الاكراد والشرق الاوسط الجديد

 

 

 

 

 

 

كشفت مجلة التايم الامريكية، في العدد الصادر في 30 حزيران/يونيو الجاري، وفي تقرير كبير من 8 صفحات عن خطة لتقسيم العراق إلى 3 دول، واحدة منها في الشمال لكردستان، والثانية للسنة بمحاذاة سوريا، أما الثالثة فللشيعة، ومكانها في جنوبي العراق وتضم مساحات واسعة منه.

ولم تكتف بذلك بل تتجه هذه الدولة الشيعية الجديدة جنوباً حيث تصل إلى الكويت، لتستقطع مناطق حيوية منها إلى أن تصل أيضا إلى ضم بعض أجزاء من شمال شرق المملكة العربية السعودية.

المجلة نشرت خرائط مفصلة توضح مناطق توزيع السنة والشيعة والاكراد. واعتبرت بغداد من ضمن الدولة السنية، اما كركوك فكانت حسب الخرائط التي نشرتها «التايم» داخل الدولة الكردية لكنها على خط التماس مع دولة السنة، حسبما يرى التقرير.
ويتحدث التقرير عن ضم المناطق الكردية في سوريا الى الدولة الكردية اضافة الى ضم بعض المناطق السنية في سوريا للدولة السنية.

الجدير بالذكر ان مجلة «التايم» الامريكية تعبر مقربة من الادارة الامريكية وتعبر عن وجهة نظرها في اغلب الاحيان.
وكان المتحدث الصحافي باسم البيت الابيض جوش ارنست اوضح أن قرار تشكيل الحكومة العراقية متروك للشعب العراقي الذي يقرر كيف ينبغي وضع الخرائط الخاصة به، مضيفا أن إدارة أوباما تفضل أن يعمل القادة السياسيون في العراق معا لإيجاد حل سياسي.

وبخصوص مقترح عام 2006 من قبل السناتور جو بايدن لتقسيم العراق الى ثلاث مناطق سنية و شيعية و كردية أوضح إرنست «إن الطريق المباشر – من وجهة نظر هذه الإدارة – لمواجهة تهديد داعش هو توحيد هذا البلد حول أجندة سياسية تعطي كل مواطن حصة في مستقبله ونجاحه».

و في تعليق له حول غلاف نشرته مجلة «التايم» بعنوان «نهاية العراق»، اعترف ارنست أن مفهوم التقسيم غير واضح وهو مفهوم جديد إلا أنه أقر بخطورة فرض حلول خارجية على الشعب العراقي.

ويرى مراقبون ان فكرة اللجوء لخيار التقسيم والاقاليم في حالة تعقد الصراع امر ستعمل الاطراف الاقليمية والدولية على تحقيقه لخلق مراكز صراع متقاتلة لفترة تريد تلك الاطراف لها ان تكون طويلة لتسويق وتسويغ خطة الاقاليم.

وكان رئيس الوزراء العراقي السابق، إياد علاوي، قال إن المناطق المحيطة بالعاصمة العراقية، بغداد تتساقط، ومن المحتمل جدا أننا ماضون على طريق تقسيم العراق.

محاضرة اسرائيلية كاشفة:

اكد وزير الامن الاسرائيلي السابق “آفي ديختر” أن هدف أسرائيل الإستراتيجى هو عدم السماح للعراق أن يعود الى ممارسة دور عربى واقليمى، مبيناً إن العراق تلاشى كقوة عسكرية وكبلد متحد وإنّ تحييده عن طريق تكريس أوضاعه الحالية تشكل أهمية استراتيجية للأمن الصهيوني.

وقال ديختير في محاضرة القاها في احدي مراكز الابحاث الستراتيجية ونقلت نصها صحيفة “الجيورزاليوم بوست” المحلية اننا قد حققنا في العراق اكثر مماخططنا له وتوقعناه.
وكان نص محاضرته كالاتي:
نص المحاضرة :
ليس بوسع أحد أن ينكر أننا حققنا الكثير من الأهداف على هذه الساحة بل وأكثر مما خططنا له وأعددنا فى هذا الخصوص.. يجب استحضار ما كنا نريد أن نفعله وننجزه فى العراق منذ بداية تدخلنا فى الوضع العراقي منذ بداية عقد السبعينات من القرن العشرين، جل وذروة هذه الأهداف هو دعم الأكراد لكونهم جماعة أثنية مضطهدة من حقها أن تقرر مصيرها بالتمتع بالحرية شأنها شأن أى شعب وفي البداية كان المخططون في الدولة وعلى رأسهم أورى ليبراني المستشار الأسبق لرئيس الوزراء ثم سفيرنا في تركيا وأثيوبيا وإيران قد حدد إطار وفحوى الدعم الإسرائيلي للاكراد.. هذا الدعم كان في البداية متواضعا، دعم سياسي و إثارة قضية الأكراد وطرحها فوق المنابر.

