صالح مسلم: أمين معلوف أقرأه بشغف. أنا مغرم بروايات هذا الكاتب

قال صالح مسلم رئيس «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي في سورية، إن الأكراد في إيران «مضطهدون ومحرومون»، لافتاً إلى أن الوضع في مناطقهم متوتر وقابل للانفجار في أي لحظة. وأكد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليس جاداً في حل مشكلة الأكراد في بلاده. وذكر أن النظام السوري اتخذ بعد الغزو الأميركي للعراق قراراً بتأديب أكراد سورية، معتبراً أن حادثة مباراة كرة القدم الدامية رتبتها أجهزة الأمن السورية، وهو ما أدى إلى اندلاع انتفاضة القامشلي.

تحدث صالح مسلم عن أوضاعه الشخصية والعائلية وظروف مقتل نجله في معركة كوباني. وروى أنه أتقن العربية لأن المدرس كان يسارع إلى ضربه ومصادرة مصروفه الشخصي كلما نطق بالكردية في المدرسة. وهنا نص الحلقة الرابعة والأخيرة:

> كيف تنظر إلى النزاع الشيعي – السني في المنطقة؟

– أعتقد أنه يجب تغيير الذهنية، فهو نزاع عمره 1400 سنة وحتى الآن لم يُحَل. إذا لم يحل هذا النزاع الآن سيستمر إلى أبد الآبدين. يجب أن تكون العقول منفتحة بشكل أكبر، وهذا يمكن حله من طريق العلمانية، بحيث يسود الاحترام بين الجميع بغض النظر عن المذهب.

> تريدون دولة علمانية تحترم الأديان؟

– نحترم الجميع ونأخذ الدين ببعده الأخلاقي، فالمجتمع يجب أن يقوم على الأخلاق، وبالتالي يجب أن تكون فيه ديانات. الديانات السماوية كلها مبنية على الأخلاق، فلنتمسك بالأخلاق التي هي الأساس الذي يجمعنا، فلا دين يقول لك إن السرقة حلال أو الزنى حلال أو الاعتداء على الآخرين حلال. دعنا نأخذ الأمور بأبعادها الأخلاقية، وهذا ما نسميه العلمانية، وهذا ما يجمع الأديان كلها، وبالنهاية الكل حر في التفاصيل: فواحد يذهب إلى المسجد والآخر إلى الحسينية والثالث إلى الكنيسة.

> هناك في منطقة الشرق الأوسط أربع مجموعات كبيرة: العرب والفرس والأتراك والأكراد. هل لدى الأكراد شعور بأنهم تعرضوا للاضطهاد على أيدي المجموعات الثلاث الأخرى؟

– هذا ما تظهره الحقائق التاريخية، صلاح الدين الأيوبي كان كردياً ولكن لم تكن لديه تلك النزعة القومية ليؤسس قومية مستقلة. لماذا أصبحت الإمبراطورية العثمانية تركية، ولماذا أصبح الأمويون عرباً ولماذا أصبح العباسيون عرباً، ولماذا أصبحت الصفوية فارسية؟ لأن لديهم نزعات قومية. أما قبل ذلك، فكانت الإمبراطورية الدينية وبعدها تم اجتذاب البعض إلى مجموعات مختلفة، إلا صلاح الدين بقي إسلامياً عالمياً ولم نتمكن من جعله كردياً محضاً.

> لماذا لم تحلّ مشكلة الأكراد في إيران الخميني؟

– في أيام الشاه كان هناك اعتراف بأننا من أصل إثني واحد، وتم تكريس تدريس اللغة الكردية في المرحلة الابتدائية، ولكن في أيام الثورة كان هناك القائد الكردي عبدالرحمن قاسملو، رحمه الله، وكان «الحزب الديموقراطي الكردي» والأحزاب الاخرى التي اجتمعت كلها من أجل التخلص من الشاه. اغتيل قاسملو في فيينا، حيث جاء أشخاص للقائه بحجة التفاوض مع النظام، وكانت المخابرات وراء الاغتيال، والرئيس السابق محمود أحمدي نجاد كان متورطاً في قتله وكان ضمن الفريق الذي رتب اغتياله، كما اغتيل شرف كندي في مطعم في ألمانيا بإطلاق النار عليه.

