صحيفة العرب -Buyerpress
في اليوم العالمي للطفولة يستعد ملايين الأطفال النازحين في العراق وسوريا واليمن لاستقبال فصل جديد من برد الشتاء القارس، حيث ستتفاقم معاناتهم للبقاء على قيد الحياة في ظل نقص الغذاء والمياه والكهرباء ووسائل التدفئة، بعد أن هجروا مدارسهم وانخرط بعضهم مبكرا في مهن شاقة تفوق قدرتهم على التحمل.
قالت مسؤولة أممية، الأحد، إن أكثر من 20 مليون طفل بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية في سوريا والعراق واليمن، نتيجة الحروب الأهلية التي تشهدها البلدان الثلاثة.
جاء ذلك على لسان جولييت توما، المتحدثة الإعلامية لمنظمة اليونيسيف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بمناسبة “اليوم العالمي لحقوق الطفل”، الذي يصادف 20 نوفمبر من كل عام.
وأعربت توما عن قلق اليونيسيف إزاء مصير أكثر من 100 ألف طفل في حلب الشرقية (شمالي سوريا) بحاجة إلى مساعدات إنسانية.
ولفتت إلى أن الأطفال السوريين في حلب يتعرضون لقصف عنيف وحصار خانق، ويكبرون في أجواء مليئة بالعنف.
ومنذ نحو عامين يشهد اليمن حربا بين القوات الموالية للحكومة اليمنية من جهة، ومسلحي الحوثي، وصالح من جهة أخرى، مخلفة أوضاعا إنسانية صعبة.
أما العراق، فيشهد حربا على مساحة واسعة من جبهاته الغربية والشمالية، ضدّ الإرهاب المتمثل في تنظيم “داعش” منذ أكثر من عام، في ظل نزوح قسري وعمليات ينفذها التنظيم على المدنيين.
وتتوقع العائلات النازحة أن يكون شتاؤها قاسيا عليها وعلى أطفالها بسبب انعدام المساعدات المتمثلة في توفير المخيمات المجهزة بكافة المستلزمات الضرورية والخاصة بفصل الشتاء، حتى لوقاية النازحين من البرد الذي يعانونه لكون أغلبهم يسكنون في هياكل وبنايات قديمة وخيام تفتقر لأبسط مقومات العيش الكريم.
هذه العائلات محتارة بين الأولويات التي يمكن أن تجعل أطفالها على قيد الحياة، ولو أن هذه المعاناة متكررة في كل الفصول؛ فهل يؤمنون للأطفال الغذاء أم الدفء أم الدواء الذي يقيهم من الموت بسبب الأمراض التي تنتشر مع انتشار البرد وغزارة الأمطار؟
ويحذر الأطباء من أن فصل الشتاء يكون قاسيا عادة على الأطفال بشكل خاص حيث يواجهون خطرا أكبر بالتعرض إلى أمراض الجهاز التنفسي نتيجة الجو البارد، والأمر المأساوي أنهم يتعرضون للخطر أيضا عندما تحرق العائلات البلاستيك والمواد السامة الأخرى في الداخل من أجل الحصول على التدفئة.
برد بلا دواء
يترقب نازحون سوريون في مخيمات داخل سوريا، قدوم فصل الشتاء، حيث يسكنون خياما بسيطة، وبعضهم قد مرّت عليه سنوات على هذه الحال، فيما يتزايد عدد النازحين مع بدء القصف الجوي الروسي على الأرض.
ويتفق أغلب النازحين على أن معاناتهم تكمن في افتقار المخيمات إلى أبسط الخدمات الضرورية بغياب الرعاية الطبية وانعدام المرافق الصحية، حيث تصبح المعاناة أكبر مع حلول موسم الشتاء بسبب غرق الخيام في موسم الأمطار واقتلاع العواصف للكثير من الخيام، ما يجعلهم وأطفالهم يواجهون العراء.
وتزداد مخاوف النازحين على أطفالهم خلال الفصل البارد من انتشار الأمراض خاصة على الأطفال حديثي الولادة، فاختلاطهم ببقية العائلة يسبب لهم العدوى في غياب العناية الصحية ونقص التغذية.
