تمنى البعض تخزين التبن عوضا عن الدولار والذهب ذوي القيمة السيئة أمامه، فما فعله التبن بخلخلة  التوازن التجاري ترفع له القبعة، وأوصلنا إلى درجة عدم ذكر المثل المسيء بحقه لبعض البشر والقائل ( كول تبن ) لأن كغ التبن الآن أغلى من الشعير الذي كان يأكله .

 لذلك من عبر سعر التبن عتبة المعقول وغلي …ارتاحيت.

نشرت هذه المادة في العدد 60 من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 1/3/2017