أعتقد أن 12 حزباً أو جهة ساهمت في إسقاط نظام الشاه، وكان الجميع يأملون بالحصول على حقوقهم، ومن جملتهم الأكراد الذين وُعدوا بالحصول على حقوقهم عند مغادرة الشاه الحكم. لكن بعد الشاه توجه المدعي العام (صادق) خلخالي إلى مختلف المدن لنصب المشانق.

> هل تعتبر أن أكراد إيران مضطهدون؟

– طبعاً، هم مضطهدون ومحرومون ولا يستطيعون ممارسة تقاليدهم وثقافتهم بحرية وعلاقاتهم السياسية مقموعة.

> هل تتوقع أن ينفجر الوضع الكردي في إيران ذات يوم؟

– إذا لم يستطيعوا حل الأمور بشكل ديموقراطي، فبالتأكيد سينفجر الوضع.

> وفي تركيا؟

– كذلك الأمر بالنسبة إلى تركيا، توصل المفاوضون الأكراد إلى عشر نقاط وأقدم رجب طيب أردوغان على إلغاء كل شيء.

> هل تتوقع خروج عبدالله أوجلان من السجن؟

– وجوده في السجن قضية معنوية بالنسبة إلى الأكراد، ولكن لم يتمكن أحد من حجز أفكار أوجلان وفلسفته داخل سجنه، فهي تنتشر يوماً بعد يوم. والأتراك هم الذين توجهوا إليه للتفاوض معه. نحن جميعاً نتمنى أن يتم إطلاق سراحه، ولكن هذا كله مرتبط بحل القضية الكردية في الشمال، خصوصاً في تركيا. برأيي أنه لا مفر من إطلاق سراحه، فبالعودة إلى الأمثلة الدولية الأخرى، مثل نيلسون مانديلا الذي كان في السجن لسنوات، عندما قررت حكومة جنوب أفريقيا التفاوض معه أطلقت سراحه ووضعته في منزل معين ليتمكن من لقاء المفاوضين. بينما تركيا لا تزال تفاوض أوجلان داخل سجنه ولم تنقله إلى خارج السجن.

> هل تشبّه أوجلان بنيلسون مانديلا؟

– على الأقل لأن مانديلا، رغم احترامنا الشديد له واعتباره قدوة، نضاله كان محصوراً في جنوب أفريقيا فقط، وكانت لدينا علاقات طيبة معه واحترمناه، لكن تأثيره من حيث التغيير البنيوي، محصور في جنوب أفريقيا، بينما أفكار أوجلان مؤثرة في الشرق الأوسط كله وفي المنطقة. إذا أُفرج عن عبدالله أوجلان فإن تأثيره سيكون أكبر من تأثير مانديلا بكثير، لخصوصية الشرق الأوسط أولاً، ولأفكاره العمومية التي تهم كل شخص في الشرق الأوسط ثانياً، وبالتالي سيكون تأثيره أكبر من تأثير مانديلا بكثير.

> إذاً، أوجلان مؤيد لتصوراتكم لجهة الإدارات الذاتية للأكراد في دول وجودهم؟

– ليس مؤيداً بشكل مباشر، لكننا استشففنا ذلك من أفكاره ومن فلسفته، وليس هناك اتصال مباشر معه، بل فقط اتصال روحي وفكري.

> هل تعتبر أنك سيئ الحظ لأنك ولدت ابن أقلية في الشرق الأوسط؟

– التاريخ والجغرافيا لهما أبعاد أخرى، فلربما الله خلقني كردياً لأدافع عن الأكراد، وخلقني في منطقة مظلومة لأدافع عن المظلومين، ربما كان ذلك امتحاناً لي.

