الحركة الكردية .. تبعية وغياب للشخصية السياسية -حمـزة همكـي

الكاتب حمـزة همكـي

إنه لمن المغالطات المجحفة  تسمية ما تقوم به التجمعات الحزبية الكردية في غرب كردستان بالعمل السياسي أو إطلاق تسمية الحركة السياسية الكردية عليها، ولو أني أُحبِّذُ تسميتها بالحراك الحزبي الكردي ـ الكردي فهي ـ الجماعات، التجمعات، الدكاكين ـ الحزبية التي تشبه إلى حدٍّ بعيد حوانيت التجار ذوي رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة الذين يعانون حصاراً واحتكاراً من قبل أصحاب رؤوس الأموال الضخمة والكبيرة التي بيدهم مفاتيح السوق ومقدراته وليس للصغار حولٌ ولا قوةٌ أمام إرادة الكبار ورغباتهم.

للوهلة الأولى ينتاب المرء شعورٌ بعدم الخوض في هذه الحالة التي تطور بها الأمر إلى أن غدت ظاهرة عصيّة على الحل ولو تدخل فيها كبار الفلاسفة والمفكرين ومنظري الثورات.

لسان حالهم يفصح بالقول ( إنَّما أنا تابِعْ )، تلك هي المعضلة والداء الذي لم يتمكن أحدٌ إلى الآن من إيجاد الترياق المناسب له، لا شك أن هذه المشكلة التي تعاني منها الأحزاب الكردية ليست وليدة اليوم بل هي ميراث يمتد إلى بدايات تأسيسها, والذي صار مُذ ذاك تقليداً انسحب على كل المراحل التي مرت بها إلى يومنا هذا، فالتبعية لحِقَتْ الحركة الكردية مُذ كانت جنيناً وفي طور النشوء الأولي فربطت نفسها بحركات كردستانية تختلف في تكوينها وبنيتها من حيث الكاريزما القيادية والنَفَسِ الاجتماعي الذي لا يلتقي في كثير من النواحي مع الحالة الاجتماعية في الجزء الكردستاني الملحق بالدولة السورية، ناهيك عن الظرف المرحلي والتاريخي التي مرت بها الأجزاء الأخرى من كردستان،  كذلك مع الاختلاف في الطبيعة الجغرافية التي تميزت بها باقي الأجزاء، فرفعت شعارات أضخم من حجمها وطاقاتها المتوفرة أسوة بل تبعية للحركات الكردية المجاورة ثم سرعان ما تنازلت عن تلك الشعارات فكانت خطوة إيجابية لإدراكهم للظروف والإمكانات وكانت هذه الخطوة مترافقة مع البقاء على حالة التبعية الأيديولوجية وكذلك التبعية للكاريزما القيادية في كردستان العراق على وجه التحديد.

لو نظرنا إلى المسألة من الناحية القومية  والقواسم المشتركة بين الكرد بجهاتهم الأربعة لما رأينا فيها أيِّة مشكلة، فمشكلتنا ليست في هذا الاتجاه من المنظور وإنما في انصهار الشخصية السياسية الكردية وانحلالها في الشخصية السياسية الكردية في الجهات الأخرى من بلاد الكرد، كذلك الحال لو نظرنا إلى التيار الحركي الكردي السوري الآخر وهو حزب الاتحاد الديمقراطي  المحسوب فكريا على حزب العمال الكردستاني ..

لذا على الحركة الكردية في هذا الجزء من كردستان أن تعي أن كرد سوريا ظروفهم تختلف عن بقية الأجزاء الأخرى, وعدم ربط مصيرهم بخلافات المحاور الكردستانية في الشمال الكردي وجنوبه وشرقه. إن أكبر خطأ تقع فيه تلك المحاور الكردستانية في هذه المرحلة هو تصدير خلافاتها إلى غرب كردستان وجعلها ساحة للصراع الفكري الذي ينتهجه هذين المحورين ( هولير وقنديل )، لا مشكلة لدينا في ما إذا لعبت هولير أو قنديل دور الناصح والمساعد للحركة الكردية هنا، أما أن تلعب دور البطل والمنقذ وأن توكل لكرد سوريا دور الكومبارس فهذا ما يجب أن لا تقبل به الحركة الكردية ، ولو أني لا أرى على المدى المنظور أن تتخذ الحركة الكردية في سوريا قراراً بهذا المستوى من الجرأة، مع ذلك أرى من الواقعي والمنطقي اتخاذ هكذا قرار حتى لو أدى إلى نتائج قد تكون لها وقع سلبي على الوضع الكردي في غرب كردستان، على الأقل ستكتسب الشخصية السياسية  موقعها من حيث قيادة الجماهير، ستعيش الحركة الكردية لو اتخذت هكذا قرار حالة الحرية  بصدد تقرير مصيرها.

يقول جان جاك روسو ” وتضمحل الحرية عندما يربط  الإنسان مصيره بشخصٍ آخر ” أجل تضمحل الحرية ويفقد الإنسان صلته بالواقع ويبقى حبيس الاتكال على الآخرين.

ولست هنا بصدد طمس للحقائق والواقع بالنسبة لبعض الإنجازات التي حققتها بعض القوى الكردية في غرب كردستان بغض النظر عن التسميات التي تطلقها على نفسها تلك القوى فهي بالمحصلة قوات ذات غالبية كردية وذات مرجعية فكرية قومية، وأقصد هنا وحدات حماية الشعب فهي قدمت خلال السنوات القليلة الماضية تضحيات جمة وانتصارات عسكرية  لا يمكن لأحد طمسها وإغفالها، وفي المقابل  لو نظرنا إلى هذه الانتصارات نظرة تحليلية واقعية وربطناها بواقع المنطقة الكردية وما آلت إليه من واقع ينطوي على سلبيات كثيرة ومنها على سبيل المثال ظاهرة الهجرة التي منيت بها المنطقة الكردية خلال الأعوام الماضية، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة من المسؤول عن هذه الظاهرة ..؟؟

لا شك إن الإجابة على هذا السؤال لا يمكن اختصاره بجملة أو جملتين أو حتى مقال بل يترتب على الجواب عن هذا السؤال دراسة معمقة ونظرة تحليلية تركيبية لبنية المجتمع الكردي في غرب كردستان، لكن من المنطقي والواقعي الاعتراف بأن أية سلطة تقوم بإدارة أية جغرافيا على وجه الأرض وبغض النظر عن الطريقة التي أتت بها إلى الحكم والإدارة هي المسؤولة بشكل مباشر عن أي حدث أو حالة تصيب المجتمع الذي تحكمه تلك السلطة على الأقل لتقنع من هم تحت إدارتها بأنها سلطة صالحة لتحكمهم على المدى القريب أو البعيد.