– الاكتئاب هو أهم أسباب الانتحار الناجحة, 70% من الذين انتحروا كانوا يعانون من الاكتئاب
– تطبيق العدالة في كل شيء يشفى مريض الاكتئاب والأمراض النفسية إجمالا؛ الاكتئاب إما إلى العلاج أو الانتحار.
– أهم ماطرح في المؤتمر كيفية التعامل مع حالات الاكتئاب والقلق ومساعدتهم وتشخيص حالتهم.
– يعتبر مرض الاكتئاب أكثر الأمراض النفسية التي تحتاج إلى جلسات كثيرة بحسب ما أكدته مدارس التحليل النفسي فقد تصل معدل هذه الجلسات إلى 25-30 جلسة.
تحقيق: فنصة تمو
خلفت حالة الحرب التي تعيشها سوريا بالعموم, القتل والتدمير والنزوح, رافقها تردي في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية, لتنعكس بالمجمل على الحالة النفسية لمختلف شرائح المجتمع السوري, حيث ازدادت اليوم نسبة الأمراض النفسية وفي مقدمتها الاكتئاب كترجمة لواقع نفسي متردي.
يتردد اليوم ممن يعانون الاضطرابات النفسية على العيادات النفسية والعصبية, متجاوزين المعتقدات والمفاهيم الخاطئة التي كانت شائعة في زمنٍ مضى, فالأغلبية من الناس كانت تعتقد بأن زوار العيادات النفسية هم مجانين وأن الأمراض النفسية لا شفاء منها, فكان التردد والخجل وأحياناً الامتناع عن زيارة عيادة الطبيب رغم الحاجة الماسة إلى ذلك.
السيدة ن. م إحدى ضحايا حالة الحرب في سوريا وهي أم لثلاثة أطفال في العقد الثالث من العمر, نزحت من إحدى المحافظات السورية إلى مدينة قامشلو؛ دمر بيتها وفقدت زوجها في تفجير ارهابي, وهي تعاني منذ فترة من أعراض شرود ومزاج مضطرب, وأقدمت أكثر من مرة على الانتحار لكن حبها لأولادها كان يمنعها من ذلك, وعلّ هذا الحب ورغبتها في الحفاظ على عائلتها الصغيرة دفعها ودون تردد إلى زيارة عيادة الطبيب العصبي رغم حاجتها إلى أخصائي نفسي ولكن يبدو أن الظروف التي تعيشها البلاد منذ ما يقارب أكثر من اربع سنوات أدت إلى هجرة الاختصاصات, حيث هاجر الطبيب النفسي الوحيد في المدينة وهي اليوم تتلقى العلاج عند طبيب عصبية, آملةً أن يساعدها الدواء والطبيب في تحسين حالتها والتخلص مما تعانيه.
وللظروف البيئية الاجتماعية دور لا يقل أهمية عما سبق ذكره في حدوث الاكتئاب, وعلى سبيل الذكر العنف الأسري والذي يعرف بالإساءة الأسرية, أو الإساءة الزوجية ويمكن تعريف الأخير بأنها التصرفات المسيئة الصادرة من قبل أحد أو كلا الشريكين في العلاقة الزوجية أو الاسرية, على سبيل الذكر أب يظلم أبنائه, زوج يسيء معاملة زوجته.
السيدة س. خ تعاني من أعراض نفسية شديدة نتيجة الاهمال والمعاملة السيئة من قبل زوجها, هذه المعاملة التي أدت حدوث حالة من الكآبة لديها لتتطور مع قسوة الزوج إلى مرض نفسي وهو الاكتئاب, رافقها قلة الاهتمام بحالتها الصحية وبعملها وتعدى إلى الإهمال في تربية أطفالها. تقول: حين يدخل زوجي البيت أعلم أنه سوف يضربني, وبالفعل يضربني, فالخوف والقلق عند قدومه للبيت صار يلازمني على الدوام, قصدت إحدى العيادات العصبية لعدم وجود طبيب أخصائي نفسي في مدينة قامشلو عله يساعدني.
