هذا واقع الإجهاض في تركيا

منذ عام 1983، يكفل القانون التركي حق الإجهاض للمرأة شريطة ألا تتخطى الأسبوع العاشر من الحمل. وذلك من دون الحاجة إلى إذن الشريك، إن لم يكن ثمّة سبب طبي يمنع ذلك. ويلتزم التأمين الصحي بتغطية نفقات العملية بشكل كامل. أما بعد الأسبوع العاشر، فيسمح القانون به لسبب وحيد وهو تحوّل الحمل إلى مصدر خطر على حياة المرأة.

تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن نسب وفيات الأمهات ترتفع بشكل ملحوظ في الدول التي تمنع إجراء عمليات إجهاض، إذ تضطر النساء إلى اللجوء إلى عمليات في ظروف غير صحية. أما الإحصائيات التركية، فتؤكد انخفاض عدد عمليات الإجهاض غير الطبيّة، مذ سُمح بها قانونياً في البلاد. وتُبيّن أن حالة إجهاض واحدة كانت تسجّل من أصل أربع حالات حمل في عام 1983، لينخفض العدد وتصل نسبة تلك الحالات في عام 1993 إلى 18%، وفي عام 2008 إلى 11%. وبحسب التقرير الصادر عن معهد الإحصاء التابع لجامعة حاجة تبة في أنقرة، وصل عدد حالات الإجهاض في عام 2013 إلى خمس نزولاً عند رغبة الأم، من أصل 100 حالة حمل. وهي نسبة قليلة جداً بالمقارنة مع الوضع في أوروبا التي تصل فيها نسبة الإجهاض إلى 30%. من جهة أخرى، ترتفع نسبة الإجهاض بين النساء الجامعيات لتصل إلى 13%، بينما تنخفض إلى 5% بين غير المتعلمات. وتعدّ إسطنبول أكثر المدن التي تشهد حالات إجهاض، مع 13%.

إلى ذلك، لا يمكن إحصاء الإجهاض غير الطبي بشكل دقيق، بحسب ما يوضح البروفسور جانسون ديمير رئيس جمعية أطباء النساء والتوليد. ويقول :”وفق البرنامج المعمول به في المستشفيات لتسجيل المرضى على نظام التأمين الصحي العام، لا يمكن إدراج الإجهاض غير الطبي في أي خانة. لذا نضطر إلى وضعه من ضمن بند تخلية الرحم الطبية. وهو الأمر الذي قد تندرج تحته مئات الأسباب والأمراض النسائية الأخرى المتعلقة بالرحم، والتي لا علاقة لها بالحمل. كذلك، تفّضل حوامل عازبات دفع التكلفة من دون اللجوء إلى التأمين، حتى لا يُدرج ذلك في سجلاتهن الطبية”.

من جهتها، تؤكد الطبيبة المتخصصة بالأمراض النسائية والتوليد ميريل فندقجي على أن “انخفاض حالات الإجهاض يعود إلى أسباب عدة ولا علاقة له بالقانون. هو مرتبط بشكل مباشر بالوعي الصحي الذي ارتفع أخيراً حول استخدام موانع الحمل. لكن في جميع الأحوال، لا أحد يستطيع أن ينكر مدى مساهمة قانون السماح بالإجهاض في تركيا، في خفض وفيات الأمهات الناتجة عن الإجهاض غير الآمن”. تضيف أن “ثمة اختلافاً واضحاً في العقلية ما بين الولايات التركية، إذ تشهد الولايات الشرقية أكبر نسب إنجاب وأقل نسب إجهاض، بينما يتغير الأمر كثيراً في الغرب التركي والمدن الكبيرة كإسطنبول وأنقرة ومرسين”.

إلى الصعوبات النفسية التي ترافق اتخاذ قرار الإجهاض، تواجه النساء في تركيا صعوبات أخرى تتعلق بسياسات المستشفيات وعدم التزامها بالقانون. وبحسب البحث الذي أجرته جمعية “مور غات” التركية لدعم المرأة، فإن من بين أكثر من 34 مستشفى حكومياً في إسطنبول، ثلاثة فقط تجري عمليات إجهاض ضمن الشروط التي وضعها القانون، بينما ترفض ثمانية إجراء الإجهاض بأي شكل من الأشكال. مستشفيات أخرى تطالب بإذن الأب ودفتر العائلة، حتى لو كانت المرأة عزباء، في حين تشترط ثمانية بعدم تجاوز فترة الحمل ثمانية أسابيع (بدلاً من عشرة). ويمتنع مستشفيان عن إجراء عمليات الإجهاض إلا لأسباب طبية، بالإضافة إلى معوقات مختلفة توضع في طريق الراغبة في الإجهاض، فتجبر المرأة مثلاً على تسديد ثمن التخدير بحجة أن التأمين الصحي لا يغطيه. أما المستشفيات الخاصة، فجزء كبير منها يمنع عمليات الإجهاض، فتضطر النساء الحوامل إلى اللجوء إلى العيادات الخاصة وتحديداً الحوامل العازبات.

من بين الصعوبات الأخرى، يأتي رفض نسبة كبيرة من الأطباء إجراء عمليات الإجهاض، لأسباب دينية وعقائدية. بالنسبة إلى هؤلاء الإجهاض في أي عمر كان، هو قتل للنفس. وتخبر عائشة دوزغون (35 عاماً) وهي امرأة متزوجة، أنها ذهبت إلى طبيبها الخاص لتخضع إلى عملية إجهاض، “وبالرغم من أنني كنت برفقة زوجي وكنت في الأسبوع الثامن من الحمل، إلا أن الطبيب رفض إجراء العملية، بحجة العهد الذي قطعه على نفسه بعدم المشاركة في قتل النفس، بحسب قوله”. لذا، اضطرت إلى البحث عن طبيب آخر وافق على إجراء العملية في عيادته الخاصة.

وفي السياق، تقول الناشطة هازال أتاي وهي ممثلة منظمة “نساء على الأمواج” في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن “41 ألف امرأة يقضين سنوياً حول العالم، بسبب عمليات الإجهاض غير الآمن”. يُذكر أن المنظمة تعني بتوفير أدوات تنظيم الإنجاب وتوفير شروط الإجهاض الآمن للنساء. وتربط أتاي الأمر أيضاً بالتوعية، إذ إن نسبة كبيرة من النساء والعائلات التركية، تظن أن الإجهاض أمر غير قانوني أو أنه محرّم شرعاً، وذلك بالرغم من اختلاف الفتاوى الدينية حول هذا الأمر.

تضيف هازال أن “سياسات الحكومة المحافظة تحاول الالتفاف على القانون بطرق بديلة لمنع الإجهاض”، موضحة أن بيع أدوية الإجهاض الطبي مُنع في الصيدليات منذ عام 2012. إلى ذلك، يُعرقل الوصول إليها، وذلك عبر تسليمها للمستشفيات بكميات قليلة وفترات متباعدة.

 

العربي الجديد