عندما التحقت بالجامعة كانت الصحوة على أشدها، مظاهر غريبة في المحاضرات، وتطرف وغلو في الكلام، ومجموعات أو «قروبات» بالمعنى الدارج من الطالبات تملأ الأرجاء، مجموعة للدعوة، وأخرى لجمع الصدقات، ومجموعة لكفالة الأيتام في أفغانستان، ومجموعات للوقف وبناء المساجد في العالم الإسلامي، وحلقات للذكر، وغيرها من المناظر التي جعلت فطرتي تبتعد عنها لأني كنت أرى أنهم لا يفعلون ما يقولون وأشعر بالخداع في السلوك المتناقض، ما جعلني أعزل نفسي عن هذه المظاهر وألتفت إلى دراستي فقط.
الأمهات أمام هذه المظاهر العابثة بكل مبادئ الدين، اكتسبن هذه المظاهر من الأزواج والأبناء والأقارب والجيران، هذا بالنسبة للأميات، أما المتعلمات فمعظمهن اعتنقن الفكر يقيناً، وزرعوا هذا الفكر في عقول أبنائهم من الجنسين، ومن هنا تشكل الفكر الداعشي المتطرف، وما يؤكد كلامي هذا ما رأيناه بعد ذلك، من إرهاب وتفجيرات وتخريب في الوطن، وتضليل ومتاجرة بالدين في الإفتاء، والتكفير واللعن والشتم والقذف والتحريض على الجهاد، وسفك الدماء البريئة، والتنكر للوطن والعمل على هدم لحمته الأخلاقية والوطنية، تحت مسمى الحفاظ على المجتمع من سلوك الرذيلة والدعوة إلى الفضيلة، وركض الشباب خلفها في غفلة عن بناء المؤسسات الفكرية السليمة والمنتديات المحفزة للإبداع وقتل الفراغ الفكري، حتى الشعر والقصة والمقالة والأدب بأكمله لم يسلم من معارك جانبية لتصفية الحسابات بين فريق التجديد وفريق التقليدية والتكفير، حتى غدت هذه المعارك موائد دسمة على صفحات الصحف والمجلات، وانتقلت للإعلام والفضائيات، وأصبحنا كل يوم نتجرع كؤوس التطرف والغلو، لنصحو على مجتمع يأكل بعضه بعضاً باسم الدين، والأسبوع قبل الماضي نشرت «الحياة» عن استطلاع على مواقع التواصل الاجتماعي بتاريخ 23 تموز (يوليو)/ 25 رمضان الحالي، يقول: إن نسبة 92 في المئة من السعوديين يؤيدون دولة «داعش»، ما جعل حملة السكينة تعتزم عمل قياس علمي لمعرفة موقف الشارع السعودي من التنظيم.
الجهل بمبادئ الدين، وقصور المناهج المدرسية، والثقافة الإسلامية المغلوطة، وعدم انتشار ثقافة التسامح، والرد على الجهل، سمح لهذا الفكر بالانتشار حتى بين فئة بعض المثقفين الذين يهاجمون الصحوة ودواخلهم معبئة بمفاهيمها قولاً لا سلوكاً، ما جعل الجهل يتفوق على الثقافة في كثير من الأحيان، وأذكر امرأة أعرفها جيداً لم تكمل حتى المرحلة الابتدائية، وكانت طبيعية للغاية، ثم ظهرت عليها مظاهر التدين، وبدأت من المنزل تدعو النساء للاستماع إلى مواعظها، ثم تطورت وأصبح لها حضور من النساء في الأقسام النسائية من المساجد والتجمعات النسائية، بينهن من تحمل شهادات عليا، وأصبحت الرقم الصعب في قائمة الداعيات، ما يجعلك تفكر في هذه العقول التي سمحت للجهل أن يسيطر عليها بإرادتها وبكل وعيها من دون تدبر أو تفكير.
الحياة