لم يكن بوسع الأكراد أن يتولوها في الولايات المتحدة وفي أوروبا وحتى داخل بعض دول أوروبا.. كان دعم مادي أيضا ولكنه محدود.. التحول الهام بدأ عام 1972.. هذا الدعم اتخذ أبعادا أخرى أمنية، مد الأكراد بالسلاح عبر تركيا وإيران واستقبال مجموعات كردية لتلقى التدريب في إسرائيل بل وفي تركيا وإيران.. هكذا أصبح هذا الدعم المحرك لتطور مستوى العلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل والأكراد، وكان من المنتظر أن تكون له نتائج مهمة لولا أن ايران الشاه والعراق توصلا الى صفقة في الجزائر عام 1975، هذه الصفقة وجهت ضربة قوية الى الطموح الكردي، لكن وفق شهادات قيادات إسرائيلية ظلت على علاقة بزعيم الأكراد مصطفى البارزاني.

الأكراد لم يتملكهم اليأس، على العكس ظلوا أكثر إصرارا على الإستمرار في صراعهم ضد السلطة في بغداد.. بعد إنهيار المقاومة الكردية كنتيجة للاتفاق مع إيران توزعت قياداتهم على تركيا وسوريا وإسرائيل.. إسرائيل وانطلاقا من إلتزام أدبي وأخلاقي كان من واجبها أن تظل الى جانب الأكراد وتأخذ بأيديهم الى أن يبلغوا الهدف القومي الذي حددوه، تحقيق الحكم الذاتي في المرحلة الأولى ومرحلة الإستقلال الناجز بعد ذلك.. لن أطيل في حديثي عن الماضي، يجب أن ينصب حديثي على أن ما تحقق في العراق فاق ما كان عقلنا الاستراتيجي يتخيله.

الآن في العراق دولة كردية فعلا ، هذه الدولة تتمتع بكل مقومات الدولة أرض شعب دولة وسلطة وجيش واقتصاد ريعي نفطي واعد، هذه الدولة تتطلع الى أن تكون حدودها ليست داخل منطقة كردستان بل ضم شمال العراق بأكمله ، مدينة كركوك في المرحلة الأولى ثم الموصل وربما الى محافظة صلاح الدين الى جانب جلولاء وخانقين.. الأكراد حسب ما لمسناه خلال لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين لا يدعون مناسبة دون أن يشيدوا بنا وذكروا دعمنا ويثمنوا مواقفنا والإنتصار الذي حققوه في العراق فاق قدرتهم على استيعابه وبالنسبة لنا لم تكن أهدافنا تتجاوز دعم المشروع القومي الكردي لينتج كيان كردي أو دولة كردية.

ولم يدر بخلدنا لحظة أن تتحقق دفعة واحدة مجموعة أهداف نتيجة للحرب التي شنتها الولايات المتحدة وأسفرت عن احتلاله.. العراق الذي ظل في منظورنا الاستراتيجي التحدي الاستراتيجي الأخطر بعد أن تحول الى قوة عسكرية هائلة، فجأة العراق يتلاشى كدولة وكقوة عسكرية بل وكبلد واحد متحد، العراق يقسم جغرافيا وانقسم سكانيا وشهد حربا أهلية شرسة ومدمرة أودت بحياة بضع مئات الألوف. إذا رصدنا الأوضاع في العراق منذ عام 2003 فإننا سنجد أنفسنا أمام أكثر من مشهد :

1. العراق منقسم على أرض الواقع الى ثلاثة كيانات أو أقاليم رغم وجود حكومة مركزية.

2. العراق ما زال عرضة لإندلاع جولات جديدة من الحروب والإقتتال الداخلي بين الشيعة والسنة وبين العرب والأكراد.

3. العراق بأوضاعه الأمنية والسياسية والاقتصادية لن يسترد وضعه ما قبل 2003.

