قضية ضحايا الشّاحنة النمساوية”شاحنة العار” إحدى الجرائم السبعة العالميّة المنظمة ضدّ الانسانية

 

 

خاص – Buyerpress

– حين فتحوا الشاحنة ظهر أولادي وكأنّهم نائمون وعلى لباسهم بقع دم.. كانت الجثث مهترئة تماماً ولونها متغير.

– طلبوا مقابل كل جثّة 6000 يورو، وكتبوا على كل تابوت (مجهول الهوية.. مات اختناقاً).

– هناك أطراف كردية انسحبت من تبني هذه القضية، لأسباب سياسيّة، وهذا شأنهم.

“شاحنة الموت” أو “شاحنة العار” كما أسماها الإعلام الأوربي، شاحنةٌ حوت بداخلها جثة 71  مهاجراً يقصدون أوربّا، عُثر عليها متروكة على أحد الطرق السريعة في النمسا، الشرطة النمساوية رجّحت حينها أنّ غالبية الجثث تعود لمواطنين سوريين. وصرّحت الشرطة وقتها أنّ المقبوض عليهم ثلاثة بلغاريين أحدهم ينحدر من أصول لبنانية، ورابع أفغاني، ومنعت الشرطة النمساوية تصوير الشاحنة والجثث أثناء إخراجهم من قبل وسائل الإعلام، إلّا أنّه تمّ تسريب بعض الصور الملتقطة للشاحنة تظهر فيها الجثث مكدّسة فوق بعضها بشكل تراتبي مع كدمات ودماء على بعضها مما جعل البعض يشكّ في الحادثة وحيثياتها الغامضة والمجهولة حتّى الآن. هل ماتوا اختناقا؟ أم أنّ هناك جريمة مدبّرة أودت بحياتهم؟

وكانت أولى الشائعات أنّ اللاجئين ركبوا بمحض إرادتهم في شاحنةٍ صغيرةٍ للهروب إلى أوروبّا، وقام المهرب الذي أقنعهم بالركوب بتركهم بالشاحنة المغلقة مما أدى إلى اختناقهم،  لكن بعد تحليل الصور المسربة والمعلومات الضئيلة استبعد الكثيرون احتمال موتهم اختناقاً، وقويَ احتمال تعرضهم لسرقة الأعضاء والقتل.

تحليلات كثيرة ملأت صفحات التواصل الاجتماعي حينها، منها: ” الإشاعة الأقوى والأقرب للصحة هي عملية بيع أعضاء المهاجرين، وتمّت على مراحل وجُمعت في براد شاحنة لفترات متفاوتة، وكل مرّة يضعون جثث تلو الأخرى حتّى امتلأت بها الشاحنة وهربت إلى الطريق السريع وركنت بجانبه، وقد ظهرت الجثث متكدسة بشكل منتظم دون أن تكون سقطت فوق بعضها بشكل عفوي”.

وتساءل الصحفيّ السوريّ جورج كدر حول قضية ضحايا شاحنة العار بالقول:” برسم المخابرات الاوربية وعسسها: إذا صحّت هذه الصورة المسربة والوحيدة حتّى الآن لشهداء ” شاحنة الموت ” فإنّ وضعية أجسادهم تؤكد أنّه هناك جريمة قتل مدبّرة ..لأنّ بقاء الأجساد على وضعيتها لا توحي بأنّها صارعت الاختناق … ويبدو من يد المهاجر والرضوض الحمراء تنتشر حول معصمه من شدة الضرب على باب شاحنة الموت أنّه كان مشلول الحركة وأنّه حاول استجماع قوته في لحظة معيّنة للخلاص من الموت، هل كانوا تحت تأثير مخدر أو منوّم أو شيء ما سلبهم حركتهم … المجرم والمتواطئين معه وحدهم يعلمون”

وصرّح المتحدث باسم الشرطة النمساوية هانس بيتر دوسكوزيل حينها أنّه يشتبه بأن الموقوفين “هم جزء من عصابة بلغارية ومجريّة لتهريب البشر”.

