حرّمه الدين وحلّله العرف العشائري.. عادة الحيار, الأسباب والنتائج

 

 

تحقيق : فنصة تمّو

– الحيار عادة جاهلية قديمة, ترفضها الشريعة الاسلامية أبداً, لا زواج إكراه حتى ولو من اقرب المقربين.

– هو اليوم لديه زوجة وعائلة, أما أنا لازلت إلى اليوم أدفع ثمن هذه العادة.

– الحيار عادة عشائرية موغلة في القدم وقد تكون متجذرة في العشائر العربية اكثر منها في غيرها.

 

لا زلنا بين الفينة والأخرى نسمع قصصاً تستثير في ذواتنا نوعاً من السخط حيّال بعض العادات والتقاليد, خاصة في تلك التي تقول أنه لابن العمّ الحق في ابنة عمه وفي حال رفضها فأنه يحق له ممارسة حقه المشروع من قبل العرف العشائري  تحت مسمى ” الحيار”. ومنْ منّا يجهل هذه العادة, حيث تحضرنا حادثة ليست ببعيدة؛ الفتاة اليزيدية “شيلان” ابنة 22 ربيعاً والتي أقدم ابن عمها على قتلها أثناء حضورهما حفل زفاف في مدينة هانوفر الألمانية، لرفضها الزواج به، بعد أن كان قد “حيرها”  وفق عادة الحيار, وليعبر ابن العم عن عدم تقبله لهذا الرفض بقتل ابنة عمه شيلان التي لا حول لها ولا قوة أمام رصاصات الجهل والغدر, التي استقرت في جسدها وأطفأت شمعتها ثمنا لعادات وتقاليد ما أنزل بها الدين أو الشرع من سلطان .

م.س ضحية أخرى لازالت تدفع ضريبة عادة “الحيار” وتقول بنبرة ملؤها الحزن: “كنت أبلغ من العمر 20عاماً حين قرر أبن عمي أن “يحيرني” لنفسه بعد أن رفضته, كان يتدخل كلما سمع أن هناك شخص سيتقدم  لخطبتي فيتراجع الأخير لقناعة منه أن ابن عمي هو الأحقّ بي منه, وهذا الشيء كان يشعرني بالظلم.

تتابع م.س سرد تفاصيل قصتها وهي تبلغ من العمر اليوم 43عاماً:” بعدها لم يعد يتقدم أحد لخطبتي لا قريب ولا غريب, وحين تزوج من أخرى, تنازل عن جزء من حقه المزعوم, فوافق أن أتزوج من غريب, ولكن منع هذا الحق عن الأقرباء, هو اليوم لديه زوجة وعائلة, أما أنا لازلت إلى اليوم أدفع ثمن عادة “الحيار”.

فيما تختلف معاناة ص.ع عن سابقاتها, حيّرها ابن عمها حسب ما أحلّ له العرف العشائري بالرغم أنه كان متزوجاً وأباً لثلاثة أطفال, حيث بدأت حكاية ص.ع منذ بدأت زوجة ابن العم تحرض زوجها على التقدم لابنة عمه بعدما تأكدت من أنها سترفضه وهي بعملها هذا تكون قد أشغلت زوجها عن الزواج بأخرى, وهي تدرك كل الإدراك أن هذا الزواج لن يتم ابداً.

أحدث ابن العم الكثير من المشاكل لابنة عمه كلما سمع بتقدم أحدهم لخطبتها لتمضي الأيام ويقع ابن العم في حب فتاة أخرى وتقدم لخطبتها لترفض الفتاة وتشترط قبولها بترك ابنة عمه تتزوج وتعيش حياتها مع من تختار, وبالفعل كان ذلك, فبعد 14 عاماً ص.ع  تسترد حقها في الارتباط بالشخص الذي يناسبها ولكن هذا لن يلغي مقدار المعاناة التي عانتها طيلة 14 عاما.

يقول السيد عامر دقوري عضو مجلس العشائر الكردية: بالنسبة للمشاكل المتعلقة بعادة الحيار فقد قلّتْ بشكل كبير, وخاصة في السنوات القليلة المنصرمة, نتيجة انتشار الوعي وتطور ثقافة المجتمع. في السابق ما كان لأحد أن يتدخل بمجرد العلم أن ابن العم “حيّر” ابنة عمه حسب العرف العشائري, فقد كان هناك تشدد وقسوة في تقبل تدخل بعض المصلحين بخلاف اليوم.

ويضيف دقوري:” أتذكر إحدى المشاكل المتعلقة بعادة “الحيار”؛ أحد الشباب حيّر ابنة عمه بعد ارتباطها بشخص آخر لكننا تمكنا من حل المشكلة.