> هل تعرضت لمحاولة اغتيال؟

– لا، فأنا عبد فقير ولا سبب لاغتيالي.

> أصبحتَ لاعباً على الساحة السورية؟

– الشعب الذي يضحي هو الذي يلعب دوراً على الساحة السورية.

> هل تعتقد أن الأكراد حجزوا مقعدهم كلاعبٍ في الشرق الأوسط؟

– نعم، وأتوقع أن يكون لهم دور أكبر مستقبلاً بناء على أفكارهم ومنطلقاتهم، فهم حقيقة رواد الديموقراطية في الشرق الأوسط.

> في صغرك ماذا كان أهلك يقولون لك عن العلاقة مع العرب؟

– والدي كان يتعامل مع العرب وكان لدينا جيران عرب نتعامل معهم بشكل عادي ولم نحس بالفرق بيننا. أنا شعرت بالفرق عندما بدأ الأستاذ في المدرسة الابتدائية في كوباني يضربني لأنني لا أتحدث العربية. كان الأستاذ يقول لي عليك أن تتحدث بالعربية وأنا لم أكن أعرف اللغة. حتى مصروف الجيب الذي كنت أتلقاه (فرنك) كان يتم حرماني منه في المدرسة ويستولون عليه كعقاب لي لأنني تحدثت بالكردية ويتوجب علي دفع الفرنك، وكان عمري حينها خمس سنوات وكان ذلك قبل أيام البعث في 1957 و1958.

عند وصول البعث إلى الحكم في 1963، استمر ذلك التوجه وازداد التشدد، ولكن كان ذلك قانوناً في المدرسة: لأتعلم العربية يجب ألا أتحدث الكردية داخل المدرسة. أنا الآن عمري 64 سنة، ولا أنسى أنني كنت أتعرض للضرب في المدرسة ويؤخذ مصروفي.

> عندما سجنتَ، إثر قصة غازي كنعان، هل تم تعنيفك لأنك كردي؟

– غازي كنعان رآني عدواً ووجدني قليل الأدب لأنني أحمل مطالب فأراد تأديبي. قال لرجاله: خذوه وأدّبوه، فهذا يعني أنه اعتبرني شخصاً غير مؤدّب. أخذوني إلى علي مملوك الذي سألني عن تفاصيل كثيرة. ولكن يجب أن أسجل أنه بعد حوالي أسبوع أو عشرة أيام من التعذيب طلبوا مني كتابة محضر التحقيق حول «اعترافاتي»، فكتبت عشر صفحات عن تنقلاتي رداً على أسئلتهم التي أجبت عليها كتابة. أخذ مملوك المحضر وقال لي إن لغتي العربية ممتازة، فقلت له مَرَدّ ذلك إلى الضرب الذي تعرضت له في المدرسة، فضحكَ. وأضفت أنه نتيجة تعريضي للضرب في المدرسة جعلتموني أتقن العربية. بقيت محتجزاً أربعة أشهر وتعرضت للتعذيب، ونتمنى أن تكون تلك الأيام ذهبت إلى غير رجعة.

 

أوجلان والنظام السوري

> هناك من يعتقد أن إرث العلاقة بين النظام السوري وأوجلان أثر في موقفكم خلال ما شهدته سورية في السنوات الأربع الماضية فبقيتم على علاقة بالنظام.

– كانت لأوجلان علاقة مع القيادة السورية وكانت له علاقة جيدة مع جميل الأسد شقيق الرئيس. كان كل طرف يحاول الإفادة من الآخر. كان هناك في النظام فريق يعتقد، وربما أحياناً لأسباب مذهبية، بإمكان استخدام «حزب العمال الكردستاني» ضد تركيا. واشترطوا على الحزب عدم القيام بنشاط داخل سورية ولو فتح مكتباً في دمشق. الحزب تجاوز هذه الممنوعات، إذ إن شباناً من أكراد سورية كانوا يتدربون في معسكره في البقاع. كان هناك في دمشق 72 مكتباً لـ «حركات ثورية» من العالم. المخالفات كانت موجودة، وكان عدد السجناء الأكراد بالمئات. وكثيراً ما كتبوا على جدران السجون السورية بالكردية.