أما السيدة ن. أ، فحالتها مختلفة عن سابقتها فهي أم لطفلين ووضعها المادي ميسور وعلاقاتها مع زوجها وأهلها في أحسنها, ولكنها تعاني من حالة خوف وقلق على أفراد عائلتها, قصدت عيادة الطب العصبي ولكن دون جدوى, فحالتها كانت تتحسن ولكنها تتعرض بين الحين والأخر إلى ارتداد ليزداد وضعها سوءاً, وحين باءت محاولتها للتخلص مما تعانيه قصدت العاصمة, فشهدت حالتها تحسناً, ولكن يقصد أطفالها اليوم عيادة الطبيب النفسي لتأثرهم بحالة والدتهم, باعتبار أن الشخص المكتئب يوثر على من حوله, بحسب ما ذهب إليه أصحاب الاختصاص.
ما يقوله المختصون من الأطباء في مرض الاكتئاب:
في سياق هذا الموضوع أوضح الطبيب خاشع إسماعيل عمر الأخصائي بالأمراض العصبية: إن مرض الاكتئاب هو اضطراب في المزاج وعادة ما يصاب فئة من المجتمع، تتراوح نسبتها بين 20 و30 % في سائر بلدان العالم، باضطراب الاكتئاب، الذي يتجسد في خليط من المشاعر الحزينة، وفقدان الأمل والمتعة في الحياة, ويحل ذلك المرض بمن فقد عزيزاً، أو مر بظروف معيشية صعبة، في وقت تضاعف فيه الكوارث والحروب من ضحايا الاكتئاب، كما أنها تزيد من دواعيه، لتجعله يتطور إلى مرحلة خطيرة، تدفع صاحبه إلى الانتحار.
وأضاف خاشع: الاكتئاب هو أهم أسباب الانتحار الناجحة, و70% من الذين انتحروا كانوا يعانون من الاكتئاب, وهذا يختلف عما يدعوه عامة الناس بالاكتئاب ويقصدون الشعوربالحزن وخيبة الأمل أو الاحباط واليأس حيث يعيشه الانسان بشكل عادي وعابر, على سبيل الذكر عند فقد أحد الأعزاء أو عند التعرض لضائقة مادية ولكن لا يمكن تسمية كل ما ذكر بالاكتئاب إلا إذا توفرت معايير ومعطيات خاصة, ويتعرض أقرباء الأفراد المصابين بالاكتئاب” أب, أم, أخ, أخت” أكثر من غيرهم إلى ” نوب الهلع, الخوف” فوجود مريض مكتئب في البيت يؤثر على من حوله.
وأشار خاشع بأن الاكتئاب بشكل عام يقسم إلى ثلاث درجات, اكتئاب خفيف ومتوسط وحاد. ففي النوعين الأولين يمكن مساعدة المريض بدون دواء وفي الحالات الحادة نستخدم الدواء بالإضافة إلى جلسات يتم فيها توعية المريض لحالته وكذلك الأهل, حيث يستخلص من الجلسات نقاط قوة يركز عليها لمساعدة المريض مع الدواء في العلاج.
وفي طرح لما ورد عن الاكتئاب تؤكد إحصاءات منظمة الصحة العالمية بأنه يوجد أكثر من 350 مليون مصاب بالاكتئاب في العالم, تعددت الدراسات والأبحاث حول هذا المرض حيث ذهب بعضها إلى أن شخص من أصل خمسة أشخاص مصاب بالاكتئاب يتابع العلاج عند الطبيب ,و شخص من أصل كل خمسين شخص تحتاج معالجته الدخول إلى المشفى وهناك حالات تشفى تلقائياً دون مراجعة الطبيب.
أي الجنسيين معرض للإصابة بمرض الاكتئاب:
يقول د. خاشع ان معظم مرضى الاكتئاب هم من النساء, حيث أن نسبة الاصابة عندهم تعادل ضعف نسبة الرجال داعماً رأيه بما ذهب إليه المهتمون بالصحة النفسية والدراسات الطبية في هذا الشأن.
ويوافقه الرأي الأخصائي النفسي محمد علي عثمان مدير مركز سمارت للصحة النفسية والتنمية البشرية حيث أكد أن أكثر الحالات التي تتردد على المركز هم أطفال ونساء أما نسبة الرجال فقليلة جداً وذهب إلى القول كذلك طرق الانتحار الذي تؤدي إليه الاكتئاب تختلف بين الجنسين, فتنجح بنسبة محاولتين من أصل 10 محاولات انتحار عند النساء لتفشل فقط محاولتين من أصل 10عند الرجال.
