Bûyerpress (الشرق الأوسط)
بدا زعيم عصائب أهل الحق مزهوا بالهيبة التي تحيط بهذا التنظيم الشيعي
حدق القيادي بتنظيم عصائب أهل الحق، حاج جواد الطلابوي، في بنظرة فاحصة بشكل مخيف وحذرني من أنه رجل صعب المراس.”
وقال لي: “يجدر بك ألا تفشي أسرار عصائب أهل الحق، أقوى مليشيا شيعية في العراق إلى المخابرات الأجنبية”.
وسمعناه للتو على الهاتف يضع الحدود وينبه محاوره بأن الأحزمة الناسفة تُهرب إلى المنطقة.
وشدد أيضا على أنه حال ثبوت مساعدة السنة لمقاتلي داعش، فسوف يكون جزاؤهم القتل الواحد تلو الآخر، إذا لزم الأمر.
طول حاج جواد، 1.72 م، كان يرتدي حذاء طويلا وزي القتال، وهو في منتصف العمر، ويبدو من أول وهلة أن تهديداته لابد أن تؤخذ على محمل الجد.
وكنا داخل مبنى اتخذه التنظيم مركزا للقيادة بمدينة صغيرة طرقها ترابية تُدعى دجيل تقع شمالي العاصمة العراقية بغداد على بعد 65 كيلو متر.
كان حاج جواد، أحد أبرز القادة العسكريين بجماعة عصائب أهل الحق، وهو فخور بالرهبة التي يحاط بها التنظيم الذي ينتمي إليه.
وكان يتباهى بقوله إن مقاتلي داعش يعرفون جيدا الذي يواجهونه في محيط مدينة الدجيل.
قال لي جواد: “نؤمن بأن وعد الله بالنصر حق وأن الرعب يملأ قلوب أعدائنا حتى قبل أن يرونا.
كما تلقينا مكالمات هاتفية من القرى الواقعة تحت سيطرة المسلحين يعرضون من خلالها الاستسلام مقابل الأمان.”
وأضاف: “هذا يوضح مدى الرعب الذي يسيطر على المسلحين من مواجهتنا – ويرجع ذلك إلى خبراتنا في القتال بالمناطق الحضرية وحرب العصابات بالإضافة إلى الخبرة التي اكتسبناها من قتال القوات الأمريكية والبريطانية.”
وتجدر الإشارة إلى أنه ليس من السهل التعرف على مقار عصائب أهل الحق أو أن يُصرح لك بالدخول عند الوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها التنظيم.
ولا يشجع هذا التنظيم، الذي يتمتع بنفوذ قوي في الحركة السياسية بالعراق، الاتصال بجهات لا يعرفها جيدا. كما أنه ينقل مقاره بصفة دورية.
ولكن لأننا تلقينا دعوة للقاء الشيخ قيس الخزعلي، زعيم العصائب، تم استقبالنا بحفاوة
القتال على جبهتين
كان الشيخ الأربعيني يتوشح السواد ويرتدي العمامة البيضاء التي يضعها رجال الدين الشيعة.
وأكد خلال لقائه بنا على أن التنظيم يعتبر في الوقت الراهن حركة سياسية وتنظيما مسلحا في نفس الوقت.
وزعم أيضًا أن التنظيم، برغم السمعة المخيفة التي يتمتع بها، ليس تنظيما طائفيا مؤكدا أن هدفه هو حماية كل العراقيين من الغزاة الأجانب.
يُذكر أن تنظيم العصائب ظهر للمرة الأولى كحركة مقاومة تقاتل القوات الأمريكية والبريطانية بعد غزو العراق في 2003.
وكان من بين العمليات العسكرية التي أضرت بسمعته خطف خمسة من البريطانيين في 2007 لم ينج منهم سوى واحد فقط تم إطلاق سراحه بعد عامين من الاحتجاز.
وقاتل رجال الشيخ في سوريا في صفوف القوات النظامية الموالية لبشار الأسد وأحكموا السيطرة على منطقة بدمشق بالقرب من مزارات شيعية مقدسة.
ويؤمن الخزعلي بأن سوريا والعراق بلد واحد.
