أنا و”الطين” وهواك..

المكتب الإعلامي لقوى الثورة السورية-Buyerpress

شتاءٌ آخر بانتظار النازحين في مخيمات الداخل السوري واللاجئين في مخيمات الجوار.. شتاءٌ يبدو أنه سيكون مضني على السوريين ويحمل في جعبته آلام جديدة لهذا الشعب المكلوم..

أول “خيرات” الشتاء، أمطار غزيرة، حوّلت مخيمات النزوح في الشمال السوري إلى مستنقع من الطين، أما باقي “خيرات” الشتاء القادم، ستكون كما الشتاءات الماضية، كارثية على الشعب السوري في المخيمات.

نتائج “الشتاءات” الماضية، لم تحرك ساكناً لدى المجتمع الدولي، الذي اكتفى بإطلاق النداءات والاستغاثات، وتداعى لاستجداء الأموال والحسنات.

مجتمع دولي في أحسن الأحوال أرسل خيم بالية، ومساعدات ورقية، لا تغن ولا تسمن من جوع.

موجة “الطين” التي اجتاحت المخيمات العشوائية في الشمال، بعد السيول المطرية التي تساقطت بغزارة هناك، ودمّرت عدداً من الخيم، وأغرقت تلك الممتلكات القليلة لأولئك الأقل حظاً في هذه الحياة، لم تكن بجديدة على السوريين الذين اعتادوها واعتادوا غيرها من الكوارث من الموت اليومي ببراميل الأسد المتفجرة وصواريخه وقذائفه، إلى الاعتقال والتجويع والتهجير القسري والتغيير الديمغرافي.

المشاهد القادمة من تلك المخيمات الطينية، قوبلت بموجة تعاطف على مواقع التواصل الاجتماعية، وقلق خجول وعلى استحياء من بعض الجمعيات والمؤسسات المختصة بالشأن الإنساني، ولكن المحصلة بقيت، السوريون يعانون ويعيشون شتاءً آخراً في مخيمات تفتقر لأدنى متطلبات الحياة وأبسطها.

صور، فيديوهات، شهادات حيّة، كل ذلك لم يغير شيئاً في الشتاءات الخمسة الماضية، ولن يغير في هذا الشتاء السادس.. الأمر أصبح معتاد بالنسبة للكثيرين، حتى سكان تلك المخيمات لم يعد ينتظرون أي شيء من أي أحد.

غَرقُ السوريون في الوحل والطين، وإن أصبح أمراً مدركاً وواقعاً ملموساً في هذا المخيم وذلك، إلا أنهم كانوا غارقين في هذا الوحل والطين منذ سنوات، قبل الثورة بعقود، وإن كان بالمعنى الحسي للكلمة.

صور الأطفال يلهون ويلعبون ويقفزون في هذا الوحل الذي غمر خيمهم ومكان سكنهم، والرجال والنساء يتنقلون دون كلل أو ملل والسيول الطينية تغمر أرجلهم، لم تأتي من فراغ.

فالسوريون اعتادوا الوحل والطين، وإن كان هذه المرة أو في السنوات الست الماضية بفعل الجو أحياناً والقصف الأسدي والروسي أحياناً أخرى، فإنه في نصف قرن كان طين من نوع آخر، طين يمتزج باستبداد وديكتاتورية، بقمع وسلب للحريات.

وفي كل مرّة كان يغمرهم الطين، يعودون للوقوف على أرجلهم مرة أخرى، وربما بضحكات الأطفال مرة، وبأمل الرجال مرّة أخرى، وبعزيمة النساء مرّة ثالثة، وبإصرار الجميع رابعة.

ولكنهم يقفون مرة أخرى، سواء كان الطين نتيجة سيول مطرية، أو ديكتاتورية استبدادية.