سيمالكا والثروة الحيوانية

عماد خلف

تداعيات إغلاق المعبر الحدودي في “سيمالكا” مسّ جميع الفعاليات الاقتصادية والخدمية والطبية في منطقتنا, وقطاع الثروة الحيوانية بحجمه الاقتصادي النوعي لم يكن بمنأى عن هذه التداعيات التي كانت في غالبيتها سلبية كماً ونوعاً, فتربية الحيوانات بأنواعها وأغراض تربيتها المختلفة ” لحوم – حليب- بيض ” كانت ولاتزال جزءاً من الفلكلور الشعبيّ الذي زين خصوصية تاريخنا, ولم تختصر امتهانها على فئة معينة من الشعب, فجميعنا أبناء الريف والحقل الزراعي بكافة تفاصيله, ولسنا غرباء عن تسمين الخراف والعجول وتربية النعاج والماعز والأبقار, ولم نكن بعيدين آنذاك عن سدّ احتياجاتنا الفيزيولوجية الصحية من الطاقة والبروتين والدهون المستخلصة من لحوم ومنتجات حيوانات هذا القطاع, وكانت اللحوم بكافة أجناسها كمادة غذائية أساسية حاضرة على موائد المواطنين بكافة فئاته المعيشية , ولم يخطر في البال اليوم الذي يصبح فيه هذه المادة التي نشتهر بتواجدها منذ الأجداد أن تتحول من سلعة كمالية إلى رفاهية في يومنا هذا, وخلال تلك الفترة السريعة التي تذبذبت فيها التجارة زئبقياً بهذا القطاع على ضفتي ذلك النهر, وبشكل أوضحَ مدى الاختلاف في مرحلة ما قبل إغلاق المعبر ومرحلة ما بعد إغلاقها وما نتج عنه من تبعيات على هرمها من المربّي إلى التاجر مروراً بالمواطن الذي كان الحلقة الأضعف والمتأثر الأكبر والوحيد إن جاز التعبير من تلك المرحلتين.

و السؤال الذي يطرح نفسه اليوم, هل رأيتم مواطناً اشتكى من غلاء أسعار اللحوم بكافة أنواعها بعد إغلاق المعبر؟

الجميع كان يشكو من الخضروات ومواد البناء والمواد الغذائية الأساسية, فالبندورة أخذت دور البطولة بامتياز بعد الارتفاع اللوغاريتمي لثمنه كل يوم, وجاءت مادة السكر كوصيف للبندورة بعد فقدانه وغلاء سعره واحتكاره, والاسمنت الذي تفوّق على قرارات منع البناء من البلديات بإيقافه جميع المشاريع العمرانية خلال فترة زمنية قصيرة, وفي خضم هذه البلبلة الإعلامية والتجيشيّة لأسباب ومسببي وعواقب إغلاق المعبر, رغم ذلك لم نجد أحداً تطرق بسلبية أو تذمر بشكل يليق بحجم وأهمية هذا القطاع من غلاء أصناف وأجناس لحوم حيواناته, فالمواطن المهمّش معيشياً لم يجد ذاك التغيّر الجوهري الملموس الذي يخدش حواسه فينذره  بالاعتراض على ارتفاع أسعار اللحوم بعد إغلاق المعبر, مع الأخذ بعين الاعتبار شطب أغلب المواطنين هذه المادة الغنية بالدهون والبروتينات من موائدهم لأسباب مالية صرفة, وهذه اللامبالاة والتطنيش لم تأتِ من فراغ أو غباء, حيث كان سعر كيلو لحم الخروف القائم ( الحي ) 1600 ليرة سورية قبل إغلاق المعبر, وعند الجزار كان سعر كيلو اللحم 1700 ليرة سورية, وبعد إغلاق المعبر هبط سعر الكيلو القائم إلى 1125 كغ ولكن سعر الكيلو عند الجزار ارتفع إلى 2200 ليرة سورية, و كان سعر كيلو لحم العجول قبل إغلاق المعبر 2400 ليرة سورية, وبعد إغلاق المعبر ارتفع إلى 2800 – 3000 ليرة سورية.

هذا الاختلال غير المنطقي بارتفاع وانخفاض الأسعار وغير المرتبط بالدولار أو بالليرة أو بالإسترليني أو الذهب والفضة خلق نوعاً من الخمول وفقدان الأمل لدى مستهلكي هذه المادة إلى إعادة النظر والتموضع لتواجدها في المنزل, وعند مقارنتنا لشكاوى التجار ومربي الحيوانات من إغلاق المعبر ومع غرابة هذه الأسعار لوجدنا حلقة مفقودة يدفع ضريبتها المواطن فقط, حيث إن كساد حيوانات التربية في خانات التسمين وتوقف عمليات الشحن للخارج كان من الطبيعي أن يكون حافزا لزيادة تواجده في الأسواق وفي متناول المشتري وبأسعار أقل بكثير من أسعارها قبل إغلاق المعبر, والحجة التقليدية المتمثلة بالدولار لا تبرّر هذا الخلل الفاضح الذي لا يحتاج خبراءً في التموين والرقابة لاكتشافها, فكان من المفترض أن يرتفع سعر اللحم القائم مع ارتفاع سعره المبيعي, لا أن ينخفض الأول مقابل ارتفاع الثاني, وهذا الهامش الغامض يتحمل مسؤوليته ضمائر التجار والباعة والمسؤولية الرئيسية تقع على عاتق غياب الإدارة المختصة بالتحكم التمويني بمنتجات الثروة الحيوانية, فوصول أسعار اللحوم إلى تلك الحدود قبل هذا الحصار كان أحد أسبابه الرئيسية, خلق هجمة تصديرية عشوائية للحيوانات عبر المعبر دون خطط استراتيجيّة مستقبلية كفيلة بعدم تأثر معيشة المواطن وقدرته الشرائية.

إذا فحالة إخلاء مناطقنا المشهورة بالخراف لأسبوع واحد ولجوئنا إلى مناطق حلب وريفها التي كنا نصدر لها, كافيةٌ لدقّ ناقوس الخطر والبحث عن حلول وخطط اسعافية للتحكم بهذا القطاع القومي الذي يمسّ الأمن الغذائي, وإلا سوف يبقى المواطن يمر مرور الكرام دون ترميم العظام, ضاغطا بنظراته المتحسرة “اللايكات” على شرائح اللحوم المعلقة لدى الجزارين دون تعليق أو مشاركة.

نشر هذا المقال في العدد (44) من صحيفة Buyerpress 1-6-2016