أقدم البيوت وأعرق العوائل المسيحيّة في عامودا.. تحت المجهر

– كان “آرتين” هو المعلم الأساسي لصناعة الخبز في عامودا وحين توفّي دفن في مقابر المسلمين.

 – عامودا مشهورة ببيوتها الثلاث من هذا النوع الترابي ذو الطابقين وهي بيت “صراف” و”رشواني” وبيتنا.

– بُني البيت الذي نسكنه حوالي العام 1915-1916 من قبل خليل مقدسي, أما التخطيط فكان لـ ” رصبو أبو حنا “.

صناعة الكازوز كانت موجودة في عامودا, في ثلاثينات وأربعينات القرن المنصرم, وكان المعلم أرمني.

– أي مستقبل لبلد تشحد فيه لقمة الخبز وجرّة الغاز بالمال.. ماذا افعل بهذا البلد..!

– كان ” آرتين” هو المعلم الأساسي لصناعة الخبز في عامودا, وحين توفّي دفن في مقابر المسلمين.

– قصّة حرق محل سعيد جر جس كانت مفبركة, لقد قاموا بهذا العمل كي يأخذوا منهم البيوت.

– الوالد يحمل شهادة المكنيسيان والقيادة من حلب منذ خمسينات القرن المنصرم, والوالدة درست في مدارس ” الفرانسيسكان” وتجيد ستة لغات, أما جدّتي فكانت شاعرة ومحامية.

خاص – Buyerpress

عامودا – مدينة عامودا الواقعة في أقصى شمال شرق سوريا, زارها العلامة محمود الآلوسي في رحلته عام 1267هـ, وذكرها في كتابه “نشوة المدام في العودة إلى دار السلام” وقال حينها أنه فيها 70 بيتا ومسجداً, تعرّضت للقصف في العام 1937 على يد الفرنسيين لإخماد الروح الوطنية لدى أهلها, وعرفت الحادثة بالـ”طوش”. كما أحرقت مرة أخرى في العام 1960 حين شبت النار في دار سينما شهرزاد واستشهد على إثرها 280 طفلا حرقا, في حين غرق أربعون من أبنائها في بحر إيجه وهم يحاولون العبور إلى أوربا حتى غدت عامودا مدينة الماء والنار, ولم تزل الحادثة الأليمة التي حصلت في صيف 2013 والصدام الحاصل أثناء مرور قافلة وحدات حماية الشعب في المدينة تزامنا مع المظاهرة, التي أطلق فيها النار بحسب بيان وحدات حماية الشعب, وفقدان عنصر من هذه الوحدات لحياته ثم الرد بإطلاق النار من قبلهم أيضاً, لتكون النتيجة فقدان ستة من المدنيين لحياتهم, لم تزل هذه الواقعة تثير استهجان جميع الأطراف.

وتشتهر عامودا بأدبائها وكتابها ومثقفيها حتى أطلق عليها اسم ” بلد المليون شاعر”, وكانت قديما منبعاً وملجأ للعديد من الثوار والوطنيين, وفيها عاش الكثير من الشخصيات مثل الشاعر جكرخوين الذي أنشأ نادي “جوانن عامودى” 1938 , رشيد كرد, عصمت سيدا, وحتى السياسي الذي تولّى مهام رئيس الجمهورية السورية لمدة 24 ساعة “سعيد إسحق” كان من مدينة عامودا, في حين أصبحت الآن عاصمة “الإدارة الذاتية الديمقراطيةّ”.

قد تطّورت المدينة في الآونة الأخيرة عمرانياً, لكن هجرها الكثير من أبنائها, ولا سيّما من الطائفة المسيحيّة التي تقلصت عدد عوائها في المدينة إلى البضع. ومن هذه العوائل التي بقيت في عامودا, عائلة المرحوم غازار موشيخيان الذي له تاريخ طويل من الحبّ والتعلّق والحرفة مع هذه المدينة, كما يُعدّ منزله الترابي ذو الطابقين إضافة إلى منزلين آخرين من النمط المعماري نفسه من معالم عامودا القديمة.

