تنطلق من باريس خلال أيام «القافلة الثقافية السورية»، وتضم عدداً من المثقفين والفنانين السوريين يحملون شعار «الحرية لشعب سوريا»، في مسيرة تجوب عدداً من المدن الأوروبية في فرنسا، إيطاليا، النمسا، ألمانيا، وسويسرا. المبادرة جاءت من مثقفين وجمعيات سورية -أوروبية، متضامنة مع ثورة الشعب السوري، وفي محاولة ترمي إلى تبديد سوء الفهم حول طبيعة هذه الثورة.
من أبرز أسماء المشاركين في القافلة أحمد علي، منيف عجاج، جابر العضمة، ولاء دكاك، بهرم حاجو، عاصم الباشا، خالد جرماني، نوري الجراح، دارينا الجندي، علي قاف، محمد عمران، حلا عمران، خالد الخاني، وليد المصري، ميار الرومي، رفيف رفاعي، مي سعيفان وسواهم. وحسب محمد الرومي، منسق المشروع، فإن من أبرز الفنانين الفرنسيين المشاركين أرنست بينيون أرنست، وهو فنان مشهور ومتعاطف مع القضايا الإنسانية.
ولكن المشاركات التي ستحملها القافلة ستكون أوسع، فهي تضم عدداً من الأعمال الفنية اعتبره الرومي الأكبر لفنانين سوريين منذ اندلاع الثورة، فإى جانب أكثر من ثلاثين عملاً تشكيلياً، ستضم القافلة أمسيات غنائية وشعرية، وعروضاً مسرحية تؤديها الممثلة دارينا الجندي (تقدم عملين مسرحيين لا تتعدى مدة الواحد منهما بضع دقائق، ومصممة للشارع)، وأفلاماً سينمائية، وهي ليست بالضرورة من مرحلة الثورة، أو تتحدث عنها، بل تسعى «القافلة» لعرض أفلام تشرح المجتمع السوري وتعكسه أحواله، من قبيل فيلم «الكومبارس» لنبيل المالح.
ورداً على سؤال حول القافلة كشكل من أشكال التواصل والتعبير قال الرومي »: «القوافل والنشاطات الثقافية هي شكل دارج في المجتمع الغربي، وقد سبق لنا أن سيّرنا قطاراً في فرنسا من أجل حرية الشعب السوري، وهذا بدوره مستلهم من قطار الثقافة في فرنسا في سنوات الثمانينات الذي كان وراءه فنانون ومثقفون فرنسيون».
فكرة القافلة السورية كانت في البداية أن يجتمع بعض المثقفين ليتحركوا كمجموعة من دون كرافان مرافق، أما الآن فتغيرت الفكرة وكبر المشروع، ولا أحد يدري إلى أين يمكن أن يصل، فلا شك أن الانتقال من مدينة إلى أخرى قد يحرّض ويطوّر أفكار المشاركين، ثم ما معنى أن يجري التواصل مع الناس في أمكنتهم إن لم يكن هناك استنباط لأشكال وأفكار من الطريق. الأمر يذكّر بالطبع بشعراء التروبادور الجوالين، أو عروض الموسيقى أو المسرح في الطريق، إذ لطالما كانت هذه، وهي تذهب إلى الناس في أماكن عيشهم واجتماعهم، تنهل من لغتهم وطريقتهم في التواصل. هنا يغدو التوثيق ضرورة فقد يكون مفيداً أن يرافق التجربة فيلم يرصد كيف تؤثر القافلة حيث تحلّ، وكذلك كيف تؤثر التجربة بالمشاركين أنفسهم.
لـ «القافلة» مبدئياً خطة سيرها وبرنامجها، وهو يحاول الاستفادة من أحداث ثقافية تصادف وصولها إلى هذه المدينة أو تلك. وعلى سبيل المثال تقيم القافلة خمسة أيام في مدينة أوزس القريبة من أفينيون وتخصص أحد أيامها لنشاط في مدينة أفينيون حيث مهرجان المسرح يصادف في وقت مرور القافلة، هذه التي ستقوم بدورها بعدد من النشاطات والفعاليات هناك.
ترمي تلك المجموعة، حسب الرومي، لتقول للمجتمع الأوروبي إن سوريا بلد فيه حضارة كبيرة، وهي ليست بلداً للقتال كما يجري تصويرها. بل إن الرومي يؤكد هنا أن للثورة بالذات أدباءها ومثقفيها وفنانيها «ما يجب أن يكون واضحاً أن ما حدث في الخامس عشر من آذار 2011 حرّر الشباب وإبداعاتهم وطاقاتهم، كما حدث حين أطلقت الثورة الفرنسية فنانين ومدارس فنية، في التشكيل وغيره، وكذلك كما حدث في ثورة أكتوبر». يؤكد منسق «القافلة» «لم يعد للتابو وللخوف من وجود، ولا يستطيع أحد أن يعيد مارد الثورة إلى القمقم. هذه هي الثورة. أما بخصوص المعركة على الأرض فلا بد من القول إن الثورة السورية شأنها شأن الكثير من الثورات التي تدافع عن نفسها». ويعتبر الرومي أن «الفن التشكيلي السوري قبل الثورة كان صدىً أو ظلاً، ولم يكن ضرورة، كما تجده في المجتمع الغربي، لكن الواضح الآن أن الفنانين التشكيليين السوريين صاروا جزءاً من الحركة التشكيلية العالمية، فلم يعد هناك حدود للثقافة، حيث الإبداع السوري بات جزءاً من حركة الفن في كل مكان».
فعاليات «القافلة» الأولى ستكون في باريس «مسرح الشمس»، مسرح آريان منوشكين الحاضر في «القافلة» كأحد شركاء المشروع الكبار. وهذا تأكيد جديد على أن «القافلة» تنطلق من مناخ غير معادٍ لثورة الشعب السوري، لكن ينبغي التساؤل هنا حول إمكانية وصول القافلة إلى أماكن أخرى تحتاجها، ككثير من الدول العربية. هنا يعتبر الرومي أن «هذه نقطة ضعف في المشروع، وسنحاول قدر الإمكان الوصول أيضاً إلى الداخل السوري». لا شك أن نقطة الضعف هذه لها ما يبررها، حيث تتفاقم الصعوبات في العواصم العربية من أجل الحصول على موافقات للسماح بقوافل من هذه النوع، حتى لو اقتصرت على عروض فنية وثقافية.
في الثاني عشر من الشهر الجاري ستسير «قافلة الثورة السورية»، ستحمل جزءاً يسيراً من تلك المنارات التي أبدعتها سوريا ما بعد الخامس عشر من آذار 2011 إلى مدن غريبة، وستصل. بقي أن تمضي القافلة إلى هناك، إلى حيث ينبغي أن تصل أخيراً؛ دمشق.