الكاتب والمثقف الكردي خليل مصطفى مدرّس تربية فنيّة، وممثل ذوي ضحايا الشاحنة النمساوية وهو من أبناء روجآفا ووالد الشهيدين رامان وحسين مصطفى يؤكد أنّالسلطات النمساوية التي كانت على اتصال مع ذوي الضحايا قد أعلنت بأنّها ستعلن التحقيقات كاملةً للرأي العام العالمي وكانت اتصالات السلطات النمساوية بشكل مباشر عن طريق ترجمان، وفي كل مرة كانوا يدّعون أنّه لا يوجد أثر لأسماء الضحايا عندنا ولا إثباتات بأنّ أبناءكم من ركاب الشاحنة النمساوية، واستمرّ الحال هكذا وفي كل مرّة يطلبون صور الهويات والصور الشخصية وآخر صورة لهم باللباس الذي كانوا يرتدونه، كما طلبوا أيضاً صورة عن جوازات السفر إلى آخره من الأمور.

كُتب على كل تابوت “مجهول الهوية.. مات اختناقا”

ويقول : “تأكدنا في البداية أنّهم ليسوا من الضحايا من خلال تجاوب السلطات النمساوية معنا، ولكن تفاجأنا بعد شهر من خلال اتصالاتنا معهم حيث طلبوا منّا فحص “DNA”، وقد أعطيناهم عينات من الـ “DNA” عن طريق ابن عمي وبنفس الوقت أمّه هي أختها لأمّ حسين (والدة الضحايا)، وطلب ابن عمي أن يرى الجثث فمنعوه وقالوا له بأنّه لو أردتم أخذ الجثث فيجب أن تدفعوا مقابل كل جثّة 6000 يورو، والمؤسف جدّاً أنّهم كتبوا على كل تابوت (مجهول الهوية.. مات اختناقا). وأيضاً كانوا قد كتبوا تاريخ الوفاة دون تاريخ الولادة مع العلم بأنّه يوجد بحوزتهم جوازات السفر”.

متابعة القضية:

يقول مصطفى:” السبب هو ورود معلومات تفيد بأنّ جهة ما ستتبنى القضية وايصال الجثامين إلى مسقط رأسها، وانتظرنا شهراً ونصف  بدون  جدوى. وهذا ما جعلنا نستفسر ونستقصي لنصل لحقائق مؤكّدة بأنّ السلطات النمساوية لم تكشف عن الحقيقة رغم علمها بها. والغاية من ذلك، أنّ وراء هذه الجريمة شخصيات سياسيّة ومافيات ودول وحسب ما قال المتابعون القانونيون إنّها إحدى الجرائم السبعة العالمية المنظمة التي تتم ضدّ الانسانية. وهذه القضية بالذات تعتبر وصمة عار للإنسانية قاطبةً”. ويتابع:” رفعنا شكوى عن طريق منظمة ماف لحقوق الإنسان للأمم المتحدة ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان والمهاجرين، وطلبوا معلومات فأرسلنا لهم معلومات دقيقة جداً”.
ويشير مصطفى إلى أنّ النمسا تخطّت وتجاوزت القانون الأوروبّي والنمساوي والاتحاد الأوروبّي:”ففي النمساوي إذا حدثت جريمة في حدودها تلتزم الدولة بإجراء المحكمة في مكان الجريمة، ونحن أليس من المفروض إقامة المحكمة على الأرض النمساوية،والاتحاد الأوروبّي والجناح القضائي فيه ملزمان بإجراء محكمة للقبض على المجرمين وتقديمهم للمحكمة، الذين خططوا،وشاركوا،ونفّذوا، ونحن لدينا وثائق وصور وإثباتات ومكالمات صوتية تثبت كل شيء، كان الأولى بأوروبّا وحكوماتها أن تسهل وصول هؤلاء المهاجرين الآمنين إلى وجهتهم، وأنا أتحدث عن أولادي، وعن اثنين آخرين كانوا ذاهبين لإكمال دراساتهم العليا في ألمانيا”.

وعن الهدف من الحملة التي قاموا بها أوضح مصطفى أنّها :” للتحفّظ على المحكمة التي أقُرّت أن تُجرى في هنغاريا،لأنّالمحاكم الهنغارية سيئة. هنالك ثمانية من المهربين تم القبض عليهم بينما هنالك مهربون آخرون ذو شأن خارج السجن لم يُقبض عليهم بعد، وهي شبكة كبيرة متصلة ومتعاونة مع بعضها من كل هذه الدول”.

خليل مصطفى ممثل ذوي ضحايا الشاحنة النمساوية ووالد الشهيدين رامان وحسين

ويتساءل مصطفى في خِضمّ حديثه:” ماهي وظيفة الأحزاب الكرديّة والعربيّة والمسيحيّة الموجودة لدينا وما هو دورها إن لم تدافع عن حقوق أبناء جلدتهم ؟ وما هي وظيفة المعارضة السورية تجاه القتل العمد لسبع مواطنين من ديرالزور؟ أين الحكومة السورية والمعارضة السورية؟ وأين حكومة كردستان من قتل  ثمانية عشر إنساناً عمداً وسبعة شباب من خيرة شباب روجآفا”.