> بماذا شعرت حين شاهدت الرئيس التركي أحمد نجدت سيزر يشارك في جنازة حافظ الأسد؟

– ربما كانت بداية استدراج الرئيس الجديد إلى الفخ. الحقيقة أن ما يجري في السر أكثر أهمية مما يجري في العلن.

> ما هي أحداث 2004؟

– في 2003 حصل الغزو الأميركي للعراق. وُجهت إلى أكراد العراق اتهامات بتأييد الغزو والتحالف مع الأميركيين. نظرت السلطة السورية بريبة إلى الأكراد السوريين، وكان بعض عشائر دير الزور المعروفة بتأييدها صدام حسين، ناقماً على الأكراد.

أعتقد أن المخابرات لعبت لعبتها هنا. أعلن أن فريق كرة القدم في دير الزور سيزور القامشلي لمقابلة فريق «الجهاد» فيها. الغرض كان تأديب القامشلي. جاء جمع من دير الزور ونظم تظاهرة حول الملعب وأطلق المشاركون هتافات تؤيد صدام حسين وتندد بمسعود بارزاني وجلال طالباني وأوجلان. لم يعترض أحد. دخلوا الملعب وهاجموا شباناً من جمهور فريق «الجهاد». حصل إطلاق رصاص وسقط ثلاثة قتلى. تولى مذيع التلفزيون نقل الحادث على الهواء، ما ساهم في توتير الأجواء. في اليوم التالي شارك عشرات الآلاف في تشييع الشبان الذين سقطوا وفوجئوا بهجوم من الشرطة بالرصاص الحي وسقط قتلى وجرحى. غضب الناس وتوسعت المسألة في المالكية وتل أبيض وهاجم الناس مراكز الدولة والمخابرات ووصلت الاحتجاجات إلى كوباني وعفرين. لم تتوقع السلطة حصول انتفاضة كردية واسعة. بدأت الأحداث في 12 آذار (مارس) 2004 واستمرت ثلاثة أيام. تعرض آلاف الأشخاص للاعتقال.

> في 2005 وعد بشار الأسد بحل المشاكل العالقة مع الأكراد؟

– المشكلة أن الوعود تكررت ولم تأخذ طريقها إلى التنفيذ. كانت السلطة مبتهجة بالعلاقات مع النظام التركي، ولم تكن راغبة أبداً في إزعاجه، فبقيت الوعود في الأدراج. أنا أعتقد أن الأسد تحدى الأكراد لإرضاء الأتراك وهذا فخ وقع فيه.

> هل تقصد أنكم دفعتم ثمن العلاقة السورية – التركية؟

– نعم دفعنا ثمن الأخوة بين بشار وأردوغان.

> هل سلمت سورية إلى تركيا عناصر من «حزب العمال الكردستاني» بعد اتفاق أضنة؟

– نعم، سلموا كثيرين. مرة جاء الأمن العسكري يستدعيني فمازحتهم قائلاً: هل تريدون تسليمي لتركيا؟

> لكن السلطة أبدت استعدادها في 2005 لحل بعض مشاكلكم.

– بعد انتفاضة القامشلي في 2004 وما تبعها من قمع، بدأت أجهزة الأمن تسأل عن المطالب. قلنا لهم إن الذين سحبت جنسياتهم سابقاً صار عددهم نحو 300 ألف. وتحدثنا عن اللغة وتغيير أسماء الأماكن من الكردية إلى العربية ومسائل أخرى. كانوا يقولون إن المرسوم جاهز لكن لم يصدر إلا بعد اندلاع الثورة السورية.