ونحن لم نكن بعيدين عن التطورات فوق هذه المساحة منذ عام 2003، هدفنا الإستراتيجي مازال عدم السماح لهذا البلد أن يعود الى ممارسة دور عربي وإقليمي لأننا نحن أول المتضررين.. سيظل صراعنا على هذه الساحة فاعلا طالما بقيت القوات الأمريكية التي توفر لنا مظلة وفرصة لكي تحبط أية سياقات لعودة العراق الى سابق قوته ووحدته. نحن نستخدم كل الوسائل غير المرئية على الصعيد السياسي والأمني.. نريد أن نخلق ضمانات وكوابح ليس في شمال العراق بل في العاصمة بغداد.. نحن نحاول أن ننسج علاقات مع بعض النخب السياسية والإقتصادية حتى تبقى بالنسبة لنا ضمانة لبقاء العراق خارج دائرة الدول العربية التي هي حالة حرب مع اسرائيل، العراق حتى عام 2003 كان في حالة حرب مع إسرائيل.

وكانت تعتبر الحرب مع إسرائيل من أوجب واجباته.. إسرائيل كانت تواجه تحدى استراتيجي حقيقي في العراق، رغم حربه مع ايران لمدة ثمانية أعوام واصل العراق تطوير وتعزيز قدراته التقليدية والإستراتيجية بما فيها سعيه لحيازة سلاح نووي.. هذا الوضع لا يجب أن يتكرر نحن نتفاوض مع الأمريكان من أجل ذلك، من أجل قطع الطريق أمام عودة العراق ليكون دولة مواجهة مع اسرائيل.. الى جانب هذه الضمانات هناك أيضا جهود وخطوات نتخذها نحن بشكل منفرد لتأمين ضمانات قوية لقطع الطريق على عودة العراق الى موقع الخصم.. استمرار الوضع الحالي في العراق ودعم الأكراد في شمال العراق ككيان سياسي قائم بذاته، يعطى ضمانات قوية ومهمة للأمن القومي الإسرائيلي على المدى المنظور على الأقل.. نحن نعمل على تطوير شراكة أمنية واستراتيجية مع القيادة الكردية رغم أن ذلك قد يثير غضب تركيا الدولة الصديقة.

ونحن لم ندخر جهدا في سبيل إقناع الزعامة التركية وعلى الأخص رجب أردوغان وعبد الله غول بل والقادة العسكريين أن دعمنا للأكراد في العراق لا يمس وضع الأكراد في تركيا.. أوضحنا هذا أيضا للقيادة الكردية وحذرناها من مغبة الإحتكاك بتركيا أو دعم أكراد تركيا بأي شكل من اشكال الدعم، أكدنا لهم أن الشراكة مع إسرائيل يجب أن لا تضر بالعلاقة مع تركيا وأن ميدان هذه الشراكة هو العراق في الوقت الحالي، وقد يتسع المستقبل لكن شريطة أن يتجه هذا الأتساع نحو سوريا وإيران.

ومواجهة التحديات الاستراتيجية في البيئة الإقليمية يحتم علينا أن لا نغمض العين عن تطورات الساحة العراقية وملاحقتها، لا بالوقوف متفرجين بل في المساهمة بدور كي لا تكون تفاعلاتها ضارة ومفاقمة للتحديات. تحييد العراق عن طريق تكريس أوضاعه الحالية ليس أقل أهمية وحيوية عن تكريس وإدامة تحييد مصر، تحييد مصر تحقق بوسائل دبلوماسية لكن تحييد العراق يتطلب استخدام كل الوسائل المتاحة وغير المتاحة حتى يكون التحييد شاملا كاملا.. لا يمكن الحديث عن استخدام خيار القوة لأن هذا الشرط غير قائم بالنسبة للعراق.

ولأن هذا الخيار مارسته القوة الأعظم في العالم، الولايات المتحدة، وحققت نتائج تفوق كل تصور، كان من المستحيل على إسرائيل أن تحققه إلا بوسيلة واحدة وهي استخدام عناصر القوة بحوزتها بما فيها السلاح النووي. تحليلنا النهائي أن العراق يجب أن يبقى مجزأ ومنقسما ومعزولا داخليا بعيدا عن البيئة الإقليمية، هذا هو خيارانا الاستراتيجي.

ومن أجل تحقيقه سنواظب على استخدام الخيارات التي تكرس هذا الوضع، دولة كردية في العراق تهيمن على مصادر إنتاج النفط في كركوك وكردستان هناك إلتزام من القيادة الكردية بإعادة تشغيل خط النفط من كركوك الى خط IBC سابقا عبر الأردن وقد جرت مفاوضات أولية مع الأردن وتم التوصل الى اتفاق مع القيادة الكردية، وإذا ما تراجع الأردن فهناك البديل التركي أي مد خط كركوك ومناطق الإنتاج الأخرى في كردستان تتم الى تركيا واسرائيل، أجرينا دراسات لمخطط أنابيب للمياه والنفط مع تركيا ومن تركيا الى إسرائيل.. المعادلة الحاكمة في حركتنا الاستراتيجية في البيئة العراقية تنطلق من مزيد من تقويض حزمة القدرات العربية في دولها الرئيسة من أجل تحقيق المزيد من الأمن القومي لإسرائيل.

