..لماذا يهمش الإعلام الغربي أفظع المجازر التي ارتكبتها داعش في كوباني بعد تحرير تل أبيض؟!

الكرد في صحافة الغرب

لماذا يهمش الإعلام الغربي أفظع المجازر التي ارتكبتها داعش في كوباني بعد تحرير تل أبيض؟!

الإندبندنت– باتريك كوكبرن -27 يونيو

إعداد: هشام عرفات

قام مسلحون من داعش متنكرين بزي القوات المحلية بدخول المدينة صباح يوم الخميس عبر الحدود التركية، وقتلوا على الفور ما لا يقل عن 18 مدني بينهم نساء وأطفال، حيث تم اطلاق النار عليهم مباشرة و تم العثور على جثامينهم مرمية في الشارع ذلك اليوم. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان: “لقد عثر على جثمان طفل فيه خمس رصاصات، وقتل في ذلك اليوم ما لا يقل عن 120 مدني في بيوتهم بقذائف داعش.” وقال صحفي محلي: “إن داعش لا تريد السيطرة على المدينة، وإنما جاؤوا فقط لقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين بأبشع الطرق الممكنة”.

تمّ ارتكاب هذه المذابح الجماعية في المدينة الكردية السورية “كوباني” على الحدود التركية، هذه المدينة التي فشلت داعش في السيطرة عليها في حصار دام 134 يوما وانتهى في شهر يناير. اثناء كتابتي لهذا المقال كانت داعش ما تزال تحتفظ بسبعين رهينة في عدد من الأبنية في المدينة، وقاموا بإعدام 26 مدني في قرية مجاورة، ليرتفع العدد ذلك اليوم الى 164 قتيل و 200 جريح، مما جعلها من أكبر وأفظع المجازر التي ارتكبتها داعش بحق المدنيين في سورية. وقال الناشط الكردي آرين شيخموس لعدد من وكالات الأنباء: “كل عائلة في كوباني فقدت شخصا على الأقل”.

إذا من حيث الخسائر البشرية وبمالقارنة مع ما حدث في تونس والكويت وفرنسا الاسبوع الماضي، فقد كان عدد ضحايا كوباني أكثر من 364 بين قتيل وجريح وبأفظع الطرق، بينما تجاوز 67 بقليل في التفجيرات التي قامت بها داعش في فرنسا والكويت وتونس. إلا أن التغطية الإعلامية لهذه الأحداث الثلاثة كانت أوسع بكثير من التغطية الاعلامية لمجازر كوباني، رغم أن أنباء تلك الأحداث ونبأ مجازر كوباني أتت في الوقت ذاته.

يمكن أن يعزى هذا التركيز المتحيّز وغير المتوازن للإعلام الغربي عامة وفي بريطانيا خاصة الى القلق البريطاني لأن معظم الضحايا الـ 37 الذين قتلوا في سوسة/تونس كانوا بريطانيين. وفي فرنسا تم قطع رأس رجل بشكل رهيب ومحاولة لقتل العديد باختراق سيارة لخزانات في معمل للغاز الصناعي. إلا أن هذه التغطية لم تكن مجرد تركيز مبالغ فيه لوسائل الإعلام الأجنبية على القتلى من البيض على حساب السود، فقد كان هنالك الكثير من التقارير المفصلة عن تفجير انتحاري في مسجد شيعي في مدينة الكويت حيث قتل 27 من المصلين.

لقد شاهدت أخبار (سي ان ان) يوم الجمعة ولم يتم ذكر كوباني في أول 15 دقيقة من النشرة، وكانت التغطية شبه معدومة أيضا على (بي بي سي) و (اي تي ان)، والسبب طبعا لا يكمن في قلة المعلومات الموثوقة، فكوباني تقع على مرمى من البصر عن تركيا والسلطات الكردية المحلية والمرصد السوري لحقوق الإنسان كان مواكبا للحدث لحظة بلحظة في إعطاء تفاصيل عن عمليات القتل التي ارتكبتها داعش.

إن عدم الاهتمام العالمي بمجازر كوباني يمكن أن يعزى الى أن الناس في جميع أنحاء العالم صاروا معتادين على الفظائع التي تحدث في سوريا والعراق. لقد تحدر احساسهم جراء رؤية العدد الهائل لصور الأطفال الذين قتلوا او شوهوا على أيدي مرتزقة داعش او البراميل المتفجرة للنظام السوري. لذلك لم تعد تلك الأخبار ذات أهمية بالنسبة لهم وصاروا يعتبرونها حالة شبه دائمة ومعتاد عليها، رغم أنه أمر مؤسف من المشهد السياسي في المنطقة.

إن هذه “الفظائع الوحشية” عندما يتعلق الأمر بسوريا والعراق تعتبر مريحة للغاية للحكومات الأجنبية التي ساهمت في إثارة هذه الحروب، و ما تفعله الآن قليل جدا لوقفها. فقد تم تنفيذ الهجمات على ليون وكوباني وسوسة والكويت بواسطة أتباع داعش أو المتعاطفين معها، وذلك لبث الرعب بين أعداء “الخلافة” المزعومة التي تم الاعلان عنها العام الماضي.