 

الابن الشهيد

> ابنك استشهد في كوباني؟

– نعم استشهد ابني شرفان (تعني بالعربية مقاتل). كان في «وحدات حماية الشعب» ويتولى تدريب القناصة وكانت له مشاركة فعالة في كوباني. استشهد في التاسع من تشرين الأول (أكتوبر) برصاصة قناص وعمره 22 عاماً.

> بماذا يشعر قائد سياسي حين يستشهد ابنه؟

– الألم كبير حين يفقد المرء ابنه. لكن المسؤول يفكر أيضاً بالقضية وبمن استشهدوا من أجلها وهم قوافل متلاحقة. من هو في موقع مثل موقعي يدرك أن ثمة فاتورة لابد من دفعها. حزنت على زميل لابني بمقدار ما حزنت عليه. أنا أعتبر أن المشاركة في دفع الفاتورة شرف. لقد دفع شعبنا غالياً ثمن تمسكه بحقوقه.

> متى ولدت؟

– في الشهر الثالث من العام 1951 في شيران في منطقة كوباني.

> أين درست؟

– درست الابتدائية في كوباني (عين العرب) وفي الإعدادية انتقلت إلى دمشق. في الثانوية عدت إلى حلب. ثم درست الهندسة الكيميائية في إسطنبول. أقمت عاماً في بريطانيا لتعلم اللغة الإنكليزية. ذهبت إلى السعودية في أواسط 1978 وعملت فيها نحو 12 عاماً في وزارة البترول. عدت إلى سورية في 1992 وأقمت في كوباني. عملنا في النشاط الجماهيري، وفي 2003 أسسنا «حزب الاتحاد الديموقراطي» الذي استلهم فكر عبد الله أوجلان وتجربته. أُسس الحزب استناداً إلى قاعدة تستلهم هذا الفكر.

> هل يمكن أن نعرف وضعك العائلي؟

– كان لدي أربعة أبناء وابنة، والآن بقي لدي ثلاثة أبناء وابنة بعد استشهاد ابني.

> بماذا تشعر بعد كل هذه العذابات؟

– الحقيقة أنني لا أسمح للماضي بأن يدفعني إلى اليأس أو الإحباط. لا انظر إلى الماضي إلا من زاوية استخلاص الدروس. العيش تحت وطأة الماضي مضر للأفراد والمجموعات. يجب الالتفات إلى أسئلة المستقبل، من قبيل التنمية وفرص التقدم والتعليم الجيد.

> كل وقتك مكرس للعمل الحزبي؟

– ليس هناك خيار آخر في هذه الظروف. كنت من المؤسسين لـ «حزب الاتحاد الديموقراطي» في 2003، وانتخبت رئيساً في 2010، وفي 2012 أقر مبدأ الرئاسة المشتركة.

> هل تواجهك أخطار أمنية؟

– لا بد للمرء من التنبّه.

> هل تذهب إلى الداخل؟

– طبعاً، وقبل شهر كنت هناك.

> هل تمر عبر تركيا؟

– أنا لا أذهب إلى تركيا إلا بموجب دعوة رسمية، وحينها أكون في حمايتهم. أذهب عادة عبر إقليم كردستان العراق.

> أنتم الحزب الأقوى بين أكراد سورية؟

– هكذا يقولون.

> كيف تصف علاقتك بمسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان؟

– إنها علاقة أخوّة طبعاً. المرء يسعى إلى الأكثر. نكنّ له كل الاحترام كقيمة من قيم الأكراد. للأسف لم ألتق الأستاذ جلال طالباني وهو من رموز الأكراد أيضاً.