ما ذهب إليه أهل العلم والدين عن عادة الحيار:

يقول د. عبد الباقي سعيد ” دراسات اسلامية”: “قضية الحيار عادة جاهلية قديمة, الشريعة الاسلامية ترفضه أبداً لا زواج إكراه حتى ولو من اقرب المقربين, ومنهم ابن العم, بل نبّه الرسول من مخاطر الزواج من الاقرباء حيث قال: لاتتزوجوا قرابة قريبة, قد يورث مرضاولا يجوز إجبار الفتاة على الزواج من أي كان بالإكراه, ولاسلطة للآباء على تزويج الفتاة رغما عنها. وقد توسع الفقهاء في هذه القضية حول ولاية الاب على موليته إلى أي حدّ, الحيار أو التحير أو الإكراه”.

د.سعيد متابعاً :” فالبنت إن كانت بكراً غير بالغة جاز لأبيها أن يزوجها جبرا، لا خلاف في ذلك بين العلماء، وإن كانت بكرا بالغة، أو ثيبا كبيرة أو صغيرة، فلا يجوز له أن يزوجها ممن لا ترغب الزواج به على الراجح من أقوال العلماء، ولها الخيار في البقاء معه أو رفع أمرها إلى القاضي الشرعي, لفسخ النكاح، وتراجع الفتوى

أسباب عادة الحيار ونتائجه:

وفي هذا أضاف د. سعيد: “هذا النوع من الزواج له أسبابا اجتماعية وعادات وتقاليد محكمة، ومن أهم هذه الأسباب, بُعد الناس عن المنهج الرباني، قلة العلم بأحكام الشريعة، وعدم احتكام الناس إلى شرع الله في شؤون حياتهم الخاصة والعامة.

وبالنسبة لنتائجه هو فشل هذا الزواج في الغالب الأعم، لأنه لم يبنَ على الرغبة والودّ والرحمة، بل على التنافر والبغض والخلاف”.

ويتابع د. سعيد:” وحرصاً من الشرع الحنيف على عدم فشل الزواج وهدم بناء الأسرة شرع التراضي والتوافق قبل الإقدام على العقد، فشرع الخطبة للتمهيد للزواج ومعرفة مدى رغبة كل من الطرفين بالآخر.

الحياربين العقل والدين:

من جانبه أوضح الشيخ محمد ملا رشيد غرزاني رئيس اتحاد علماء المسلمين في مقاطعة الجزيرة هذه القضية بالقول: ” بأنه للحكم على أية ممارسة فردية أو اجتماعية لابد من معرفتها والاحاطة بجوانبها (اضرارها ومنافعها) وحينها يمكن الحكم عليها بالحسن أو القبح”.

وعرّف غرزاني مدلول “الحيار” دون الغوص في مدلوله اللغوي لعدم ضرورته, معرباً بالقول : قد استعيرت من معناها الاصلي الى مفهوم اجتماعي, والحيار عادة عشائرية موغلة في القدم وقد تكون متجذرة في العشائر العربية أكثر منها في غيرها, فهي تمارس بين الكرد أيضاً ولكن بشكل أقل منها مما بين العشائر العربية، وهو يعني أحقية ابن العم بالزواج من ابنة عمه، قد يجبرها الاب بهذا الزواج، وقد يمنع ابن العم أن تتزوج ابنة عمه إلا به.

ويتابع غرزاني: وهنا نريد أن نبين موقف الدين والعقل من هذه الوصاية على المرأة في زواجها كما يقال يعرف الشيء بضده، فالإسلام أعطى المرأة الحرية الكاملة في اختيار من ترغب بالزواج منه، ولها رفض من لا ترغب بالزواج منه،لا فرق في ذلك بين القريب والبعيد, والمصادر الإسلامية تستخدم كلمة العضل في هذا السياق  وورد في القرآن الكريم: “فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ،اذا تراضوا بينهم بالمعروف”

 

والغرزاني موضّحاً: “العضل هو منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ورغب كل واحد منهما في صاحبه. فالمرأة لها شخصيتها التامة ولها الحق الكامل في أن تختار من ترضاه شريكا لحياتهاالمطابق للعقل أيضا, فلا شك أن إجبار المرأة الزواج ممن لا ترغب فيه زواج فاشل في أغلب الأحوال، ومن الظلم إجبارها أن تقضي عمرا مع من لا ترغب فيه. من واجب  النخب توعية المجتمع وأنه من الواجب التخلص من هذه العادات السيئة والتي تجاوزها العقلاء”.

أن “الحيار” عادة من الجاهلية ولم ينزل بها الشرع أو دين من سلطان, فيها ايقاع للظلم على الفتاة, ولمواجهة مثل هذه العادات والتقاليد البالية  لابد من نشر الوعي بين أفراد المجتمع, فليس لأي شخص سلب حرية الآخر تحت أي مسمى وتحت شرعية أي عرف اجتماعي كان.

نُشر هذا التحقيق في العدد 44 من صحيفة Buyerpress

2016/6/1