يقول الشيخ الخزعلي إن “إرسال رجالنا للقتال في سوريا كان قرارا صحيحا.”
وأضاف أن “القاعدة لديها خبرة واسعة في حرب الشوارع. ولولا حصول رجالنا على تلك الخبرات في سوريا، لكان مقاتلو القاعدة وداعش قد أحكموا السيطرة على بغداد وما كنا لنتمكن من الجلوس هنا الآن.”ومثله مثل الكثير من المباني في بغداد، يُحاط مقر العصائب بالحواجز الواقية من الانفجارات والأسلاك الشائكة والمسلحين.
وكان أحد الحراس حول المبنى يرتدي قميصا ضيقا بلون الرمال، ولم ينزعج أحد من أن القميص كان موسوما بشارة القيادة الخاصة بالجيش الأمريكي، عدوهم السابق، وذلك ربما لأن ارتداءه بتلك الشارة لم يكن متعمدًا، إذ أن مصمم القميص هو من وضع الشارة.
قوات أجنبية
داخل المبنى وأثناء جلوسنا معه، ألقى الشيخ الخزعلي باللوم على الغرب لما تسبب فيه من مصائب للعراق.
اتهم الخزعلي الولايات المتحدة وأصدقاءها بأنهم هم الذين جلبوا المتاعب إلى العراق، إذ أنهم فتحوا الباب على مصراعيه أمام القاعدة وفروعها بما فيهم داعش والآن أصبحت العراق مفتوحة لأعنف الحركات الجهادية السنية.
كما اتهم قطر بتمويل داعش كجزء من مخطط لنشر الفوضى في المنطقة. ويرى أن السعودية، هي الأخرى، تمول جماعات سنية أخرى بما في ذلك جبهة النصرة، الفرع الرئيس للقاعدة في سوريا.
ولا يجد تنظيم عصائب أهل الحق حرجًا في الحديث عن علاقته بالإيرانيين. فمقاتلو التنظيم مدربون ومسلحون بمعرفة إيران. وهم أيضا يمثلون واحدة من التشكيلات التي من الممكن أن تخشاه داعش كما يخشاها الجميع.
ولكن الشيخ قيس أكد أنه لا حاجة لأن يرسل أصدقاؤه الإيرانيون قواتهم إلى العراق.
قال الخزعلي: “لا نريد قوات أجنبية من أي دولة، فلدينا مقاتلون بما فيه الكفاية بالعراق. ولسنا مضطرين إلى للاستعانة بجيوش من دول أخرى.”
وأضاف أنه “إذا كان الحديث عن المستشارين، فالمستشارون الإيرانيون ليسو وحدهم هنا، بل هناك مستشارون أمريكيون أيضا. وربما يوجد مستشارون روس من أجل طائرات السوخوي (الموردة حديثا للعراق)”
وتابع: “العراق يفتقر إلى القوة، فهو دولة ضعيفة. لذلك، تحتاج إلى الدعم الاستشاري العسكري والأسلحة. ولكن عندما يتعلق الأمر بالجنود، فلن تحتاج أحد ليحارب بالنيابة عنها. فالعراقيون يتمتعون بالشجاعة ويستطيعون الدفاع عن أنفسهم.”
وعلى أرض المعركة شمالي بغداد، اصطحب رجال الخزعلي بي بي سي إلى مواقع زعموا أنها تبعد عن أماكن تمركز مقاتلي داعش بـ 500 متر.
وتدور رحى الحرب في الوقت الحالي في قلب الأراضي العراقية. وهي الحرب التي لا يعاني ويلاتها العراق فقط، بل إنها تنشر الفوضى في المنطقة بأكملها، خاصة وأنها أصبحت حربا بين السنة والشيعة وقودها الصدع الهائل في العلاقة بين الطائفتين.
وربما تمتد آثار تلك الحرب إلى بلاد أخرى أبعد من ذلك بكثير في أوروبا وأمريكا الشمالية.
فلا صوت يعلو على صوت المعركة في العراق، أما الحديث عن صفقة سياسية للتغطية عن سيطرة الشيعة على المشهد السياسي، فلا يجدي نفعا. فهوة الانقسام الديني والعرقي في العارق تزداد اتساعا يوما بعد يوم. .