تقرير كاشف:

في تقرير للبروفيسور التركي “سعيد يلماز”، يقول الكاتب:

عندما قامت الولايات المتحدة بمحاولة إعادة إنشاء دولة العراق, كانت تحدد مصير مستقبل الدولة العراقية. كان الأكراد في شمال العراق أهم الحلفاء بالنسبة لأميركا كونهم الأكثر طاعة لها. كما كانوا سهلي الانقياد. ومعروفة متانة روابطهم مع إسرائيل. كانت أميركا تستطيع استخدام المجموعات الكردية في الشمال العراقي ضد تركيا وإيران والعراق متى ما شاءت. كانت منطقتهم مهيأة لتخوض سيناريوهات جديدة في المستقبل. كان الهدف هو تأمين راحة التنقل للأكراد كي لا تستطيع تركيا دخول المنطقة. إن الجنود الأميركيون عندما أعادوا كتابة الدستور العراقي عام 2005 منحوا الأكراد الذين يمثلون 15% من العراق 50% من السلطة. بالإضافة إلى منحهم مناصب مهمة مثل رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية, كذلك تم رسم منطقة حكم خاصة بهم في شمال البلاد. كان الجنوبيون يحتاجون لإذن لدخول الشمال في حال كان الشماليون يتنقلون كيفما شاءوا. والقضية التي لم يستطع أحداً حلها هو حالة الغنى النفطي في الموصل وكركوك وكيفية تقاسمه. إن البرزاني الذي سيطر على الموصل وكركوك بشكل فعلي بدأ بأخذ 17% من عوائد النفط. كانت تزود أميركا البرزاني كل عاماً بعشرين مليار دولار كي تستطيع السيطرة على كامل النفط. كما وضع البرزاني ضريبة على دخول وخروج شاحنات النقل التركية.
وبذلك أصبح البرزاني من الأغنياء الفاسدين عن طريق نظامه المبني على الرشاوى والفساد. عند حصول كل هذه التطورات كانت أميركا تزيد من سرعة وتيرة البحث عن النفط في الشمال, الذي تعتبره صديقاً لها, أثناء احتلالها للعراق. وخلال مدة قصيرة توصلوا إلى مواقع نفط جديدة؛ واحدة منها في منطقة الطاق القريبة من السليمانية, والأخرى في منطقة الحرير التي تبعد عن أربيل مسافة 25-30 كم. كانت أميركا تقسم النفط العراقي على شركات الرأسمال الكوني؛ مثل شركات EXXON, SHELL, BP. كما استولت أميركا على أراضي العشائر العراقية في مثل هذه المناطق, وهي تحصل على 70% من النفط المستخرج من هناك. ويكتفي البرزاني بالبقايا التي تفيض عن أمريكا. ولكن معروف أن المنطقة تحتوي على مواقع نفطية لم يتم اكتشافها بعد. وبحسب حسابات البرزاني أن عوائده من النفط عند حلول عام 2025 ستصل إلى مائة مليار دولار. إن علاقة المصالح بين أميركا والبرزاني تفسر التوازنات هنا. أحدهم يسرق المنطقة والثاني يحافظ على سلطته من خلال بقايا وقوة الأول.