ما هي أسباب الاكتئاب؟
يقول الطبيب هناك عدة عوامل تتضافر وتتجمع فتؤثر في ظهور وتتطور هذه الاضطرابات, منها العوامل البيولوجية الحيوية, وأهمها عامل الوراثة بالإضافة إلى العوامل الجسمية أو الغدية كاختلال في الوظائف الغدية, وعوامل نفسية, وعوامل اجتماعية بيئية, مثل غياب المساندة العاطفية والاجتماعية عند التعرض لمشكلة كبيرة, البطالة وعدم الاستقرار المهني, الظروف الحياتية الضاغطة, وهنا أوضح الطبيب سليمان يوسف الخليل اختصائي بالأمراض العصبية:
وسابقاً كانت الأسباب تختلف فقد كانت تنحصر في العنف الأسري أو الصدمات العاطفية أو فقد عزيز وأسباب مشابهة, أما اليوم فالأسباب أغلبها تتركز على ما تمخض عن الظروف الحالية التي يعيشها البلد بشكل عام, وتقديرا استطيع القول بأن 3 أشخاص من بين 10 أشخاص يعانون من القلق والاكتئاب. فأكثر الحالات التي تتردد على العيادة هي تلك الحالات التي تعاني من الضغوطات النفسية بحكم الظروف الحالية من حرب وقتل وفقدان الأحبة, وأغلبهم من النازحين الذين قصدوا مدينة القامشلي.
متى يمكن القول أن هذا الشخص مكتئب نفسي وكيف يمكن علاجه:
في هذا يقول د. خاشع :هناك جملة من الأعراض التي إذا توفرت لدى المصاب واستمرت لفترة معينة يكفي لتشخيصها حينها يمكننا الحكم بأن الشخص مصاب بمرض الاكتئاب, وهذه الأعراض هي الشعور بفقدان القدرة على التمتع بمباهج الحياة مع ميل لليأس وفقدان الأمل والخوف من الماضي والحاضر والمستقبل ونوبات من التوتر والبكاء, بطء في التفكير, شرود, عدم المقدرة على التركيز, ضعف سرعة البديهة, وتردد في اتخاذ القرار, صعوبة في التذكر أحياناً, الاجهاد في التفكير في ابسط الأمور واجترار المخاوف والأفكار التشاؤمية, والهموم مع الشعور بالذنب والعدوانية وتأنيب الضمير والحط من قيمة الذات واحتقارها مما يغذي فكرة الانتحار, بالإضافة إلى توهم العلل البدينة, قلة الكلام وتردد في الإجابة.
وعن العلاج يتابع د.خاشع: سابقاً كان العلاج على مدى أشهر محدودة أما اليوم فينصح بالعلاج من 9 أشهر إلى السنة نتيجة الخوف من حدوث انتكاس في المرض
كعلاج دوائي يوجد أربع مجموعات من العقاقير “مضادات الاكتئاب” ” المنشطات والمنبهات للجهاز العصبي” وهي الأنفيتامين ولم يعد يستعمل بسبب احداثه للإدمان والمضادات المتوفرة هي المضادات ثلاثية و رباعية الحلقة وتفيد في معالجة حالات الاكتئاب الشديدة “ايميبرامين, اميتربيتلين, كلوميبرامين, مينسيرين, فينيلزين”
ويدخل في اعتبارات اختيار الدواء الحالة الجسمية للمريض الاستجابة السابقة للعلاج, الموصفات الكيميائية للاكتئاب.
وفي العلاج النفسي يقول د. خاشع: فهو ضرورة منذ الخطة العلاجية بالعقاقير, ويكمن العلاج النفسي في تبديل الافكار السلبية لدى المريض عن ذاته بالنقاش المستر والملائم وتشجيعه على الاختلاط مع الآخرين تدريجياً بشكل غير إلزامي.