> هل تعتقد أن سورية تفككت؟

– أتمنى ألاّ يتكرس هذا المنحى. والأمر مرتبط بإرادة السوريين. نحن نقول لا يزال هناك أمل إذا اتخذت القرارات الصحيحة للمحافظة على سورية في صيغة تضمن الديمومة عبر توفير الحرية لكل المكونات. يجب أن يتاح للمكونات أن تعبر عن نفسها في إطار سورية. تقسيم سورية يعني حروباً مستمرة، وهذا لا نريده. واقعياً، لكي أرتاح في بيتي يجب أن يكون جاري مرتاحاً أيضاً. على قاعدة قبول الآخر سنقبل بما يتفق عليه السوريون. لو أسست الديموقراطية في منطقتي وجاري لا يؤمن بها ماذا ستكون الحصيلة؟ استمرار النزاعات، لهذا ندعو إلى حل شامل وقابل للحياة والاستمرار.

> إلى أي درجة تعتبر حزب البعث مسؤولاً عما حدث في سورية؟

– حزب البعث مسؤول عن كل شيء. حزب البعث مسؤول عن الخراب في سورية والعراق وكل الشرق الأوسط. البعث مسؤول عن كل مصائب الشرق الأوسط. أنا لا أبالغ. سياسة تصدير الأزمات وتصعيد التوتر والإمساك بالأوراق أساءت كثيراً إلى العلاقات بين الدول وبين المكونات أيضاً. الدولة حين تعترف بمكوناتها يتحقق الاستقرار. راجع تجربة الدول في أوروبا. الدولة القومية فشلت. الديموقراطية هي الحل. الألماني الذي يعيش في سويسرا لا يطالب بالانضمام إلى ألمانيا لأن سويسرا تحترم حقوقه.

تجربة البعث في العالم العربي كارثة. انظر إلى أوضاع العراق وسورية. أنهار من الدماء وحروب متواصلة وثروات ضائعة. البعث يتحمل أيضاً مسؤولية في ظهور تيارات مثل «داعش» الذي يمثل لقاء بين أفكار دينية متطرفة وأفكار شوفينية قومية هي أفكار البعث. الدليل انضواء ضباط من جيش صدام حسين في مواقع قيادية في «داعش». سمعت أن ثمانين على الأقل من ضباط صدام يشاركون في معارك «داعش». حين تتحدث عن سورية فأنت تتحدث عن الإسماعيليين والأيزيديين والمسيحيين والتركمان والسريان والدروز ومكونات أخرى. البعث حوَّل البلد سجناً وأداره بالشعارات وسطوة المخابرات. دمر البعث فكرة الدولة ودمر النسيج الاجتماعي.

> ماذا قلت للمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا حين التقيته؟

– طرح أسئلة حول رؤيتنا للحل. شرحنا وجهة نظرنا وأعطيناه مشروع الإدارة الذاتية الديموقراطية الذي يشكل حلاًّ للأزمة في سورية. نحن لا نريد أن تتقسم سورية إلى دويلات متحاربة. نريد سورية ديموقراطية تتعايش مكوناتها طوعاً في ظل الديموقراطيات واحترام الخصوصيات.

> ما رأيك في تجربة المبعوث السابق الأخضر الإبراهيمي؟

– كانت نوايا الإبراهيمي جيدة، وهو يعرف المنطقة وتعقيداتها. كان الإبراهيمي ينتظر التوافق الأميركي – الروسي على الحل، وهذا لم يحصل.

> هل تعتقد أن بيان «جنيف 1» هو الأساس للحل؟

– نعم، يمكن البناء عليه.

> ماذا سيفعل الأكراد إذا استمرت الحرب سنوات إضافية؟

– شعرنا منذ 2012 بأن الأزمة السورية طويلة، وأن علينا أن نحافظ على مناطقنا بانتظار الحل. في البداية اعتقدنا بأن المنظمات المتطرفة ستستهدف مراكز السلطة. حررنا مناطقنا من أجهزة النظام وتولينا حماية مناطقنا. تعقدت المسألة أكثر بفعل التدخلات الإقليمية والدولية. هناك الدور الإيراني في الأزمة، وهو ليس بسيطاً.