إن الضعف الاستخباراتي لدى أميركا جعلها تتواجه مع حرب أهلية في العراق بعد عام 2003 لم تتمكن من وضعها ضمن مستوى معين إلا بعد تفاهمها مع الشيعة عام 2007. إن أميركا التي لم تستطيع تحمل حكومة عراقية شيعية مقربة من إيران جعلها تتجه نحو العرب السنة من أنصار صدام حسين كي تبرم معهم خططاً جديدة. وهذا ما جعل الشيعة يدخلون الحرب مرة أخرى. وبالنتيجة عندما انسحبت أميركا من العراق عام 2011 تركت الحكومة للشيعة، وتركت منطقة للأكراد في الشمال كي يقيموا حكمهم الذاتي فيها، ولم تترك للسنة سوى منصب نائب رئيس الجمهورية (طارق الهاشمي) إضافةً إلى مناصب عادية. عند خروج أميركا من العراق كان أول عمل يقوم فيه المالكي هو اتخاذ قرار بإعدام الهاشمي بتهمة أنه خائن وطن. وبهذا القرار كانت تركيا هي عنوانه التالي. كانت العراق تعاني خطورة الانقسام بين الأكراد في الشمال والعرب الشيعة في الجنوب والعرب السنة في الوسط. ولكن سرعان ما ضعف العامل السني في هذه المعادلة. وكانت أنظمة دول الجوار (تركيا, قطر, السعودية) بالإضافة إلى أميركا غير راضين عن هذه النتيجة لأن النزعة الطائفية لديهم تجعلهم لا يتحملون نظاماً شيعياً مقرباً من إيران يحكم العراق. كذلك كانت علاقات المالكي والبرزاني غير جيدة, حتى أنهما تواجها بشكل مباشر، وتحديا بعضهما البعض في الانتخابات الأخيرة في العراق، والتي كان يعتقد أن المالكي سوف يخسرها. والسبب الذي يكمن خلف هذه المشاكل هو اتفاق البرزاني مع الأتراك كي يبيع النفط المستخرج من الشمال لوحده, وهذا الاتفاق لم يوافق عليه المالكي. نضيف إلى انسداد الطرق أمام أميركا في العراق, انسدادها في المنطقة بأسرها بعد أن ربح الأسد الانتخابات في سوريا. و لذا فإن كسر التأثير الإيراني بات يتطلب إستراتيجية جديدة وعامل تأثير جديد في سوريا والعراق. وفي أثناء إعلان أميركا عن إستراتيجيتها الجديدة تم إعادة صياغة تنظيم داعش عام 2013 باسم وهيئة جديدين وأضيف إليه تنظيمات صغيرة.
اليوم يحاول الإعلام تطبيق “نظام التلقين” في تركيا وبلاد الغرب حتى يتم الإيحاء بأن عمليات داعش جاءت بشكل مفاجئ. إن برنامج الـCIA المستمر منذ ثلاث سنوات, وبالرغم من الطائرات بدون طيار الأميركية التي تحلق في المنطقة, أليس من غير المنطقي أن تتفاجأ أميركا بهذا التنظيم؟ كتب الصحفي سيمور هيرش عام 2007 مقالاً بإسم “The Redirection” ويقول هيرش فيها مستنداً على وثيقة أميركية سرية أن أميركا وإسرائيل والسعودية يخططون لإشعال حرب طائفية في المنطقة. كانت إيران وسوريا ولبنان وحزب الله في الهدف. وكانت الخطة هي استخدام العناصر المقربة من القاعدة، أو استخدام تنظيم القاعدة نفسه، في هذا الهدف. لا تنسوا أن جناح القاعدة في ليبيا كان ضمن المنظمات الإرهابية لدى أميركا وفجأة قامت بالتنسيق مع الناتو في الحرب ضد القذافي. إن التنظيمات الإرهابية الإسلامية في اليمن وليبيا ونيجيريا والصومال وأفريقيا الوسطى من إنتاج حلف الناتو وخصوصاً أميركا. ذكرت صحيفة Daily Star اللبنانية في شهر آذار الماضي أن عناصر داعش بدأوا بالانسحاب من غرب سوريا متجهين نحو الحدود العراقية بهدف تشكيل تنظيمات جديدة. ويذكر كتاب الصحيفة أنه من غير المنطقي أن لا يكون للـCIA علم بهذه التطورات. وخصوصاً أن أميركا وتركيا وقطر والسعودية دفعوا الملايين من الدولارات ليضبطوا استخبارات المنطقة. زودت أميركا تنظيم داعش بالمئات من السيارات المصفحة وكمية كبيرة من السلاح واللوازم العسكرية وملايين الدولارات النقدية. والملفت للانتباه هو سيارات الهامفي الأميركية التي دخل فيها عناصر داعش إلى الموصل. تحركات داعش مبنية على تنسيقات المخابرات الغربية. وقد كشفت صحف غربية معلومات عن قيام السعودية وقطر بدعم تنظيم داعش. أما إسرائيل فقامت بدعم تنظيم القاعدة في الجولان من جهة ودعم نظام البرزاني في العراق من جهة أخرى. بالنتيجة؛ باتت أميركا تدعم الإرهاب من جهة والحرب الكونية من جهة أخرى.

تأسيس دولة كردية في الشمال هو خطوة في سبيل تحقيق حلم تأسيس دولة إسرائيل الثانية في الشرق الأوسط. إن هذا التشكيل في الشمال العراقي هو بمثابة العمود الفقري لدولة كردستان الكبرى. وستكون مواقع النفط في كركوك كافية لتأمين دخل الدولة من جهة وستكون بمثابة سبب محفز لانضمام أكراد دول الجوار إلى دولة كردستان الكبرى.

