أسواق قامشلو تضجّ بالصناعات اليدوية.. العقال نموذجاً

 توجد العشرات من الحِرف اليدوية التي توارثتها الأجيال حاملة معها  تلك البصمة الوراثية المشبعة بروح الإبداع والإتقان، رغم أن بعضها في طريقها إلى الانقراض في ظلّ غزو التقدم الصناعي الذي نشهده اليوم.

ومن هذه الصناعات اليدويّة صناعة العقال  أو” العصبة”, والذي يُصنع عادة من خيوط منسوجة من صوف المرعز وهو المشهور – تاريخيّا- عند العرب، وتطورت صناعته بحيث دخل فيه استخدام الخيوط المنسوجة من القطن والحرير.

وتعتبر حرفة صناعة “العُقـُل” من الحِرف اليدويّة القديمة  التي اشتهرت بها بعض المدن السورية والتي لا تزال قائمة  إلى اليوم ومنها قامشلو, ورغم بساطة هذا المنتج إلا أنه يتطلب مهارة وخبرة جيّدة لدى الحرفيّ الذي يتولى صناعته، وتعتمد بشكل أساسي على الخيط الذي يتم برمه بطريقة معينة وبمقاسات متنوّعة ونقشات ترتبط في بعض الأحيان بالمستويات الاجتماعية بمن يلبس العقال.

لمعرفة المزيد عن مراحل هذا الصناعة , ألقت صحيفة Bûyerpress من خلال هذا الاستطلاع الميداني الضوء على صناعة العقل في سوق  مدينة قامشلو.

 عبد النعيم بيطار – صاحب مشغل لصناعة العقل:

أعمل في هذه الحرفة منذ 62عاماً, ورثتها عن أبي الذي أخذها عن جدي مذ ما يقرب المئة وثلاثين عاماً,عمر هذه المهنة يرجع إلى عام 1836م,  وتشتهر بها محافظة حماة وعلى مستوى الوطن العربي, فشباب مدينة حماة هم أول من لبسوا العقال ثم انتقلت هذه الحرفة فيما بعد إلى حلب والشام.

وعن أبرز أنواع الخيوط المستخدمة في صناعة العُقـُل قالالسيد بيطار أنها خيط الحرير الطبيعي وخيط “المرعز ” والمخمل وخيوط النايلون (البوليستر), وهناك أصناف عدة, فمنها ما هو “خشن, اكستر,  مخمل,  ناعم”.

مراحل صناعة العقال:

وعن مراحل تصنيع العقال أوضح السّيد بيطار أن طريقة صناعة العقال تبدأ بتحضير الوجه الخارجي للعقال, حيث يتم لفّ الخيوط ما بين خطافين متباعدين لمسافة معيّنة تكون فيها الخيوط متعادلة من حيث الثخانة وشد الخيط  ثم يتم لفّه بواسطة المغزل قبل أن تلفّ على الوتر, بعدها تُحضّر الحشوة الداخلية للعقال, وهنا يتم استعمال آلة بسيطة تسمى (المسداية) وهي عبارة عن قطعة خشبية ثخينة فيها ثقوب موزعة ما بين اليمين واليسار, للفّ القطن الأسود فوقه وتـُبرم حتى تصل إلى مستوى معين, وبعد أن تتم تهيئة الوجه الخارجي للعقال, تبدأ عملية الكسر ثم عملية التدريز وتقوم بها النساء عادة في المنزل, من ثم يتم تعليبه, ليصبح جاهزاً للبيع.

ألوان العقال:

اللون الاسود هو اللون الدارج, فيما كان اللون الأصفر والأسود دارجاً في شبه الجزيرة العربية, وبالنسبة لما أشيع عن العقال ولونه الأبيض, أكد السيد بيطار بأن اللون الابيض كان محصوراً بطبقة الأمراء حيث كنا نصنع أعداداً محدودة فقط من اللون الأبيض, وتابع بأنه يتم تصدير منتوجهم من العُقـُل إلى العراق والكويت والسعودية وجميع دول الخليج.

عبد الجبار حاج زين أبو نعيم – أحد العاملين في صناعة العقل:

أعمل في هذه المهنة منذ 50 عاماً اخذتها عن الوالد,  العقال  هو بديل ” العصبة ” التي كانت تثبت على الرأس كجزء للزيّ التقليدي إضافة إلى فائدته في تثبيت الشماغ على الرأس.

وأكد أبو نعيم بأنه رغم دخول الآلة في تصنيع العقال مازالت هناك مراحل لا يمكن اتمامها إلا يدوياً كعملية الكسر والتدريس وقولبته وإعطائه الشكل النهائي, إضافة إلى عملية التنظيف والتعليب.

المكانة التي حظي بها العقال:

ارتبط  العقال ببعض العادات والتقاليد العربية حيث كان يرمز إلى الرجولة والشهامة, وكان يُلبس من قبل الجميع, وخاصة أهل البادية والأرياف, لكنها رغم ذلك لم تكن محصورة بفئة أو شريحة معينة.

فيما مضى من الزمن يُروى أن أهل القبيلة كانوا ينزعون عقالهم إذا ما تعرضت إلى أي نوع من الاعتداء من قبيلة أخرى, ويعود الرجال  لارتدائه أذا ما أخذوا بثأرهم, لكن مع مرور الوقت بدأت هذه العادات تتغير شيئاً فشيئاً.

وهكذا ورغم الحداثة والتطورات التي عصفت بكل مناحي الحياة بقيت نسبة كبيرة من شرائح المجتمع ترتدي العقال, باعتباره زياً مكملاً  يضفي المزيد من الهيبة والوقار على زيهم الذي يتفاخرون به ويعتبرونه من التراث العريق الذي توارثوه عن الآباء والأجداد, لتبقى الصناعات اليدوية محتفظة بعراقتها وجماليتها  .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تقرير: فنصة تمو

نشر ت في صحيفة Bûyerpress في العدد 34 بتاريخ 2016/1/1

.