–
– أكثر الصعوبات التي واجهتنا هي غلاء أسعار الأدوية وصعوبة تأمين بطاقة السفر بالطائرة.
– لم يتواصل معي أحد سوى بعض الجمعيات الخيرية وكذلك الهلال الأحمر, ولكن لم أرَ منها سوى وعود بدون تنفيذ.
– عيّنتُ مسؤولة مباشرة عن تسيير أمور المرضى في مركز خدمة مرضى الأورام الذي لا زال مفتقراً إلى المستلزمات الأساسية.
– عندما أجد بأن إمكانيات مريضي المادية لا تسمح له بتلقي العلاج هنا, أرسله إلى كردستان لتلقي العلاج المجاني.
تحقيق: فنصة تمو
لازال السوريون يدفعون ضريبة الحرب التي ما كادت أن تنتهي, وبات مشهد المعاناة واضحاً و مرئيّاً للجميع, حيث تشهد المنظومة الصحيّة اليوم خللاً كبيراً لم يستثني حتى أكثر الحالات الإنسانية حاجة في الحصول على العلاج.
وهنا يحضرنا معاناة مرضى السرطان في المناطق الكردية الذين يواجهون صعوبات كبيرة للحصول على العلاج, تتصدرها صعوبة تأمين بطاقة السفر وتكلفته العالية للوصول إلى المشفى المتخصص في دمشق “مستشفى البيروني”الذي يؤمّن الجرعات الخاصة بمرض السرطان, فيقرّر الكثير منهم الانقطاع عن العلاج, ناهيك عن معاناة الانتظار والموافقات الروتينيّة.
فالمناطق الكردية, عوضاً عن افتقارها إلى وجود مشفى أو مركز مختص بالأورام, تعيش ظروف حصار, ضاعفت عذاب مرضى السرطان, علماً أن وزارة الصحة السورية أنشأت في مدينة قامشلو منذ عام ونصف مركزاً لخدمة مرضى الأورام, ولكنّه ليس سوى بناء يفتقر إلى أدنى مستلزمات العلاج لمرضى السرطان, ويمكن القول أنه ليس أكثر من يافطة معلّقة على باب مشفى ” بنك الدم ” سابقاً.
صحيفة”” Bûyerpress زارت مركز خدمة مرضى الأورام سلطت الضوء على بعض الصعوبات التي تعترض طريق مرضى السرطان للحصول على العلاج:
فاطمة محمد علي من محافظة الحسكة- إحدى مرضى السرطان– تعاني من المرض منذ خمس سنوات, حيث خضعت لعملية استئصال الثدي بعد أن أثبت التحليل والكشف الطبي إصابتها بهذا المرض, وانقطاعها عن أخذ الجرعات الكيميائيّة نتيجة ظروف الحرب والحصار, ساهم في ارتداد المرض وانتشاره في منطقة الصدر والقلب.
تقول سلطانة سعيد المرافقة للمريضة فاطمة, أن الطبيب المعالج – في آخر زيارة لنا لدمشق – أكد أن المرض قد استفحل ولا فائدة من أخذ الجرعات وأنّ المريضة لن تعيش أكثر من شهرين, ولكننا لم نفقد الأمل, وهي تتعافى اليوم.
ويقول خالد عمر عن حالة والده المريض سيف الدين عمر الذي عانى من مشاكل في عسر التبول منذ ثلاث سنوات إنّ حالته بدأت تزداد سوءاً منذ حزيران الفائت وبعد مراجعتنا لعدة أطباء خضع والدي لـ ” خزعة ” أظهرت أن لديه سرطان بروستات؛ وعلى إثرها قررنا السفر إلى دمشق لتلقي العلاج, حيث أجري للوالد عملية استئصال جذري للبروستات وبعد العملية خضع لثلاثين جلسة علاج اشعاعي في مشفى البيروني, الصعوبات التي واجهتنا كانت غلاء أسعار الأدوية وصعوبة تأمين بطاقة السفر بالطائرة.
يقول عيادة عزيز المدلس من مدينة تل كوجر والمرافق لزوجة ابنه المريضة تالية أسمر أن عمليات التنظير والتحاليل والفحوصات التي أجراها عدة أطباء لزوجة ابني كشفت وجود مرض السرطان في المعدة حيث توجهنا مباشرة إلى مشفى الأسد الجامعي في العاصمة, وتم تحويلها, إلى مشفى البيروني لأخذ الجرعات الكيماوية ولكن بسبب ظروف السفر الصعبة وتكلفتها العالية, اضطررنا لشراء الجرعة وقصدنا العيادة المختصة والوحيدة في مدينة قامشلو.
وعن معاناة مرضى السرطان في تأمين الدواء تقول الطبيبة بلندا أحمد عبد الرحمن اختصاصية في علم الأورام:
” بالطبع هناك صعوبة كبيرة في تأمين الدواء, وأحاول قدر الإمكان توصية المرضى بجلب الدواء من المراكز المعروفة أي الصيدليات الأساسية سواء من أربيل أو دمشق أو بيروت. وأهم ما في الموضوع أن تؤمن بطرق نظامية “شركات نظامية, شروط حفظ نظامية” والأمر المؤسف هو فقدان بعض الأدوية نتيجة إغلاق شركات صناعتها بسبب الظروف القائمة في البلد وهنا يواجه المريض صعوبة كبيرة في تأمين الدواء”.