 

الكل تخلى عن القضية

ولا ينكر مصطفى أنّه توجّه إلى كافة الأطراف السياسية والتجمعات الحقوقية ولجان السلم الأهلي في روجآفا:” زرت جميعهم،مثل المجلس الوطني الكردي في سوريا، والتحالف، وTEV-DEM، والهيئة المسيحية، والجمعية الأرمنية، والقبائل العربية، والأحزاب العربية، تجاوبوا معنا، وذهبتُ أخيراً لمكتب حقوق الإنسان في مقاطعة الجزيرة فتبنت القضية، ومن الذين تبنّوها أيضاً الإدارة الذاتية، والمجلس التشريعي، والتحالف الوطني الكردي، وتجمع الديمقراطيين اليساريين، والحزب التقدمي، وقبيلة طي، والحزب الديمقراطي السوري وهو حزب عربي، وقيادة العشائر السورية العربية، بينما أخيراً – مع الأسف الشديد-  ابتعدوا، وكلّ من لم أذكره في البداية وذكرته الآن تخلوا، أطالبهم ألّا يكونوا ازدواجيين وأن يكونوا ذو وجهٍ واحد، كيف يطالبونبالحقوق الإنسانية لأحزابهم ولشخصياتهم ولأبنائهم،ويتناسون قضيّة الشاحنة النمساويّة، هذا واجبهم، وغايتنا جمع هذه الأطراف والمحامين الموجودين لديهم لتدارس القضية ومساعدتنا في إيجاد محامين في أوروبّا للطعن بإقامة هذه المحكمة بهنغاريا وإنشاء محكمة أخرى،لأنّه لديهم لجان حقوقية ومحامون في أوروبّا وإمكانيات ماديّة فلماذا لا يؤدون واجبهم؟”. منوّهاً:” غايتنا الأساسية الآن أن نوصل قضيتنا إلى الشعوب الأوروبيّة وإلى الشعب النمساوي ولدينا الصور، وسأكشف عن  الصور التي تثبت بأن الضحايا لم يموتوا اختناقا وإنّما قتلوا وسرقت أعضاءهم وهذا الشيء مؤكد”.

ويؤكد مصطفى:” هذه شبكة من المافيا والمهرب يستدرج المهاجر، فالهمّ الوحيد للمهاجر أن يصل لوجهته، فيصطاد المهرب المهاجر،ويتمّ إغراؤه وتسليمه من مهرب لآخر،وجمعهم في مكان معين، وقد مورس ذلك مع أكثر من 71 شخص”.

ويوجّه سؤاله إلى السلطات النمساوية:” من أين دخلت الشاحنة؟ هنالك طريقتين إمّا دخلوا بالسلاح، وهذا لم يحدث، أو أنّهم دخلوا بشكل نظامي، فأين الشرطة الحدوديّة!؟ هنالك كاميرات ترى ما بداخل الشاحنات، وهذه الشاحنة مسموح لهابالدخول والخروج”:

ويستدرك بسؤال آخر:” كيف تتكسر أسنان شخص مختنق!!؟ كيف تظهر كدمات على يديه ورجليه!؟ وكيف تُخرج أحشاءه!؟ هل طارت!؟ لِمَ التكتم على ما جرى!؟ أكرر وأقول الشعب الأوروبّي غير الحكومة الأوروبيّة، وكلامي هذا موجّه للشعب النمساوي والشعب الأوروبّي عامةً، طالِبوا الحكومة النمساوية، والحكومة الهنغاريّة، والألمانيّة، طالبوا دولكم بوقف هذه المهزلة وإنشاء محكمة تراعي القوانين والمواثيق والعهود الدولية الخاصة بالمهاجرين، نحن لا نقتصّ بأيدينا، بل نطالب القوانين بأن تُقتصّ لنا.. حين فتحوا الشاحنة ظهر أولادي وكأنهم نائمون وعلى لباسهم بقع دم، والجثة لا يحدث لها شيء إذا بقيت في البراد مهما طالت المدّة، وفي حالتهم كانت الجثث مهترئة تماماً ولونها متغير والأعضاء ليست في مكانها وقد أُخرجت”..
ويؤكّد والد الشهيدين رامان وحسين:” لدينا معلومات بأنّ الشاحنة تابعة لشركة لأحد الوزراء، وهذا الوزير ليس نمساويّاً، فأكثر من دولة مشتركة في هذه الجريمة، ولذلك يلزم إقامة محكمة دوليّة، وتقام في إحدى الدول الغربية الأوروبيّة وليس في هنغاريا لأنّ الناس جميعاً قد رأت البوليس الهنغاري وهو يضرب المهاجرين بالهراوات تحت المطر، هؤلاء سيحكمون بالعدل!؟أحد المهربين دفع 40ألف يورو لمحاميهكقيمة الدفعة الأولى لقاء الدفاع عنه، وهنا سؤالي من أين لهذا المهرب هذا المبلغ الكبير وكدفعة أولى فقط!؟ العملية واضحة وتحتاج لضمير إنساني نبيل”..

