بغداد تقاضي أنقرة دولياً: كردستان يبدأ تصدير النفط عبر تركيا

بعد أشهر من الخلافات بين بغداد واربيل بشأن قضية تصدير نفط إقليم كردستان شبه المستقل إلى الأسواق العالمية عبر الأراضي التركية، فرضت أنقرة وسلطات الإقليم خلال اليومين الأخيرين واقعاً جديداً إثر الإعلان عن إتمام أول عملية في هذا الصدد، فيما اكتفت بغداد بإصدار بيان عملي عبر وزارة النفط يشير إلى اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد جارتها الشمالية.
وإزاء هذه التطورات، سارعت واشنطن لإعلان موقفها، حيث قالت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية جين بيساكي إنّ “موقفنا منذ أمد طويل هو عدم دعم الصادرات ما لم تكن الحكومة المركزية العراقية موافقة عليها حسب الأصول ونحن قلقون من التأثير الذي قد ينجم” عن هذه الصادرات. وأضافت أنّ “قلقنا الحالي يتعلق باستقرار العراق”، مؤكدة أن “العراق يواجه أصعب وضع. كنا واضحين عندما قلنا إنه من المهم لكل الأطراف التحرك لمساعدة البلاد وتجنب كل ما يمكن أن يعزز الانقسامات والتوتر”.
وأعلنت السلطات العراقية، أمس، اتخاذ إجراءات قانونية ضد تركيا إثر إعلان أنقرة البدء بتصدير نفط كردستان، بحسب ما جاء في بيان صادر باللغة الانكليزية عن وزارة النفط. وقال البيان العراقي “قدمنا طلب تحكيم ضد الجمهورية التركية وشركة بوتاس لخطوط نقل النفط التابعة للدولة، إلى غرفة التجارة الدولية في باريس”. وأضاف البيان أنّ سبب طلب التحكيم هو أنّ تركيا قامت بـ”نقل وتخزين النفط الخام من إقليم كردستان وعن طريق تحميل النفط الخام عبر ناقلة في ميناء جيهان التركي، كل ذلك من دون إذن من وزارة النفط العراقية”. وأكد أنّ “تركيا و(شركة) بوتاس انتهكتا التزاماتهما الخاصة باتفاقية أنابيب نقل النفط، العراقية ـ التركية”.
بدوره، أكد المتحدث باسم وزارة النفط العراقية عاصم جهاد أنّ “الوزارة وجهت رسائل إلى جميع الجهات التي تتعامل بالنفط لتحذيرها من التعامل مع هذا النفط الذي يعتبر مهرّباً”.
وكان وزير الطاقة التركي تانر يلدز قد أعلن في وقت سابق أمس، بدء بلاده بتصدير النفط من كردستان العراق إلى الأسواق العالمية. وقال يلدز للصحافيين إنّ “الشحنات بدأت الساعة العاشرة من مساء أمس (أمس الأول) من ميناء جيهان” في جنوب تركيا، موضحاً أنّها بيعت “على الأرجح” لإيطاليا أو ألمانيا. لكن الوزير التركي أبقى الأمور مبهمة نوعاً ما حين قال إنّ “العراق هو الذي يبيع وينتج النفط والعراق هو الذي سيدير المبيعات المقبلة”.
وكانت حكومة إقليم كردستان قد ذكرت في بيان أمس، أنّ الشحنة الأولى من النفط المنقول من الإقليم عبر خط أنابيب إلى تركيا بيعت لأسواق أوروبية وأنّ الإيرادات ستودع في “بنك خلق” التركي. وأضاف البيان أن صادرات نفط كردستان من ميناء جيهان التركي سوف تستمر برغم معارضة الحكومة المركزية العراقية.
وقال البيان كذلك إنّ ناقلة محملة بأكثر من مليون برميل من النفط الخام غادرت، أمس الأول، من ميناء جيهان صوب أوروبا. وأضاف أن هذه أول مبيعات من النفط المصدر عبر خط الأنابيب الجديد في إقليم كردستان. وذكر أنّ الإيرادات ستعامل كجزء من حصة الإقليم من الميزانية الوطنية العراقية والتي حجزت بغداد جزءا منها منذ بداية العام ردا على تحرك الأكراد لتصدير النفط بشكل مستقل.
وقالت حكومة الإقليم إنها لا تزال مستعدة للتفاوض مع بغداد وستمتثل لالتزامات تفرضها الأمم المتحدة بوضع خمسة في المئة من الإيرادات في حساب منفصل للتعويض عن غزو العراق للكويت في العام 1990.
ويقوم الخلاف بين الطرفين، أساساً، بخصوص كيفية تعامل السلطات المحلية مع الثروات الموجودة ضمن أراضيها. وتعتبر بغداد أنّ النفط يعود إلى كل العراق، بينما تصر اربيل على التعامل مباشرة مع شركات نفطية.
وفي العام 2009، بدأت محافظات الإقليم الثلاث (دهوك، السليمانية واربيل) بتصدير النفط عبر خط تابع للحكومة العراقية يصل إلى ميناء جيهان التركي على البحر الأبيض المتوسط، إلا أنّ الصادرات توقفت لفترات عدة بسبب خلافات بشأن تقاسم الإيرادات. وفي العام الماضي، أنهت حكومة إقليم كردستان إنشاء خط أنابيب مستقل يصل إلى ميناء جيهان، وبدأت بنقل مخزونات اعتبارا من شهر كانون الثاني الماضي.
وجدير بالذكر، أنه بالتوازي مع هذه التطورات، بدأ مهندسون عراقيون، أمس، إصلاح خط الأنابيب الرئيسي الواصل إلى تركيا بعد إغلاقه قبل حوالي ثلاثة أشهر والذي تسبب في انهيار كامل للصادرات من حقول النفط الواقعة في شمال العراق. وكان خط الأنابيب قد أصيب بأضرار في هجمات شنتها مجموعات يُعتقد أنها تابعة لـ”القاعدة”. وأوضح مسؤول انه يجري إرسال فرق عدة لإصلاح 30 خرقا في خط الأنابيب.
وتأتي هذه التطورات في وقت ينشغل فيه العراقيون بمفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة، ما يشير إلى أنّ السلطات في اربيل قد تستغل قضية تصدير النفط لتحصيل تنازلات من محاوريها العراقيين للقبول بالمشاركة في أي ائتلاف مفترض.
(“السفير”، أ ف ب، رويترز، أ ب)