و فيما إذا كانت هناك اتصالات مع الجهات المعنية التي تقوم بإدارة شؤون الصحة في المنطقة, تقول د .بلندا:” لم يتواصل معي أحد سوى بعض الجمعيات الخيرية وكذلك الهلال الأحمر, ولكن لم أرَ منها سوى وعود بدون تنفيذ, وهذا الكلام منذ ثلاث سنوات”.
وحول وضع مركز خدمة مرضى الأورام في مدينة قامشلو، أوضحت د. بلندا :
” عينتُ من قبل وزارة التعليم العالي مسؤولة علمية مباشرة عن تسيير أمور المرضى في هذا المركز وتم تعيين موظفين من قبل وزارة الصحة, ولكنه لازال يفتقر إلى المستلزمات الأساسية من الأدوية والأجهزة بالإضافة إلى غرف الانعاش وغرف التخدير والتشريح, وكان من المفترض أن يغطي هذا المركز احتياجات ثلاث محافظات الحسكة, الرقة, وديرالزور.
وتابعت: ” في حال تم تجهيز المركز وتم تأمين ما طلبته لمرضاي, كالعلاجات الكيميائيّة والاختلاطات, وبنك خاص للمركز وأجهزة التصوير, حينها سأكون على رأس عملي, ولكن إن بقي الحال هكذا فأنا لست مستعدة أن أضيع الوقت الذي يحتاجه مريضي على الذهاب إلى هذا المركز الفارغ تماماً والمستخدم كمركز للقاحات الأطفال اليوم.
وعن العلاج الكيميائي تقول د. عبدالرحمن: كعلاج كيميائي أنا معالجة كيمائي, و الحالات التي تتردد على العيادة هي حالات سرطانية وأغلبها سرطان الثدي وتكون في مرحلة متوسطة والحالات المبكرة هي نادرة جداً نتيجة قلة الوعي. إضافة إلى الحالات التي تريد الاطمئنان, إذ تشك بظهور كتلة أو أعراض تحدث حالة قلق لديهم بوجود المرض, كما أن هناك حالات مُشخّصة, وهنا يبدأ دوري بإعطاء العلاج المناسب, وكل حالة لها خصوصية فقد تكون بحاجة إلى علاج جراحي أو كيميائي أو شعاعي “وقد تكون بحاجة إلى مجموعة علاجات في وقت واحد”.
وعن الاعتبارات التي على أساسها تتحدد حاجة المريض إلى العلاج الكيميائي أضافت د. بلندا: ” تتحدد هذه الحاجة بناء على حالة المرض, نوعه, ومرحلته, وكذلك عمر المريض الذي يلعب دوراً مهماً, فالمريض الطاعن في السن لا يمكنه أن يتحمل العلاج الكيميائي لما لديه من مشاكل مرضية ” ضغط, قلب, سكر”. وعمر الثمانون محيّر بالنسبة لنا, فأغلب المدارس الطبية توصي بعدم إعطاءه العلاج الكيميائي, ونواجه بعض العوائق من هذه الناحية, وكذلك الحالة القلبية, ونسبتها كبيرة, بالإضافة إلى الحالات المتقدمة التي لن تنفع معها العلاج, لأنّ المرض قد انتشر بشكل كبير. فهناك حالات محدّدة يعطى فيها المريض العلاج الكيميائي, وبالنتيجة هناك ثلاثة أهداف من العلاج الكيميائي, أولها الشفاء, أما ثانيها فهو إطالة عمر المريض, وبالطبع الأعمار بيد الله, أما الهدف الثالث فهو المساعدة على التخلص من أعراض السرطان وتخفيف الألم”.
وأكدت د. بلندا أن الدولة سابقاً كانت تؤمن الأدوية وتقدمه مجاناً لمرضى السرطان ولكنها اليوم لا تستطيع نتيجة ظروف الحرب والحصار التي تعيشها البلاد, حيث تراجعت ميزانية مستشفى البيروني إلى النصف وهذا الكلام كان منذ ثلاث سنوات أما اليوم فلا أعلم كيف أصبح الوضع هناك؟.
وعن أسعار الجرعات أوضحت د. عبدالرحمن أنها رخيصة أحياناً ويقدر سعر الحقنة الواحدة بـ 1500 ل.س وقد تكون غالية جداً فتكلف المريض في الشهر الواحد 400000 ل .س حسب نوعية الدواء, وقالت:” عندما أجد بأنّ إمكانيات المريض المادية لا تسمح له بتلقي العلاج هنا أرسله إلى إقليم كردستان ليتلقى العلاج المجاني, ولكن تبقى تكلفة العلاج هنا أرخص مقارنة بالسفر إلى دمشق في هذه الظروف, إذ يتحمل المريض أعباء مالية إضافية, وهناك حالات يرسل فيها ذوي المرضى المقيمين في الخارج ما يحتاجه مريضهم من الدواء, وليست لدي أي مشكلة في ذلك, المهم لدي هو معالجة المريض”.
إن الحاجة الماسّة إلى وجود مستشفى أو مركز مختص بالأورام كعلاج كيميائي وشعاعي وجراحي تتطلب من المعنيين والعاملين في القطاع الصحيّ التّابع للإدارة الذاتيّة في مقاطعة الجزيرة العمل بجديِّة, والسرعة في إيجاد حلول من شأنها؛ تخفيف معاناة مرضى السرطان في هذه الظروف القاسية, لما لهذا المرض من خصوصيّة, علنّا نساهم في إعادة البسمة على وجوه, لتتغلب إرادة الحياة فيها على الموت.
نشر في صحيفة Bûyerpress في العدد 31 بتاريخ 2015/11/15