يقول كيورك غازار موشيخيان – إجازة عامة بالعلوم الزراعية: حينما جاء والدي من حلب, استقرّ بداية في تل براك, ثم انتقل إلى قامشلو فعامودا, كان أبنائه يقضون بسبب مرض مرتبط بنوع الماء وتلوّثه حينها, وقد بنى جدي حين استقرّ في عامودا بيت “حميدي ” هذا البيت الذي يقع في الزاوية الجنوبية لبيتنا الحالي, بعدها اشترى والدي هذا البيت الذي نسكنه بمبلغ 3000 آلاف ليرة سوريّة وبسند تمليك, وكان بمقدور المرء حينها – أي في العام 1958- شراء أربعة منازل بهذا المبلغ.

كما سكنّا في بيت فصيح رشواني ذو الطابقين والذي يقابل مشفى داري الآن من الجهة الجنوبيّة, أما البيت الذي أمامه فقد بناه جدي كربيت وشكيان الذي كان يعمل في بيع وشراء القطع النحاسيّة, وكان يملك دكاناً بجانب مشفى بهزاد الحالي.

وقد بُني البيت الذي نسكنه حوالي العام 1915-1916 من قبل خليل مقدسي, أما التخطيط فكان لـ ” رصبو أبو حنا ” والذي وضع أساسه من اللبن, التأسيس كان بزوج من اللبن وضع بجانب بعض, لتكون القاعدة قوية ومتينة, وكل واحدة بعرض 50 سم أي أن عرض قاعدة الجدار في الطابق الأول كانت متراً كاملاً, وفي الطابق الثاني تصبح نصف متر. ومثل هذا البناء لا تؤثر فيه العوامل الجوية مثل الزلازل. وعامودا مشهورة ببيوتها الثلاث من هذا النوع ذو الطابقين وهي بيت “صرّاف” و “رشواني” وبيتنا. ورغم قدمه إلا أننا نهتم به قدر الممكن, ولم نغير فيه شيئا, بل حافظنا عليه.

كان والدي يعمل ميكانيكياً ويحمل شهادة المكنيسيان والقيادة من حلب منذ خمسينات القرن المنصرم, والوالدة درست في مدارس ” الفرانسيسكان” وتجيد من اللغات, الايطاليّة, التركيّة, والأرمنيّة, وتتحدّث الفرنسية بطلاقة, كما تعلّمت الكردية, العربية هنا. أصولها حلبيّة, والدها كان مثقفا ومهندساً في بلدية حلب.

هاجرنا من تركيا أثناء مجازر الأرمن 1915, “الجينوسايد ” الذي لا تعترف بها تركيا حتى الآن, جدة أمي كانت شاعرة ومحامية, العائلة بأكملها كانت مثقّفة, ونحن نحاول أن نسير على خطاهم, بالنسبة لي أحمل ” لسانس ” إجازة في العلوم الزراعية, شقيقي يحمل إجازة في اللغة الإنكليزية, وشقيقتي تحمل إجازة في اللغة الفرنسية, بينما تعمل الأخرى في سلك التمريض, في حين يعيش أصغرنا في أمريكا.

مَلكَ والدي في الخمسينات سيارة تنقّل بها بين قامشلو وديريك وعمل عليها عمي سركيس, كما اشتغلنا بالزراعة كثيرا.. ومازال “الكميون” والحصادة لدينا منذ الخمسينات, وهما في حالة جيّدة قابلتان للعمل ساعة تشاء, يلزمها تركيب بطارية فقط.

قبل أكثر من خمسين سنة اشترى والدي “الكميون” بـ 36 ألفا حينها.. وهو موديل ” جيمس امريكي 53 “, حتى ذلك الحوش الإضافي اشتريناه لأجل الحصادة والكميون. وقد عمل مع الوالد الكثير من أهاليعامودا وكنا عائلة واحدة مثل ” صديق اوسي, وسليمان ومحمود وعبد الرحمن وعبد العزيز بكي “.