تركيا والاكراد:

وقعت اتفاقية سرية بين تركيا وأميركا تنص على منح مبلغ 8.5 مليار دولار قروض ومليار دولار هبة للدولة التركية كتعويض على النتائج السلبية التي أصابت تركيا مع العملية العسكرية التي نفذتها أميركا على العراق عام 2003 انطلاقاً من الأراضي التركية. كما نصت الاتفاقية على غض الحكومة التركية النظر عن التحركات الكردية في منطقة شمال العراق. كانت تركيا تحتاج لإذن أميركا عند قيامها بأي عملية عسكرية ضد حزب العمال الكردستاني في المناطق الجبلية من إقليم كردستان العراق. نستطيع القول أن تقارب البرزاني من حزب العدالة والتنمية أدى إلى زيادة متانة الحكم في كردستان العراق. أدى تجاهل تركيا للخطوط الحمراء في الموصل وكركوك إلى ترك تركمان المنطقة تحت رحمة البرزاني.
مع دخول العام 2007 تعرض حزب العدالة والتنمية إلى ضغوط كبيرة في الداخل والخارج. فمثلاً تعرض الحزب لخطورة الإغلاق من قبل المحكمة الدستورية. ومصير الحزب كان متعلقاً بالدعم الأميركي له وبانسجامه مع خارطة الطريق التي رسمها رأس المال الكوني، مما أدى إلى تفاوض الحزب مع أميركا بما يخص مشروع الشرق الأوسط الكبير, فقبل بالإستراتيجية التي فرضتها أميركا والمتعلقة بتغيير السياسة التركية اتجاه سوريا والعراق وتغيير سياسة مكافحة الإرهاب. وكجزء من إحياء هذا المشروع كان يفترض على الدولة التركية تحييد العوامل الداخلية في الدولة، وعلى رأسها ضباط الجيش التقدميين. مع إسكات الضباط الكماليين وأصحاب الأقلام الجمهوريين, سيطر على الساحة الإعلامية المتسلقون الإسلاميون. وبدلاً من وقوف حزب العدالة والتنمية أمام طريق انقسام الدولة, ذهب ليزيد وتيرة سياسته المذهبية المتماشية مع السياسة الأميركية وخصوصاً في الموضوع السوري. وبات يتباهى بتقاربه من المنظمات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة و”الجيش السوري الحر”. أما في الانتخابات العراقية فقد تعرض حزب العدالة والتنمية للهزيمة بسبب لعبه على وتر الجبهة السنية العراقية. وأدى ذلك إلى تدهور علاقاته مع حكومة المالكي. وبذلك إن الأصوات التركمانية التي توجهت نحو القوائم الكردية ذهبت هدراً. وأفرغ تحالف الجبهة التركمانية من مضمونه. لم تحصل تركيا إلا على جزء بسيط من الكعكة العراقية. فاقتصرت الحصة التركية على شركات الإنشاءات التركية أمثال Yüksel, Enka. أما الحصة الأكبر فحصلت عليها أميركا من خلال شركات استخراج وتصدير النفط وبيع التكنولوجيا.
وصف أردوغان مشروع تأسيس الفيدرالية الكردية في الأراضي التركية بأنه مشروع سلام. كما أن هذا المشروع يتلاءم مع نظرية داوود أوغلو الميزوبوتامية. أمام الرأي العام كان يحكى عن قوة الدولة التركية وزيادة رقعة تأثيرها على البلدان المجاورة. ولكن يكمن خلف الستار خطط إسلاموية وأنظمة خلافية.