ولكن لو أعطيت مجازر كوباني أهمية وتغطية مساوية أو أكثر من تغطية الهجمات الثلاثة الأخرى، عندها سيقوم الناس بربط العمليات الارهابية الاسبوع الماضي بفشل قوات التحالف الدولي التي تقودها الولايات المتحدة في إضعاف داعش التي باتت أقوى مما كانت عليه قبل عام مضى. لقد فشلت ضربات قوات التحالف في منع داعش من هزيمة الجيشين السوري والعراقي في شهر أيار عندما قام الجهاديون بالسيطرة على الرمادي وتدمر. وما يجعل الموجة الحالية من الهجمات الإرهابية مختلفة عن هجمات 11 سبتمبر و 7 تموز هي أنها مدعومة بدولة خلافة وبجيش منظم وإدارة ومؤسسة سياسية. ففي 23 حزيران، قام المتحدث باسم داعش أبو محمد العدناني بدعوة الجهاديين بتحويل شهر رمضان الى “شهر المصائب على الكفار والشيعة والمرتدين”.

في السابق كانت تظهر دعوات للهجمات على أعداء الاسلام في أشرطة فيديو مسجلة في القرى الجبلية الغامضة في وزيرستان وافغانستان، أما اليوم فهناك متحدث باسم داعش يتكلم باسم دولة لها شعبية وقوة عسكرية أكثر من نصف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. فمادامت هذه الخلافة معلنة وحاضرة، لن تتوقف الهجمات الارهابية مثل تلك التي شهدناها الأسبوع الماضي.

إن الحكومات الأوروبية وواشنطن ترغب في إبقاء النقاش حول كيفية مكافحة إرهاب داعش والحركات التي على شاكلة تنظيم القاعدة على مستوى تقني غير سياسي، كما لو أنهم  يتعاملون مع الكوارث الطبيعية التي هم غير مسؤولين عنها مثل الايبولا أو الإيدز. إن أسباب عدم مراقبة المجرمين المتأثرين بالفكر الارهابي لداعش في كل من فرنسا وتونس أو كيفية التقليل من تطرف الشباب المسلم، ما هي إلا نقاشات لا طائل منها.

وبعد كل ما حدث، مازال الاعلام الغربي يتجنب الحقيقة الساطعة التي مفادها أن “الحرب على الإرهاب” المعلنة مع الكثبر من الجعجعة والنفاق بعد 11 سبتمبر قد فشلت فشلا ذريعا، فداعش والمجموعات الإرهابية التي على شاكلة القاعدة والتي لا تختلف عنها كثيرا مثل جبهة النصرة وأحرار الشام في سورية ما تزال توسع من نفوذها بشكل خارق للعادة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وما بعدها.

إن السبب الرئيسي لهذا الفشل بسيط للغاية ولم يختلف اليوم عما كان بعد 11 سبتمبر. فالولايات المتحدة والقوى الأوروبية الغربية في الشرق الأوسط تعتمد على تحالفات مع الدول الاسلامية السنية التي تدعم أو تتعاطف مع المجتمعات المسلمة السنية التي تأسست فيها جذور داعش والنصرة. فالسعودية وقطر وتركيا قد لا ترحب علنا بانتصار الجهاديين السنة، ولكنها تفضل هذه الانتصارات على انتصارات معارضيها من الشيعة او المدعومين من ايران.

وهكذا فإن الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفائهما يسعون لمكافحة داعش كما هو من المفترض، إلا أنهم في الوقت ذاته يعارضون أعداء داعش، كإيران وحزب الله والجيش السوري والميليشيات الشيعية في العراق وحزب العمال الكردستاني في تركيا والحزب الكردي السوري المقرب منه (حزب الاتحاد الديمقراطي ب ي د). ان هذه المحاولة الأشبه بركوب حصانين يسيران باتجاهين مختلفين قد أدت الى تشوهات وتناقضات سياسية. فطيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة كان يدعم حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) بقصف مواقع داعش حول كوباني في الأيام القليلة الماضية، وفي الوقت ذاته ماتزال الولايات المتحدة تعتبر حزب العمال الكردستاني (ب ك ك ) على لائحة الحركات الارهابية. ومن ناحية أخرى، فإن الطائرات الأمريكية لم تستهدف عصابات داعش عند تقدمها باتجاه تدمر والسيطرة عليها. إذا طالما أن الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية لا تواجه حلفاءها السنة جراء دعمهم ومساندتهم للجهاديين المتطرفين، فإنها بذلك تبقي الباب مفتوحا على مصراعيه لمزيد من الهجمات كتلك التي شهدناها الاسبوع الماضي.

 

رابط المقال

http://www.independent.co.uk/voices/isis-in-kobani-why-we-ignore-the-worst-of-the-massacres-10350268.html

 

*هشام عرفات: مترجم كردي من روجافا ومراسل جريدة الاندبندنت البريطانية في كردستان.

hisham-arafat@hotmail.com