يخطئ الكثير من الأخوة بإطلاق مصطلح ” Fille” علينا, ويقصدون به المسيحيّ, هذا تعبير خاطئ, وليست له جذور في الكرديّة أو العربيّة, وقد أوضح الدكتور أحمد عبدالحليم في إحدى نقاشاتنا أن الكلمة تعني (في الله) أي في دين الله, وهذا أيضاً خطأ شائع, وذهب آخرون أن الكلمة مشتقة من كلمة (فلاح) العربيّة, وهذا أيضاً بعيد عن المنطق كليّاً إذ لم يعمل المسيحيّ فلاحاً لدى أحد. وأفضّل إطلاق كلمة مسيحي, أمّا كقومية فنحن “أرمن أرثوذكس”.

يعود وجود الأرمن في عامودا إلى ثلاثينيّات القرن المنصرم, وكانت حينها أكثر من 150 عائلة, فيما بعد أصبح عمي مدير مدرسة دجلة الخاصة, ومديرمدرسة الأرمن والتي كانت مقامة على أرض المركز الثقافي الحالي (رئاسة المجلس التنفيذيّ), وفيها درس الدكتور يوسف دقوريّ أيضاً.

السجل المدني في عامودا خير شاهد على النسبة الكبيرة للأرمن فيها. ولكن معظمهم سافر حينها بسبب الأوضاع, وبسبب معرفتهم أن البلد ليس له مستقبل, وحتى الآن أيضا ليس له أي مستقبل, أي مستقبل لبلد تشحد فيه لقمة الخبز وجرّة الغاز بالمال.. ماذا أفعل بهذا البلد..!

لم يبقَ في عامودا سوى بيت الأستاذ جوزيف هيلون( سرياني) وسعيد ومروان جرجس, وهم أيضا من السريان, وهنا أودّ أن أنوّه إلى أن قصّة حرق محل سعيد جر جس كانت مفبركة, لقد قاموا بهذا العملكي يأخذوا منهم البيوت. أيضاً مازال طوني بائع الأحذية وحارس الكنيسة التي لم يبق منها غير الجرس.

إذا بقي الوضع هكذا فالقلة الباقية أيضاً ستهاجر, نحن نعاني كثيرا من الكهرباء التي ندفع فواتيرها كل شهر 5000 ل.س بينما كنت أدفع سنويا 6000 ل.س, رغم أن الكهرباء متوفّرة, المحركين الموجودين غير صالحين للعمل, فلمَ يتم إيهام الناس أن الكهرباء منهما, الأمر واضح, ويظهر ذلك من خلال عدّاد الساعة. بعض المواطنين لا يرغبون بوضع قواطع الكهباء, ولكن يتمّ إجبارهم, تمّ تركيب قاطعين اثنين لدينا, وقبضوا منا ثلاثة آلاف ليرة, علماً أن سعره ثلاثمئة ليرة, بيوتنا غدت مليئة بشرطان الكهرباء والكِبال. يقيناً سيهاجر السكّان من هذا الوضع.

أغلب المهن والحرف في عامودا أتى بها الأرمن وكانت بيدهم, مثل “الطورنو” بيد معلم آرتين كابريليان, وآليان سالوني. وكذلك الخياطة, حتى صناعة الكازوز كانت موجودة في عامودا, في الثلاثينات والأربعينات, وكان المعمل مكان منزل عبدالستار بركات الحالي, وكان المعلم أرمني, ولُقّبوا ببيت “الكازوزجي”, انتقلوا فيما بعد للقامشلي. المعلم اسرائيل هو من أسّس الميكانيك في عامودا, ومعلم كيفورك كان مختصّاً في صناعة الشبابيك والأبواب, أما نعل الأحصنة ” نعلبند” فكان يختص بها بيت ” حناني”.

يتحدّث بعض الناس بأشياء غير دقيقة, وهم مخطئون, ونحن نرفضها, فالجيل الأول كان جدي الذي جاء من تركيا, والثاني أبي, ونحن الجيل الثالث, أي أني أحدّثك عن أمور قبل حوالي 100 سنة. من كان يعرف صناعة الخبز حينها, المعلم الأساسي صناعة الخبز في عامودا هو المعلم ” آرتين” وكان (حسن عرفات, وكامل ) يعملون لديه, توفّي معلم آرتين ودفن في مقابر المسلمين.

نشرت هذه المادّة في العدد “36” تاريخ 1/2/2016 من صحيفة Buyerpress

 

 

 

 

 

 

Comments (1)
Add Comment