النتيجة:
في الخلاصة, إن المصالح التركية في شمال العراق كانت؛ عدم إقامة دولة للأكراد والمحافظة على هوية التركمان وخصوصاً في الموصل وكركووك. ولكن كل هذه الغايات انعكست مع فترة حكم حزب العدالة والتنمية. والآن لا يملكون في يدهم سوى التفاهم مع المنظمات الإرهابية كما فعلوا في سوريا كي يطلقوا سراح دبلوماسيي القنصلية والخروج أمام الرأي العام ليظهروا نفسهم على أنهم أنجزوا إنجازاً عظيماً في السياسة الخارجية وعرضوا الإرهاب لهزيمة أخرى. الجميع يعرف أن شاحنات الاستخبارات التركية التي ألقي القبض عليها في أضنة لم تكن تحمل مساعدات إنسانية للتركمان في سوريا بل كانت محملة بالأسلحة لتنظيم داعش وأشباهه. كما يعرف أن الاستخبارات الأميركية نقلت السلاح من ليبيا إلى تركيا لتقوم بدورها بنقله إلى تنظيم داعش. والآن بالنظر إلى الصورة العامة نرى بأن نقطة التحول في المشروع الأميركي يكبر يوماً بعد يوم. يكمن تحت هذا التحول الرأس المال الكوني وأميركا بصفتها الدولة المستضيفة له. ستكون العراق هي المحطة الأخيرة في لعبة مشروع الشرق الأوسط الكبير. إن الهدف من تعبئة المتطرفين اعتباراً من بوسنة إلى أفغانستان في سوريا والعراق هو إقامة دولة سنية قادرة على قطع سلسلة التحالف الشيعي في المنطقة من جهة وقوقعة إيران ضمن نطاق حدودها من جهة أخرى. كما الهدف من إقامة ممر كردي يمتد من كردستان العراق إلى البحر الأبيض المتوسط هو قطع أواصر الدولة التريدة مع الشرق الأوسط وجعلها مجبرة لإسرائيل وأميركا. إذا تدخلت الدول التي تريد المحافظة على السلم الأهلي في العراق وسوريا من الممكن أن نتواجه مع حروب طاحنة ستشعل المنطقة بأسرها. ولكن ستكتفي الدول والقوى الحامية للمصالح الأميركية بلعق البقايا من الصحن الأميركي.

 

في تقرير “نيويورك تايمز” اعده كل من تم ارانغو وكليفورد كراوس، يقول التقرير في فقرة منه:

الجبال الحادة الجافة القائمة بين تركيا والعراق كانت تتسم لوقت طويل بانها خط مواجهة في الحرب بين الحكومة التركية والاكراد الانفصاليين حيث اودت العمليات المسلحة عبر الحدود بارواح كثيرة بين الجانبين.

وعلى الرغم من ان تقاربا قد هدأ الحدود، الا ان الولايات المتحدة تخشى الان ان الاستقرار في خطر اكبر مما كان عليه في السابق. والمشكلة الان ليست الحرب ـ بل التجارة. فالاكراد العراقيون يبيعون النفط والغاز الطبيعي مباشرة الى تركيا، الامر الذي يغيظ واشنطن والحكومة المركزية ببغداد، التي تخشى من ان الاستقلال النفطي يمكن ان يؤدي بالاكراد الى اعلان استقلال اوسع ويتسببون بتمزيق البلد. وبينما ترتفع حدة القتل الطائفي في العراق، وتتسبب الحرب الاهلية السورية بزعزعة استقرار المنطقة، يقول مسؤولون اميركيون ببغداد ان تدفق النفط الى تركيا لعله الخطر المحتمل الاكبر على تماسك العراق ووحدته.

لكن سنة ونصف من حملة ديبلوماسية قادتها الولايات المتحدة لوقف الاكراد في ضخ النفط الى تركيا، قد باءت بالفشل حتى الان، الامر الذي يعكس تضاؤل نفوذ واشنطن في المنطقة، حتى على حليفيها منذ زمن طويل، تركيا واكراد العراق. فشاحنات النفط لا تواصل فقط السير يوميا من منطقة كردستان الى المدينتين التركيتين على ساحل المتوسط، ولا ان الاكراد سيواصلون فقط توفير النفط عبر خط نفطي الى تركيا، بل ان الطرفين يخططان فوق ذلك لبناء انبوب ثان، احيطت تفاصيله بالسرية.

ويقول علي ضاري، نائب رئيس لجنة النفط والغاز في البرلمان العراقي، ان “صفقة كردستان مع تركيا انتهاك صارخ للدستور العراقي لانهم لم يبرموا الصفقة بالتنسيق مع الحكومة المركزية”. واضاف ان “هذا يعني سرقة الثروة العراقية، ولن نسمح بهذا”.

والصفقات النفطية مع تركيا، التي يحتمل انها بقيمة مليارات الدولارات، هي جزء من جهد اوسع بذله الاكراد العراقيون في السنوات الاخيرة لابرام صفقات طاقة بانفسهم ـ من بينها اتفاقيات تصدير مع شركات اجنبية مثل اكسون موبيل وشيفرون وغازبروم ـ همشت فيها الحكومة المركزية. ويقول الاكراد والاتراك بانهم سيدفعون لبغداد حصتها العادلة. لكن مسؤولين في العاصمة طالما قالوا ان هذه الاتفاقيات غير قانونية.

