استبدال منهاج المرحلة الثانوية إلى اللغة الكرديّة بين القبول والرفض..

إن لم  نغيّر مناهجنا كاملة هذه السنة فسنغيّر بعض المواد.. التغيير الكلي قادم لا محالة.

– القائمين على العملية التربويّة هم طرف سياسي كردي واحد، دون الرجوع إلى الأطراف الأخرى.

– كانت الكردية اللغة “الضرّة” لدى النظام السوري لعقود خلت، عانينا الكثير من أجل تعلمها، ونريد أن يتعلمها أبنائنا.

لطالما حلم أبناء الشعب الكردي في سوريا بتعلم لغتهم الأم، اللغة المحظورة والممنوعة حتى في التحدث، وتسمية الأبناء بها، اللغة التي تناولها جيل بعد جيل، وكُتبت بها الملاحم والقصائد من قبل روادها من كتاب ومثقفين.

حين بدأت الثورة السورية, تغير كل شيء خاصة في المناطق الكردية، ففتحت الدورات من قبل الجمعيات الثقافية وطبع الكثير من الكتاب نتاجاتهم بلغتهم الأم، حتى تشكلت الإدارة الذاتية في المنطقة والتي كانت أهم أولوياتها توجيه الشعب الكردي في سوريا لتعلم لغته الأم. رغم رفض المشروع التعليمي باللغة الكردية من قبل المجلس الوطني الكردي والذي يعتبره مشروعاً تربوياً مؤدلجاً، ويطالب بإيقاف كل شيء حتى إسقاط النظام إلا أن هيئة التربية في الإدارة الذاتية الديمقراطية” مقاطعة الجزيرة” منذ الإعلان عن تأسيسها في الواحد والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2014 أولت اهتماماً منقطع النظير باللغة الكردية وتدريسها، حيث قامت بداية بإدخالها في المنهاج المقرر للمرحلة الابتدائية بنصاب عدة ساعات اسبوعياً، ثم عمدت إلى جعل منهاج المرحلة الابتدائية كردياً صرفاً للطلبة الكرد، وتخصيص منهاج آخر للطلبة من المكوّنات الأخرى، وذلك بعد طباعة مئات الآلاف من النسخ المقرّرة من المنهاج.

 لاحقاً، تم إدخال اللغة الكردية إلى المرحلة الإعدادية بمعدّل خمس ساعات اسبوعياً، وتمّ التركيز على حسن أداء المدرسين لتلك المواد الكرديّة، هؤلاء المدرسين الذين خضعوا لدورات في اللغة الكردية على ثلاثة مراحل، تابعوا بعدها إكمال دراسة اللغة الكردية في معاهد خاصة بتلك اللغة.

وتدرس هيئة التربية حالياً تغيير منهاج المرحلة الثانويّة إلى المنهاج الكرديّ، والذي سيتمّ إعداده تحت إشراف نخبة من المختصين وذلك بعد الاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال.
تبديل منهاج المرحلة الثانوية إلى المنهاج الكردي شكّل قلقاً لدى أغلب الطلبة وأولياء أمورهم الذين أبدوا عدم  ارتياحهم لهذه الخطوة في المرحلة الحالية على الأقل، سيّما أن الخشية من عدم الاعتراف بشهادتهم الثانوية يشكل هاجسا كبيراً لديهم.

حسين حسن

الطالب حسين حسن  وهو طالب ثانويّ ” حادي عشر” لم يبدِ أي اعتراض على إدخال مادة اللغة الكردية في المنهاج، ولكن شريطة عم تغييره؛ أي المنهاج،  لأنه إذا تغير المنهاج لن تكون الشهادة معترفة بها، وبالتالي حرمانه من الدراسة في الجامعات الحكومية السورية، حسب وصفه.

 ويرى حسن أنهم سيجبرون حينها – عندما تنعدم الحلول – على الالتحاق بالجامعات والمعاهد التابعة للإدارة الذاتية كجامعة روجآفا، وهي بدورها غير معترف بها دولياً على حدّ قوله. إذا لا حلّ ثالث، إما عدم تغيير المنهاج، أو ضياع المستقبل..!

بينما يرى الطالب شير رشيد “بكالوريا” أنه لا يوجد أحد يكره لغته الأم التي حرم منها لعشرات السنين، ولكن يتسائل  إلى أي حدّ تستطيع هذه اللغة أن تلمّ بجميع الكلمات والمصطلحات وخاصة في الفروع العلميّة. ويتابع رشيد:” لنفترض أن الكرديّة استطاعت مواكبة روح العصر وتلك المصطلحات، فلن يستطيع الطالب نفسه أن يستوعب هذه المصطلحات لأنها ستكون غريبة عليه بالتأكيد، وهذا يعود إلى عدم إلمامنا – نحن الطلاب – الجدّي بلغتنا، وإهمال الكثيرين لها حتى بعد توافر الفرص المواتية لتعلمها”.

ويضيف رشيد:” بالنسبة لي ورغم أني من المتفوقين في صفي، ولدي إلمام جيد بالكردية أعتقد أنها ستكون صعبة جدا علي. في اللغة العربية كنا نشتكي من صعوبة فهم المواد العلميّة، والآن سيتضاعف الأمر من صعوبة فهم المصلحات إلى صعوبة حفظها أيضاً، كونها جديدة على مسامعنا”.

