طقوس الكتابة وأماكنها عند مشاهير الأدباء

طقوس غريبة قد لا تخلو من الطرافة والإمتاع لبعض الكتاب المشاهير وهي طريقة تكشف عن جزء غامض في شخصية كل كاتب.

جيمس جويس كانت له طريقته في الكتابة وطقوسه الفريدة من نوعها

في أيّ وضع يحبّ الكاتب أن يكتب، وفي أيّ مكان؟ الجواب عن هذا السؤال يأتي بحسب الأمزجة والطبائع والعادات. فلوبير، أوّل مؤسس للحداثة في مجال الرواية، والذي كان يجترح كلّ كلمة يكتبها “من لحمه”، كان يحدث ضجيجا عاليا بالغرفة التي كان يكتب فيها، والتي يكون قد أحكم إغلاقها، فلكأنه يخوض معركة ضارية مع أعداء الدّاء، أو مع لصوص اقتحموا بيته وهو في غفلة من أمرهم.

في الحقيقة كان فلوبير صاحب رواية “مدام بوفاري”، وهو مستغرق في الكتابة، يحبّ أن يروح ويجيء في الغرفة المغلقة، ضاربا الأرض بقدميه، متفوّها بكلمات يرغب في التعرّف على مدى موسيقيّتها، وصداها لدى القرّاء، لاعنا، باكيا، مطلقا الأنين والصراخ، مردّدا لأبيات من الشعر القديم تعينه على نحت جملة من جمله. وعندما سأل الخدم زوجته عمّا يحدث في غرفة “السيد فلوبير”، أجابت: “السيد بصدد تهذيب أسلوبه”.

عزلة بروست

كان مارسيل بروست مصابا بالربو، وكان ذا حساسيّة مفرطة، لذلك كان يحبّ أن يكتب بعد أن يكون قد سدّ كلّ المنافذ، مغطّيا جدران الغرفة بالورق الناعم حتى لا يتسرّب إليه أيّ شيء يمكن أن يخدش سمعه، ويكدّر راحته، وكان يكتب مرتديا ثياب النوم، ومنتعلا خفّا.

وعندما تضيق به العزلة، يخرج للسهر في بعض الأماكن المشبوهة التي يرتادها المهووسون بالجنس والمتع المحرّمة. وذات مرّة عاد برضوض في وجهه. وكان واضحا أن أحدا سدّد له لكمات قويّة. فلمّا سألته الخادمة عن الأمر أجابها باسما: “يحدث هذا من وقت لآخر!”.

بين الحانات

و”اختطف” جيمس جويس نورا بارناكل فائقة الجمال، والتي كانت تعمل بفندق في دبلن، ومعها ينطلق إلى مدينة ترياست الإيطالية الواقعة على ساحل البحر الأدرياتيكي، حيث عمل هناك معلما للغة الأنكليزية، وعاش حياة كابد فيها أقسى ألوان العذاب والشقاء. مع ذلك أنهى مجموعته القصصية “أناس من دبلن”، وروايته “صورة الفنان شابا”، وشرع في كتابة أثره الشهير “أوليسيس”. وكان يكتب في غرفة ضيّقة للغاية، مرتديا بِذْلة بيضاء كتلك التي يرتديها الأطباء والممرضون.

كان صاحب رائعة “أوليسيس” يحبّ أن يكتب في النهار حتى إذا ما جنّ الليل، انطلق إلى الحانات ليحتسي نبيذه الأبيض المفضّل. وبين الحين والآخر يسجل في دفتر صغير ما يسمعه من طرائف وحكايات. وعندما استقرّ في باريس خلال العشرينات من القرن الماضي، كان يرتاد حانات “مونبارناس”، و”الحي اللاتيني” متحاشيا الالتقاء بالكتاب والشعراء الذين كانوا يقيمون حينذاك في العاصمة الفرنسية.

وكان يشاهد دائما وحيدا، أو مصحوبا بعائلته. وقد عشقت ابنته “لوسي” الكاتب المسرحي صامويل بيكت الذي كان كاتبه الخاص، غير أن صاحب “في انتظار غودو” لم يستجب لعواطفها، ففسدت العلاقة بين المبدعين الكبيرين، ودخلت لوسي المصحة العقلية لتمكث فيها حتى وفاتها بعد أن تجاوزت سنّ الثمانين.

الكتابة في المطبخ

أقام الشـاعر غيوم أبولينير في شقّة بأربع غرف، وكانت بها شرفة فسيحة تطلّ على بولفـــار “سان- جارمان- دي بريه”، غير أنه كان يفضّل الكتابة في المطبخ على طاولة صغيرة من الخشب الأبيض. كما أنه كان يعشق مضاجعة حبيباته بعد أن يكون قد قرأ عليهن قصائده التي لم تكن قد اكتملت بعد.

وعندما استقرّ المقام بالشاعر والروائي بليز ساندرارس في الجنوب الفرنسي، لم يكن يكتب في الطابق الأول من مسكنه المطلّ على حقول شاسعة، وإنما في الغرفة السفليّة التي تنفتح على جدار الحديقة. وكان يقول: “لم أعرف إلاّ كاتبا واحدا يعشق الكتابة أمام المشاهد البانورامية، ألا وهو ستاندال الذي كان مفتونا بعظمة نابليون”.

وفي السجن كتب جان جينيه عمله الشهير “مذكرات لص”، والعديد من الأعمال الأخرى، وكانت تلك الأعمال هي التي أقنعت القضاة الفرنسيين بإطلاق سراحه بعد أن كان محكوما بالمؤبّد. ويقول الكاتب النمساوي بيتر هاندكه بإنه يحب أن يكتب في الفنادق، وفي غرفة تكون نوافذها مفتوحة على ضجيج الشارع.

وكان سارتر يتخيّر الكتابة في مقاهي “السان- جارما- دي بريه” الأنيقة، وفيها أنجز العديد من أعماله الفلسفية والروائية، ومثل صديقه اللدود ألبير كامو، لم يكن يستطيع الكتابة بدون سجائر “الغولواز” القوية. أما الكاتب الألماني توماس مان فإنه لم يكن يجلس أمام الورقة البيضاء إلاّ بعد أن يحلق ويتعطر ويلبس بدلة فاخرة حتى لكأنه ذاهب إلى حفل رسمي.

حسّونة المصباحي – العرب اللندنية