وهذا الجدل جزء من الاعمال التي لم ينجزها الاحتلال الاميركي. وفشل الحكومة العراقية في تمرير قانون وطني للنفط، وهو واحد من نقاط التقييم المرجعية التي وضعها الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش عندما اعلن استراتيجية “زخم” القوات الاميركية في العام 2007، قد ترك بغداد واربيل في نزاع دائم على كيفية تقسيم الارباح ومن الذي له السلطة بابرام اتفاقيات مع شركات نفطية اجنبية.

قاسم مشختي، العضو الكردي في لجنة النفط والغاز في البرلمان العراقي، شدد على ان الاموال المتأتية من الصفقات سيجري تقاسمها مع العراق، وان من مسؤولية حكومة الاقليم في الشمال ان تجد اسواقا عالمية لمواردها النفطية. وقال مشختي ان “كردستان تعمل على زيادة الدخل القومي كي يتمكن كل العراقيين من التمتع بافضل خدمات ومزيد من الثروة”.

وعلى الرغم من ان آلية مثل هكذا مدفوعات لم تنفذ، الا ان الاتراك والاكراد اشاروا الى انهم سيلتزمون بالنسب الموجودة في تقسيم العائدات الوطنية، ما يعني ان بغداد ستحصل على 83 بالمائة من صافي الارباح والاكراد سيحتفظون 17 بالمائة.

لكن التحذيرات في بغداد وواشنطن تزايدت مع صفقات النفط هذه، التي تظهر انها جزء من استراتيجية بطيئة وطويلة امد يتبعها الاكراد العراقيون لمواصلة مسار يزيد من استقلالهم الذي يقول عنه خبراء ان نهاية اللعبة فيه هو: دولة كردية مستقلة.

ويعيش عشرات الملايين من الاكراد في العراق وسورية وايران، وطموحاتهم بالاستقلال قائمة منذ زمن طويل لكنها احبطت على مدى عقود. والان، وفي خضم فوضى الشرق الاوسط، يتخذ القادة الاكراد خطوات حاسمة للتقدم باتجاه ذلك الحلم، ليس فقط في العراق، بل في سورية ايضا، التي اعلنت الفصائل الكردية فيها مؤخرا ادارتها المستقلة في شمال شرق البلد.

ويدير الاكراد العراقيون منطقتهم المستقلة والمزدهرة نسبيا بشمال العراق، ويسيطرون على موانئ الدخول الى البلد، ولديهم جيشهم الخاص بهم ومؤسساتهم الاستخبارية وينفذون سياستهم الخارجية. ولدى المنطقة الكردية ايضا لوائحها في منح تاشيرة الدخول، فعلى سبيل المثال ربما ينتظر الاميركي اسابيع او شهورا للحصول الى تاشيرة سفر الى بغداد، الا انه يستطيع شراء التاشيرة في مطار اربيل. كما خدمت المنطقة كملاذ امن لمسؤولين سنة يريدون الهرب من بين ايدي الحكومة التي يقودها شيعة، ومن بينهم نائب الرئيس السابق طارق الهاشمي، الذي اتهم بالارهاب في العام 2011.
لكن الصفقات النفطية تسلط الضوء ايضا على اعادة صياغة جذرية للتحالفات الاقليمية في السنوات القليلة الماضية. ففي العام 2003، عمدت الحكومة التركية، القلقة من ان يؤدي الغزو الاميركي للعراق الى تعزيز استقلال الاكراد، الى منع القوات الاميركية من استعمال اراضيها للدخول الى العراق.
لكن تركيا الان داخلة في عملية صناعة سلام مع اكرادها، الذين شنوا تمردا دام ثلاثة عقود على الدولة التركية ولديهم قواعدهم في العراق. وفي منطقة ليس للاتراك فيها حلفاء كثيرين في هذه الايام، اصبح الاكراد العراقيون شركاءها المقربين.
وبالنسبة لتركيا، فإن صفقات الطاقة التي تبرمها مع كردستان العراق، التي تشمل نفطا وغازا طبيعيا، تؤكد وجود تحد وطني دائم لتامين امدادات طاقة لاقتصادها. فتركيا تتبجح بأنها اكبر اقتصادات الشرق الاوسط، الا ان موارد الطاقة فيها قليلة. وقد اعتمدت تاريخيا على بلدين في تامين الجزء الاكبر من حاجتها الى الطاقة ـ وهما روسيا وايران ـ وكانت الاولوية الوطنية لدى تركيا تنويع مصادرها من النفط والغاز.