من مقاعد الدراسة إلى مقاعد الحدائق العامة والكافي نت

سهيلة صوفي

سهيلة صوفي 

من مقاعد الدراسة إلى مقاعد الحدائق العامة والكافي نت

ظاهرة تسرّب الطلاب من المدارس أثناء الدوام الرسمي منذ ساعات الصباح حتى الظهيرة، ليست بالظاهرة الجديدة عن مجتمعاتنا، ولم يتم تلافيها وتقليصها حتى الآن لتشمل معظم أصقاع بلدان العالم، وشبيهاتها مدارس روجآفا وعلى وجه التحديد مدارس مرحلة التعليم الإعدادي والثانوي.

 ربما السبب وراء تفاقم هذه الظاهرة هو توسع الفجوة بين الكادر الإداري في مدارسنا وبين الأهل الذي لا يزال قائم حتى اللحظة، وغريبٌ أمرنا في تحليلنا للمشاكل التي تعاني منها مجتمعاتنا وذلك بالبحث عن الحلول التعسفية والآنية دون البحث في الأسباب المباشرة والحقيقية التي تسهم في استمرارية وتوسع فجوة هذه الظاهرة.

سؤال يطرح نفسه برسم الإجابة لكافة شرائح وفئات المجتمع، هل سأل ذوو هؤلاء الطلاب أنفسهم يوماً أين يذهب أبنائهم مع بدء الدوام الرسمي للمدارس، فالواقع أن الطالب في هذا الوقت يكون مع شلة من أمثاله في الحديقة العامة مع شرب سجائر ومشاكسات بالمارة، أو قضاء وقت على مقاعد الكافي نت ، بدل مقاعد الدراسة. فهل زار الأهل زيارة قصيرة للمدرسة لتفقد وضع وأحوال أبنائهم؟؟

ومن جانب أخر هل تساءلت الإدارة المدرسية ومكتب التوجيه والإرشاد النفسي يوماً لم لا يتجاوز عدد الطلاب في الشعبة الواحدة الخمسة عشر إلى العشرين طالباً في معظم مدارس قامشلو كمثال، رغم إني على يقين أن ظاهرة التسرب من المدارس ظاهرة عامة وموجودة في معظم مدارس المقاطعة، والسبب بسيط جداً وقابل للتصديق، فالطلاب المتسربين وعلى مرأى من الجميع مجتمعين غير مكترثين لا للتربية ولا للتعلم، لأن الامتحانات تشترى (بالراجيتة) أو بوليمة مفتوحة للموجه وأمين سرّ المركز أو المدرسين.

لا بد من الوقوف على هذه الظاهرة التي تدق ناقوس الخطر، والتعمق في معرفة الأسباب التي تدفع طلبتنا نحو التسرب، واتخاذ مقاعد الحدائق العامة والكافي نت بدلاً من مقاعد المدارس، تلك المقاعد التي لا تسلم أيضاً من ما هو مدفون في نفوس هؤلاء الطلاب من مواهب كحرفة النحت على الخشب لكتابة ذكرى “هيفين لكادار” وذكرى “فادي لشيروان”، ربما الأجواء المدرسية الخالية من المناظر الخلابة من طبيعة تجعل المدارس أماكن كئيبة وجافة لا تشجع على الدراسة، والتجاوب من قبل الكادر التدريسي والمدرسين والنقاش معهم مستحيل، فالباحة التي من المفترض أن تكون فسحة لاستعادة الطاقة بتلك المناظر الخلابة من مساحات خضراء، إلا إن مدارسنا باتت الحدائق فيها أشباه حدائق.

ولا يخفى الأثر السلبي لذوي الطلبة الذين بدأوا ينهشون بعضهم البعض منشغلين بأشياء أخرى كالعمل في بعض المؤسسات أو في الكومونات، وكل واحد منهم عضو في لجان الصلح الفلانية الخاصة بالمشاكل الأسرية أوفي لجنة البيئة والخدمية، أو منشغلين بغيرها من الأعمال الإنسانية.
لسنا ضد أي مساهمة ومبادرة من أي شخص والعمل في أي مجال ولكن لا أن يكون على حساب أبنائهم، تاركين أبنائهم في تسيب ولا مبالاة، غير خاضعين لا لتربية ولا لتعليم، ظنناً منهم بأنهم لمجرد إشغالهم الحيز الفلاني في المكان العلاني نجحوا وهو المهم لديهم، وبأنه يساهم في بناء وإصلاح مجتمع في الوقت الذي يكون أعمدة منزله منهارة، وعائلته متفككة لا تجتمع الأسرة فيها إلا في المناسبات الرسمية كالمسيرات والمظاهرات المنددة والمستنكرة، منشغلين بأمور إدارية لتكون الأهم في حياتهم من أبنائهم، تاركين أبنائهم متسيبين متروكين من الحديقة للكافي نت والعكس. وإن سألناهم لا نمتلك منهم إلا الحجج والتبريرات. وعجز اللسان عن التنبيه والتحذير ولم أجد سوى المثل الكردي ليكون المنفس الوحيد:

“Ez ne kevaniya mala xwe me، lê kevaniya heft mala me”

نشرت هذه المادة في العدد 53 من صحيفة “Buyerpress”

1/11/2016