تقول نازحة تدعى سلمى وأم لثلاثة أطفال في مخيّم على الحدود التركية “أطفالي في حاجة إلى وسائل تدفئة وملابس شتوية والمزيد من البطانيات لأن موسم الشتاء بارد جدا ولا يحتمل”. أما أبو نضال فيقول “إنه يعيش مع عائلته في ظروف صعبة للغاية٬ حيث أن الخيمة التي يقيم فيها مع أفراد أسرته الثمانية أصبحت متهالكة بسبب أشعة الشمس في الصيف ولم تعد صالحة لحمايتهم من الأمطار وبرد الشتاء”.
الأمر لا يختلف في العراق، فالنازحون يعانون من قلة المساعدات وخاصة منهم النازحون الجدد من الموصل والذين داهمهم الشتاء قبل ان يستقروا في مخيمات تحمي عائلاتهم من قسوة البرد.
تقول أم أمينة التي فرت مع أطفالها الأربعة بعد موت زوجها بسلاح الدواعش، إنها تسكن هي وعائلتها في “كرفان” ويشاركها فيه باقي أقاربها، وهم 23 شخصا، ويعد الكرفان قاعة تقتسم مساحتها هذه العائلات من خلال تهيئتها وقسمتها إلى غرف صغيرة باستخدام قطع من القماش البالي، حيث تكون هذه المساحات الصغيرة مفتوحة على بعضها، فلا خصوصية لأحد في هذا المكان، ولعل الجانب الأخطر في هذا المجال، اختلاط الأطفال مع بعضهم وانتقال الأمراض بينهم بسرعة كبيرة تستحيل السيطرة عليها.
وتضيف أم أمينة قائلة “أنا قلقة جدا على أطفالي من انتشار الأمراض، لأن المكان مزدحم جدا، ومفتوح من جميع جهاته، إذ يستحيل تحقيق العزلة العائلية المطلوبة لحماية الأطفال من الأمراض المعدية والسارية، لأنه عندما يصاب أحدهم بمرض ما، فإن العدوى تنتقل إلى الآخرين بصورة سريعة جدا”.
وفي اليمن يبدو أن فصل الشتاء سيزيد أوضاع الأطفال سوءا، فقد أجبر النزاع الدائر منذ سبتمبر 2014 أكثر من ثلاثة ملايين شخص على ترك منازلهم بسبب القتال وانعدام الأمن، وتحوّلوا إلى نازحين بلا أحلام غير خوفهم على حياتهم وحياة أطفالهم.
تقول “أم طه” نازحة في مخيم “ضروان” شمال صنعاء، إن خوفها يزداد على أبنائها من برد الشتاء “نطالب ببطانيات جديدة لمواجهة البرد القارس الذي يداهمنا.. لا يوجد لدينا فراش ولا ملابس شتوية تقينا من البرد، ونأمل أن يتم الالتفات إلينا”، مضيفة “حياة مُزرية.. فالأطفال يعانون من الجوع والعطش، ويأكلون أحيانا من القمامة”.
وإضافة إلى البرد القارس، يشكو نازحون من تسرب مياه الأمطار الغزيرة داخل خيامهم والإضرار بمحتوياتها، بسبب عدم تجهيز المخيمات بشكل يسمح بصرف المياه، نظرا إلى ضعف الإمكانيات.
وفي صنعاء والمناطق الجبلية المحيطة بها، تنخفض درجة الحرارة إلى درجة مئوية واحدة، بل قد تنخفض إلى تحت الصفر، ليهدد البرد القارس حياة الكثير من النازحين، ولا سيما الأطفال وكبار السن.
ومع هذه الأوضاع المتردية، يبدو أن الشتاء يحمل إلى النازحين في اليمن المزيد من المعاناة، خاصة في ظل حديث نازحين عن تراجع المساعدات المحلية والدولية المقدمة إليهم، ولا سيما في المناطق القريبة من جبهات القتال.
أطفال بلا مدارس
يتمتع الأطفال حول العالم بالاهتمام الكبير والواسع لكونهم أجيال المستقبل، ومن أهم الاهتمامات توفير الغذاء الصحي والدواء والتمدرس، إلا أن هذه الحقوق تكاد تكون منعدمة في مناطق النزاع في الوطن العربي وخاصة في مخيمات النزوح.