المعلمة شمس عنتر وهي معلّمة صف في سلك التربية الحكومي، بعيدا عن لهجة النقد الدائم للإدارة الذاتية حول منهاج اللغة الكردية على أنه مؤدلج وفيه تعظيم للأفراد وزجّ السياسة بالعملية التعليمية حسب وجهة نظرها، رأت أيضاً أن الحديث عن منهاج البكلوريا وعملية تحويله إلى اللغة الكردية، لن تنجح لأن عملية حرق المراحل في العملية التربوية  يُفشل العملية تماما، فالتعليم هو عملية بنائية تكاملية.

وبيّنت عنتر أنه لا أساس لغوي للطالب الكردي ليدرس المنهاج بلغة لا يفقه أغلب مصطلحاتها؟ علما أن الكادر التدريسي هو نفسه قاصر في التعليم. إذا أين هو الكادر المؤهل كي يوصل المعلومة إلى الطلاب، هؤلاء متى تدربوا وكيف تأهلوا؟

ولدى عنتر أسباب أخرى لعدم نجاح هذه العملية منها أن اللغة الكردية نفسها بحاجة إلى اهتمام لتوحيد المصطلحات والقواعد مما يصبح سببا لضياع الطالب أكثر، والأطراف السياسية لم تتفق على توحيد قواعد اللغة كُرها ببعضها، إضافة إلى أن القائمين على العملية التربويّة هم طرف سياسي كردي واحد، دون الرجوع إلى الأطراف الأخرى، وهذا أيضا يساهم في ضعف المشروع.

 أحمد أبو جميل مدرّس وولي أمر أحد الطلبة والذي فضل عدم ذكر اسمه قال:

“أن العملية التربوية لا دخل لها بالتجاذبات السياسيّة التي كادت أن تأتي على كل شيء حتى العلم والتدريس، ومستقبل أطفالنا الأعزاء.  السياسة شيء والتربية والتعليم شيء آخر، وشتان بين الاثنين. أبنائي يشتكون من ندرة المصطلحات الكردية، وأنا أكدت لهم أن الكردية لغة جميلة وتتسع لكل المفردات التي تحتويها المناهج”.

ويتابع أبو جميل:” كانت الكردية اللغة “الضرّة” لدى النظام السوري لعقود خلت، وعانينا الكثير من أجل تعلمها، نريد أن يتعلمها أبنائنا، ويدرسون ويكتبون بها، ولكن حتى العملية التربوية بحاجة إلى أسلوب، وطرق، ووسائل تقرّب التلميذ من هذه المادة أو تلك، لا أن تنفره منها”.

وحول هذه التساؤلات التي تقضّ مضاجع بعض الطلبة وأولياء أمورهم أكّدت الرئيسة المشتركة لهيئة التربية في مقاطعة الجزيرة سميرة حاج علي أنهم في مسيرة لتغيير المناهج وسيتم في السنة القادمة البدء بهذا التتغيير.

وأضافت حاج علي:” بالنسبة للمرحلة الثانوية فلم نقرّر بعد بشكل نهائي كيفية وآلية تغيير مناهجها، حيث سنقوم – في فصل الصيف – بعقد مؤتمر خاص بهيئة التربية على مستوى مقاطعة الجزيرة وآخر على مستوى روجآفا وسنتدارس فيه الأمر. سنعقد مؤتمرنا على مستوى المقاطعة ومن ثم ننقل قراراتنا ومقترحاتنا إلى المؤتمر العام حيث ستتم مناقشتها بشكل جدي ليتم تنفيذها فيما بعد”.

ووصفت حاج علي إدراج اللغة الكردية في منهاج المرحلتين الابتدائية والإعدادية، بالأساس اللغوي الذي يعتمد عليه الطلاب في إكمال دراستهم. وبالنسبة للصفين العاشر والحادي عشر قالت حاج علي:” إن لم نستطع تغيير مناهجنا بشكلٍ كامل هذه السنة فسنغير بعض المواد، بمعنى أنه التغيير الكلي قادم لا محالة، أما بالنسبة لطلاب البكالوريا سنسمح لهم بإكمال دراستهم حسب المنهاج القديم هده السنة.

وقالت حاج علي :” عقدنا مؤخراً مؤتمراً على مستوى روجآفا شاركت فيه هيئات التربية في مقاطعتي كوباني وعفرين بالإضافة لمنبج وتل أبيض، ونوقشت بشكل موسع العديد من المواضيع “، منوّهة إلى أنه “تم تشكيل لجان لمتابعة مناهج التربية العالمية، مهمتها العمل الدائم على تطوير المناهج وسدّ النواقص والثغرات فيها، حيث أن مناهج التربية تعتمد دائماً على التغير والتطور ولا يمكن الاعتماد على قالب ثابت”.

حتى يحين موعد البتّ بتنفيذ القرار من عدمه يبقى طالب المرحلة الثانويّة في خضم التجاذبات بين رغبة في التعلم بلغته الأم، والتي حُرم منها آبائه لعقود خلت، وبين خوف مضمر من عدم قبول أية وثيقة صادرة باللغة الكرديّة، من جهة رسميّة لا زالت موضع نقاش  بين الأطراف السياسيّة نفسها.

نشرت هذه المادّة في العدد (59) من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 15/2/2017