أما العلاج الاجتماعي وهو أهم علاج: ويتطلب فريق علاجي متكامل طبيب مع مساعدات اجتماعيات وممرضات متدربات وفريق في الصحة النفسية, بتخفيف العوامل المقلقة والمزمنة المرتبطة بواقع المريض من سكن وحالة اقتصادية.. الخ الخلاصة” تطبيق العدالة في كل شيء يشفى مريض الاكتئاب والأمراض النفسية اجمالاً, الاكتئاب إما إلى العلاج أو الانتحار.
لا يمكن تجاهل دور مراكز الاستشارة للصحة النفسية في المساهمة في العلاج من الاضطرابات النفسية وفي مقدمتها مرض الاكتئاب, فالمستشار النفسي عادة مستمع جيد يستطيع الوصول إلى فهم أعمق للمشاعر وأفكار المريض, و يساعده على إيجاد طرق للتغلب على المشاكل التي يعاني منها, فهو يهدف إلى توفير الفرصة للمريض للعمل على الحياة بطريقة أكثر إشباعا وإنتاجا.
وهنا أوضح الأخصائي عثمان: أن الحالات التي تتردد على المركز تعاني أغلبها من الكآبة واضطرابات مزاجية وتقدر نسبتها 20-30% وتتراوح الاعمار بين 15-40 , يتم التعامل مع هذه الحالات بإخضاعها لعدة جلسات مركزة, وقد تكون بعض هذه الحالات وصلت إلى مرحلة متقدمة من المرض وهنا لا نتدخل إلا بعد العلاج الدوائي, ويعتبر مرض الاكتئاب أكثر الامراض النفسية التي تحتاج إلى جلسات كثيرة بحسب ما أكدته مدارس التحليل النفسي فقد تصل معدل هذه الجلسات إلى 25-30 جلسة ولكن هنا لا نستطيع تطبيق ذلك لعدة اعتبارات قد تكون اقتصادية بالإضافة إلى ثقافة المجتمع التي تلعب دور سلبي في هذا الموضوع.
وفي ذات السياق أقيم مؤخراً مؤتمراًفي29-9- 2015 برعاية منظمة الصحة العالمية تحت عنوان برنامج رأب الفجوة في الصحة النفسية , حيث أوضح د. سليمان خليل أخصائي عصبية الذي كان أحد المشاركين في المؤتمر :
كانت الغاية من هذا المؤتمر إعداد كادر تأهيلي في الصحة النفسية واستخدامه في إطار الرعاية الصحة الغير متخصصة, وأغلبية المشاركين كانوا ممن يعملون في مجال الرعاية الصحية في الجمعيات الخيرية والهلال الأحمر” لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من ضغوطات نفسية.
والمؤتمر تناول عدة مواضيع ولكن التركيز الأكبر كان على الاكتئاب وحالات القلق العامة, وقد شارك في المؤتمر 8 أطباء من كافة الاختصاصات وعلى وجه الخصوص أطباء أخصائية نفسية ولكن لعدم وجود أطباء نفسية لدينا في محافظة الحسكة فكانت النسبة الأكثر هم أطباء العصبية, بالإضافة إلى مدرسي التربية والرعاية الصحية وأكثرهم يعملون في الجمعيات الخيرية وفي الهلال الأحمر,
وأضاف د. سليمان :أهم ماطرح في المؤتمر كيفية التعامل مع حالات الاكتئاب والقلق ومساعدتهم وتشخيص حالتهم فإذا كانت الحالة شديدة استعصى الأمر يحول إلى أخصائي لتلقي العلاج النفسي حسب الحالة .
ونخلص فيما طرحناه أن حالة الحرب والنزوح التي تعيشها البلاد رسمت ملامح الخوف والقلق في قلب كل بيت لتتضافر هذه الملامح مع ظروف البيئة الاجتماعية, مؤدية إلى زيادة فرص حصول الاكتئاب, وهنا نرى بأنه يتحتم على مؤسسات الإدارة الذاتية تشكيل فرق صحية ونفسية مؤهلة يكون أولى مهمامها متابعة أوضاع الأحياء وتكون على علم وافر بطبيعة كل بيت وأوضاعه المادية والاجتماعية وما يعانيه من مشاكل, علها تخفف من وطأة ما خلفته الحرب والأزمة التي تعم كل جزء على التراب السوري.
نشر في صحيفة Bûyerpress في العدد 30 بتاريخ 2015/11/1