وتحذر المنظمات الدولية من فقدان جيل كامل في العراق وسوريا واليمن من حق التعليم، وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، أن ما يقارب من ثلاثة ملايين طفل سوري لم يلتحقوا بالمدارس بسبب الصراع الدائر، مشيرة إلى أن أكثر من 151 ألف طفل سوري ولدوا في مناطق اللجوء. وأشارت المنظمة في تقرير لها بعنوان “لا مكان للأطفال”، نشرته في مارس الماضي، إلى أن “نحو 2.8 مليون طفل سوري في سوريا والدول المجاورة لم يلتحقوا بالمدارس″.
ولفتت المنظمة في تقريرها، إلى أن “أطراف الصراع قامت بتشجيع الأطفال على الانضمام إلى المحاربين عبر الهدايا ورواتب تصل إلى 400 دولار شهريا”.
وتابعت أن “الأطراف المتحاربة تجنّد الأطفال الصغار الذين لا تزيد أعمار بعضهم على سبعة أعوام”، مشيرة إلى أن “أكثر من نصف الأطفال الذين جندوا في الحالات التي تحققت منها اليونيسيف في 2015 تقل أعمارهم عن 15 عاما”.
وقالت اليونيسيف، إن هناك قرابة مليوني طفل يمني في سن الدراسة من أصل 7.3 ملايين لم يلتحقوا بالمدارس، منبهة إلى أن هؤلاء أكثر عرضة للاستغلال والاستخدام من قبل الجماعات المسلحة والزجّ بهم في جبهات القتال.
وتقول اليونيسيف، إن نحو 1.5 مليون طفل يمني كانوا خارج المدارس قبل اندلاع الحرب في اليمن بسبب الفقر وضعف التنمية، وأضافت الحرب أكثر من 370 ألف طفل، ليقترب إجمالي الأطفال المحرومين من التعليم إلى نحو مليوني طفل. وحسب اليونيسيف، فإن نحو 2200 مدرسة دمّرت أو لحقت بها أضرار منذ تفجّر الأزمة اليمنية. وعلى مدى الأشهر الماضية استولت جماعات مسلحة على بعض المدارس في اليمن، واستخدمتها قواعد ومراكز لها، كما يستخدم نازحون بعض المدارس مأوى لهم بسبب الحرب وهروبهم من مناطقهم.
وتسعى الأمم المتحدة إلى ترميم وإعادة افتتاح سبعمئة مدرسة أغلقت بسبب الصراع، ونجحت حتى الآن في ترميم وإعادة فتح 370 مدرسة منها فقط. وأوضح بيان لليونيسيف في الآونة الأخيرة أنه ثبت للأمم المتحدة أن 1210 أطفال تقل أعمار بعضهم عن الثامنة يجندون في المعارك الدائرة بالبلاد.
وفي العراق تؤكد وزارة التربية أن 70 بالمئة من الأطفال النازحين فقدوا فرصتهم في التعليم لعام دراسي كامل، وفي المقابل فإن حوالي 5300 مدرسة في عموم العراق باتت غير صالحة لأداء وظيفتها التعليمية لأنها تضررت نتيجة المعارك أو تحولت إلى ملاجئ للنازحين.
وأمام عجز الحكومة المركزية عن حل أزمة التعليم بالنسبة إلى النازحين تدخلت المنظمات الدولية لتواجه هذا الواقع المؤلم، وتقول منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم إنها تمكنت من بناء 40 مدرسة وتركيب 141 غرفة صف في مختلف أنحاء العراق وإنشاء 1585 مساحة تعليمية مؤقتة، لتمكين أكثر من 200 ألف شخص نازح من فرص التعليم، إلّا أن هذه الأرقام لا تقارن بحجم طلبة المدارس من النازحين، فهي ضئيلة للغاية وغير قادرة على حل أزمة التعليم بالنسبة إلى النازحين.
وفي النهاية نجد أن حقوق الطفل في مناطق النزاع بالوطن العربي مهدورة، والأسباب كثيرة من أهمها الحروب والنزاعات، إضافة إلى تقصير الحكومات بالمنطقة في تحييد الأطفال عن الانقسامات والفوضى، ووضع ميزانيات تمكّن من الاهتمام بالطفل ونشأته وتمدرسه، حتى لا يكون مهمّشا بلا مستقبل.