أصدرت القاصة العمانية وفاء سالم مؤخرا عن دار مسارات الكويتية كتابها الثاني “جلالته” في إشارة دلالية إلى الرجل الذي يشكّل السؤال الوجودي في عوالم وفاء الكتابية التي ابتدأت الاشتغال عليه منذ مجموعتها الأولى “خاصرة الذهول” الصادرة عن دار الغشام العمانية في 2015، حيث يجد القارئ في نصوصها مساحات من التأمل المفتوح في تشكّلات العلاقة المعقّدة بين المرأة بوصفها راوية للمشهد، والرجل بوصفه ممثلا صامتا في الديالوج المسرحي. ومن المتوقع أن تصدر مجموعتها الجديدة بالتزامن مع هذه الدورة من معرض مسقط للكتاب حاملة عنوان “الحالمون بالتّيه” عن دار سما الكويتية.
كتاب “جلالته” أتى، كما تقول القاصة، نتيجة مخاض عسير ومؤلم، حيث كانت تحاصرها العزلة والحرمان والتهميش، خالقة مناخات كتابة متمردة على التجنيس.
تجنيس النص
تقول سالم “لماذا عليّ أن أكون رسمية ودبلوماسية لهكذا سؤال، هذه حقيقة رغم أن هذا الإصدار لم يلاق الإقبال الذي تمنيت، ولا الرضا والقبول من أغلبية القراء، لكني أعلم بأنه كُتِبَ بوجع الأنثى التي اهترأت ولم تمت. كان المناخ هو سبب ولادة جلالته وكان عسيراً كما ذكرت ولا يزال وجعه إلى الآن”.
كتاب جلالته يغلب عليه الجانب العاطفي الرومانسي في رسم العلاقة الملتبسة بين الرجل والمرأة، وهذه النوعية من الكتابات هي السمة العامة في اشتغال الكاتبات العربيات، والخليجيات على وجه الخصوص، حيث تشتعل مناطق واسعة في نصوصهن بهذا الهم، الأمر الذي يجعل من التشابه سمةً غالبةً على ملامح تجاربهن. وتُرجع سالم الأسباب إلى العاطفة الكبرى التي تضج بها كل أنثى.
وتقول معلقةً على ذلك “الأنثى مهما بدت قوية ومتسلطة ومحاطة بالقسوة لكنها نهر من العواطف الجياشة، لذلك تجدها تتكلم بلغة العاطفة، وهي تتحدث عن الحياة، الحرب، الانشطار، التلاشي، والموت. كل النساء -مهما كتبن- تسكن العاطفة نصوصهن”.
ترفض وفاء سالم “تجنيس النص”، فقد كان بإمكانها أن تتجه بكتابها الثاني إلى عوالم القصة، وتتكئ عليها طويلاً، لكنها لا تحب أن تقيّد نفسها بشيء محدد. ولهذا اختارت قاصتنا لكتابها الأول أن يكون مجموعة قصص قصيرة، بينما الثاني صنفته على أنه نصوص.
تعلّق القاصة حول هذا الموضوع قائلة “الأمر الذي جعلني أمتعض هو اقتراح بعض دور النشر حين يلجأ إليها الكاتب بأن يتجه إلى كتابة الرواية. أرى أن تجنيس النص يطفئ شعلة الكتابة تماماً كما يحدث للبعض، وأنا منهم، فحين يطلب منك أحد أن تكتب له نصاً حول موضوع محدد بشخصيات وأحداث محددة سينتابك شعور بأن عقارب الساعة تدور دورات محددة لدقائق وثوانٍ محددة، فلا أنت قادر على الرجوع إلى الخلف طوعاً، ولا التوقف كذلك إلا إذا أصابك خلل”.
المرأة المنكسرة
في محاولة للاقتراب من عوالم ضيفتنا تناولنا معها بعض نصوصها، مثل “دهشة”، و”جلالته” “وبحر وبياض”، وغيرها، حيث يلمس القارئ صوت المرأة المنكسرة، والمستعبدة. وفي سؤال لها عما إذا ما كان هذا الصوت المنكسر انعكاسا طبيعياً لحالة المرأة المهمشة في المجتمعات العربية والخليجية.
تجيب سالم “أعترف بأن النصوص التي ذكرتها أغضبت بعض قارئاتي ومتابعاتي من النساء، اللاتي رأين بأني جدُّ قاسية مع الذات، وضعيفة كذلك. ولكن، نحن مجتمع شرقي، والمجتمع الشرقي متنوع، ومتوزع في الريف والمدينة والبادية. ولا أخفيك، لقد كبرت وأنا أسمع، وأرى، وأقرأ للنساء المستضعفات والمعنّفات”.
وتواصل “وأنا لست ابنة المدينة، لقد ولدت في بلدة كبيرة تحتوي بيوتاً فيها نساء مستضعفات. لطالما أصابني لبس الكتابة عنهن ولهن، وقد تكون القصة التي حدثت في طفولتي أحد مسبّبات ذلك، كأن تسمع طفلة ذات العشرة الأعوام أن فلانة قتلت على يد والدها لأنها أحبت من خارج القبيلة”.
وتتابع سالم في ذات الشأن “أنت رجل شرقي وتعلم جيداً بأن البعض يتحدث عن حقوق المرأة ولا يطبقها، وعن الحب ولا يمنحه. ولي أن أخبرك بأن المرأة لا تزال حتى الآن مهمشة في بعض المجتمعات، وتستجدي عطف الرجل والمجتمع من أجل حقوقها في كل شيء. المرأة التي يختار لها المجتمع برجالاته دورها بكل ما تحمله الكلمة من معنى لا أظن بأنها قوية. لهذه المرأة أكتب وسأكتب. أجل، هذا الصوت انعكاس طبيعي لحالة المرأة المهمشة في المجتمعات العربية والخليجية”.
وحول ملف حقوق المرأة العمانية تعلّق القاصة “هناك من سيجيب أن المرأة العمانية نالت جميع حقوقها، وهذا أمر قد يختلف فيه الكثير وأنا معهم. فلا يزال هناك الكثير من الحقوق لم تنلها المرأة العمانية. أجل هناك الكثير من النساء القويات الناجحات، ولكن نقصان الحقوق أمر طبيعي في مجتمعات يترأسها الرجال”.
رغم تنامي المشهد الروائي العماني المثقل بالحمولات السياسية والنفسية والفلسفية إلا أن قاصتنا ترى بأن القصة القصيرة في عُمان ما زالت قادرة على سرقة الضوء من الرواية، فالقصة -حسب تصورها- تشمل في شكل مبسط وسلس كل الحمولات من خلال مشهد قصير قد يصوّر كل ما يحتويه المجتمع العماني. وتختلف وفاء مع من يقول إن زمن القصة القصيرة قد انتهى.
تقول “كيف ينتهي السرد؟ كيف تموت الحبكة الحية فيها؟ لست هنا بصدد تهميش الرواية فأنا من عشاق الروايات، ولكن ما أراه أن البعض يكتب رواية من أجل إرضاء الوسط الذي يلج إليه. وما يحدث أن البعض يكتب رواية تفتقد قوتها بعد أن تبلغ منتصفها، والبعض الآخر يتخبط مع الأحداث والشخصيات دون أن يهتم بردة فعل القارئ”.