> ماذا ناقشتم مع الروس؟

– الروس لم يغيروا كلامهم لجهة الدعوة إلى حل سياسي يحفظ أيضاً حقوق الأكراد. السلطة لم تستمع إلى النصائح الروسية ولم تغير نهجها ورهانها على القوة.

> كيف تصف علاقتكم مع طهران؟

– لا يمكن الحديث عن علاقة مباشرة أو مستمرة. أنا ذهبت إلى طهران والتقيت مسؤولين في وزارة الخارجية. بدا واضحاً من أحاديثهم أنهم يريدون دفعنا إلى الوقوف إلى جانب السلطة، يريدوننا أن نقيم في حضن السلطة، هذا غير وارد. لماذا نقف إلى جانب سلطة لا تعترف بنا. بيننا وبينها ثأر بسبب سياساتها ومواقفها من حقوقنا. نحن نواجه هذه السلطة منذ 2004 ورفضت أن تعترف بحقوقنا.

> أكراد سورية سنّة في معظمهم؟

– وهناك عدد من العلويين والأيزيديين. الغالبية من السنة.

> كم تقدر عدد الأكراد في الشرق الأوسط؟

– ليست هناك إحصاءات دقيقة، لكن الأكيد أن عددهم يزيد على أربعين مليوناً.

> كيف تنظر إلى وضع الأكراد في إيران؟

– معاناتهم كبيرة فعلاً. الإعدامات مستمرة. أي نشاط كردي محظور. جماعة الملالي لا يرحمون الأكراد. هناك احتقان كبير والانفجار ممكن في أي لحظة. حين تتحدث مع الإيرانيين يقولون إن الفرس والأكراد واحد. طبعاً سُمح للأكراد بتدريس لغتهم في المدارس الابتدائية لكن مسألة الحقوق أوسع من ذلك.

> هل تعتقد بأن أردوغان جاد في التوصل إلى حل مع أكراد تركيا؟

– أردوغان ليس جدياً في موضوع حل المسالة الكردية. يحاول استمالة بعض الأكراد ليقضي على القيادة التي تشكل قدوة. يبالغون في أهمية وجود تلفزيون يتحدث بالكردية.

> هل هناك أكراد سوريون في صفوف «داعش»؟

– لا يمكن الحديث عن نسبة معينة. ربما أرغم أكراد من سكان الرقة على الانضواء في التجنيد الإلزامي. وربما كان هناك أفراد. المسألة ليست أكبر من ذلك.

> ألا تعانون من وجود تطرف إسلامي في مناطقكم؟

– الوضع الكردي مختلف في هذا المجال. وفي مناطقنا مناخ من التسامح. في منطقة كوباني مثلاً ثلاث كنائس أقامها الأرمن الذين هاجروا إليها بعد المذبحة التي تعرضوا لها في تركيا. أنا نشأت في مكان يشكل تعدد الأديان فيه أمراً طبيعياً. الكردي تعلم بحكم تركيبة المنطقة، أن وجود الآخر المختلف طبيعي. دعني أخبرك أن شباناً أكراداً استشهدوا دفاعاً عن الكنائس في رأس العين مثلاً، حين استهدف «داعش» كنيستين هناك. تكرر الأمر في تل تمر في الحسكة. قبل مجيء «داعش» وقع اتفاق الهدنة بين «وحدات حماية الشعب» وفصائل معارضة مسلحة في إحدى الكنائس. وكان الغرض دفع هذه الفصائل إلى الاعتراف بأن وجود الكنيسة هناك طبيعي.