رسالة ذوي الضحايا..

ووجّه خليل مصطفى رسالة للأحزاب الكرديّة: ” كنت أتمنى أن يجتمع الكل حول طاولة واحدة للتكاتف والتضامن ولإحقاق حقوق هؤلاء الضحايا، لكن هذا لم يحدث،كما أتمنى من جهة أخرى بعد هذه المأساة والمهزلة التي رأيناها من بعض الأطراف أن يراجعوا ضميرهم الإنساني،ويحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسَبوا،لا تكونوا ازدواجيين. شعبنا غير مدرك، غرّته هالة أوروبّا وإنسانيتها،شعبنا يهلهل لميركل التي تشبّه نفسها بالنجاشي ملك الحبشة”.

تبني قضية الشاحنة قانونياّ:

المحامي خالد ابراهيم وهو عضو لجنة ذوي الضحايا قال:” إنّ النمسا تدّعي أنّها بلد الحريات والديمقراطيات،لكن يد الظلم وتجار الحروب والإنسانية استطاعت اغتيال هؤلاء الذين هربوا من أتون وظلم الحروب محاولين البحث عن مكان آمن يكون فيها نوع من الحريّة والأمن والاستقرار،اغتالتهم في هذه الشاحنة بجريمة بشعة ترتقي إلى درجة جرائم الحرب المنظمة، وهم من جنسيات وأثنيات متعدّدة حول العالم “.

المحامي خالد ابراهيم عضو لجنة ذوي الضحايا

وقال ابراهيم أنّهم في مكتب حقوق الإنسان في مقاطعة الجزيرة:”نتبنى هذه القضيّة حقوقياً وإنسانيا لأنّها وظيفتنا الإنسانية، وندعو ونناشد كافة المنظمات الحقوقية والدولية بتبني هذه المجازر وبتبني هذه القضية:” منوّهاً:” إنّهناك أطراف كردية انسحبت من تبني هذه القضية، لأسباب سياسيّة، ونحن كحقوقيين نقول هذا شأنهم، ويمكنكم سؤالهم عن أسباب انسحابهم من هذا التبني”.

أعلن عن الجريمة بتاريخ 27\8\2015وبلغ المجموع العام للضحايا واحد وسبعون ضحية، منهم تسع وخمسون رجلاً، وثمان نساء، وأربعة أطفال، كما كان بينهم خمس وعشرون أفغانياً ، إضافةً إلى ثمانية عشر شخصاً من إقليم كردستان والعراق، وفي سوريا سبعة من مدينة ديرالزور، وفي روجآفا سبعة، خمسة منهم من القامشلي واثنان من تل أبيض وهما أبناء عمومة متزوجان حديثاً.

مرّت سنة على هذه الجريمة التي يندى لها جبين الإنسانيّة، دون أن تحرّك أغلب المؤسسات والأحزاب ومنظمات حقوق الانسان المحلية والعالمية، ساكناً،ومن تبنّت القضيّة فأنّها لم تصل بعد إلى أيّة نتائج توحي بأنّه هناك بارقة عدل بإنصاف الضحايا تلوح في الأفق.. فهل ستفضي التحقيقات في المحكمة الهنغارية والمتحفَّظ عليها من قبل ذوي الضحايا إلى أيّة نتائج أم ستبقى النتيجة النهائية كما كُتب في التحقيقات الأوليّة حينها ” مجهول الهويّة.. مات اختناقا”..!؟

نشرت هذه المادة في العدد (50) صحيفة Buyerpress تاريخ 1/9/2016