> هل سقطت سورية بفعل سقوط التعايش بين مكوناتها؟

– أولاً لا نريد سقوط سورية. ثانياً إن مستقبل سورية يجب أن يقرره السوريون وليس حملة السلاح الذين جاؤوا من هذه الجهة أو تلك. القهر القومي أو الديني أو المذهبي مناقض لفكرة التعايش التي تقوم على الاعتراف بالآخر والشراكة المتكافئة معه. السبيل الوحيد للتعايش في سورية وفي الشرق الأوسط هو سقوط ذهنية القهر والاقتلاع والإلغاء. نحن مناطقنا متنوعة، وتضم علاوة على الأكراد العربَ والتركمان ومجموعات أخرى، ونريد أن نقدم نموذجاً يسمح بإنقاذ سورية. الحل هو بالاعتراف المتبادل والعيش في ظل ديموقراطية حقيقية بعيداً من الرهان على السلاح والتدمير. حماية سورية تبدأ من الاعتراف بالآخر. لهذا أنا أعتبر أن أفضل تجليات الثورة السورية موجودة في مناطقنا. نريد أن نستقر. وكي يكون استقرارنا حقيقياً ودائماً يجب أن يستقر جيراننا. في مناطقنا ثورة فعلية. في بقية أنحاء سورية لا توجد ثورة، بل صراع على السلطة. المسألة ليست تغيير أشخاص. الأهم تغيير الذهنية والنهج. لن نستطيع حماية سورية إذا لم نتخلص من الأفكار السابقة.

> بين نظام البعث وبدائل مذهبية متطرفة، هل تنحاز إلى نظام البعث؟

– أنا أرفض الاثنين معاً. نظام البعث صار من الماضي، وهو يقضي علينا، تماماً كالبدائل المتطرفة والإقصائية. البعث و «داعش» سيئان بالدرجة ذاتها. أنا لا أبالغ. انظر إلى أين أوصلنا حكم البعث. مزاعم بعض الشوفينيين عن العلمانية لا تعني شيئاً. لو كان نظام البعث صالحاً لما وصلنا إلى «داعش». التدخلات الخارجية جاءت بعد استفحال التفكك الداخلي. قبل الثورة كانت سورية تعيش في ظل أوليغارشية يرعاها البعث. هذا النظام يجب أن يزول لكن أن يكون البديل «النصرة» أو «داعش» فهذا غير مقبول على الإطلاق. حكم البعث يجب أن يزول. ويجب أن نتخلص من إرث الدولة القومية.

> من أين تحصلون على السلاح؟

– تجار السلاح على استعداد لإيصال الأسلحة إلى بيت طالبها. وهناك مساعدات من الشعب الكردي في مناطق انتشاره.

> لا تحصلون على أسلحة من دول؟

– حتى الآن لا. إقليم كردستان يساعدنا.

> ماذا تقرأ؟

– للأسف، لا تسمح لي المشاغل حالياً بقراءة الكتب. لكن إذا وقعت على كتاب لأمين معلوف أقرأه بشغف. أنا مغرم بروايات هذا الكاتب.

> هل قرأت مثلا للكاتب التركي أورهان باموق حائز نوبل للآداب؟

– نعم، قرأت له قبل فترة بعيدة. روايات معلوف تستدرجني أكثر إلى متابعتها حتى النهاية.

> هل لك علاقة بالشعر العربي؟

– لا أحفظ الشعر لكنني معجب بالمعلقات. طبعاً المتنبي شاعر كبير.

> وعلى الصعيد الكردي؟

– لدينا كتاب وشعراء أصحاب مساهمات تستحق المتابعة. هناك الشاعر جكرخوين، وهو كردي سوري وقبره في القامشلي.

> أي لون تحب؟

– أخضر أحمر أصفر، أي الألوان الكردية.

> بمن أعجبت من الشخصيات السياسية؟

– طبعا أنا أعتبر عبد الله أوجلان ملهماً بالنسبة إلى الشعب الكردي، وربما لما هو أوسع من هذا الإطار. في العالم العربي أعجبت بشخصية جمال عبدالناصر وقدرته على الاتصال بالناس وإشراكهم في ما يفكر فيه.

> ما هو أهم شيء لدى أوجلان؟

– فكره الحر. من ينظر إليه ربما يظنه قروياً بسيطاً، حين تدرس أفكاره تستنتج غير ذلك.

 

الحياة