بدأت الأزمة السورية متأثرة بما كانت تعيشه الدول العربية من أزمات، مثل تونس وليبيا ومصر والتي تطلق عليها تسمية الربيع العربي،
إلى جانب توافر الظروف الموضوعية في سوريا للوقوع في مثل هذه الأزمة، فقد كان يعاني الشعب السوري على مختلف مكوناته من ظلم واضطهاد النظام الاستخباراتي بفروعه اللامتناهية، وتسلط الفئة القريبة من العائلة الحاكمة واستفرادها بكافة القرارات والدساتير، وتمثيلهم سلطة أعلى من القانون والدستور السوري. وقد كان الكرد السوريين الأكثر تعرضاً للظلم والغبن والاضطهاد وإنكار الهوية والوجود طيلة ستة عقود من الزمن، ولذلك مع بدء الأزمة السورية في 18 آذار 2011م، كان الكرد في مقدمة المنتفضين لنيل حقوقهم المشروعة والدفاع عن أنفسهم، وقد أراد الكرد في العديد من الانتفاضات أن يعبروا عن تكاتفهم مع إخوتهم السوريين في كل من درعا وحمص ولكن بهويتهم الكردية لا العربية. فالأزمة السورية بدأت شريفة نزيهة سلمية من اعتقال وتعذيب أطفال درعا، ولكنها سرعان ما تعرضت للتجاذبات الإقليمية، وأصبحت ساحة لتصفية الحسابات ومد النفوذ بين المحور السني (السعودية وقطر وتركيا) والمحور الشيعي (إيران وحزب الله اللبناني والنظام السوري)، أي أن الأزمة في سوريا خرجت من كونها ثورة شعب انتفض ضد نظام ظالم وباغي، بل أصبحت كحرب مواجهة بين فصائل مسلحة سنية تتلقى دعماً خارجياً من قطر والسعودية وتركيا، وبين فصائل شيعية ترسلها إيران أو نظام بغداد، بغية حماية نظام الأسد الموالي لإيران. إلا أن جزءاً من الكرد قد تنبهوا إلى هذه اللعبة، وابتعدوا عن هذا الصراع الطائفي، وتوجهوا نحو تنظيم صفوفهم وبناء مؤسساتهم العسكرية والمدنية لإدارة مناطقهم وحمايتها في ظل الأزمة السورية، مكتفين بمبدأ الدفاع الذاتي المشروع عن المناطق الكردية وكافة المكونات المتواجدة على هذه الأرض، والجزء الآخر من الحراك الكردي أراد تأجيل المطالبة بحقوقه القومية وتمثيل هويته إلى حين سقوط الأسد، ويرضى مرة أخرى أن يصبح مواطناً من الدرجة الثانية، ومتوسلاً لدى الائتلاف أن يتصدق عليه بحقوقه القومية والاعتراف بالهوية الكردية. وهنا كان الدور الأبرز للدولة التركية، الجارة القوية لسوريا والتي لها مصالح في زعزعة الأمن والاستقرار في سوريا، وإسقاط النظام العلوي في دمشق وإيجاد بديل سني له يتبع تبعية كاملة لأنقرة، كما كانت عليه الأمور أيام الدولة العثمانية، وتجعل من سوريا إحدى ولايات الإمبراطورية العثمانية، التي كان أردوغان يسعى جاهداً لتشييدها، إلى جانب المسألة الكردية التي تمثل العقدة الأم للدولة التركية، والتي تسعى جاهدة إلى إخمادها وكبتها وضرب أي بروز لقوة كردية أينما كانت، حيث قامت باحتواء المعارضة السورية السياسية منها والعسكرية ورعايتهما وتسليح المعارضة والفصائل الاسلامية المتشددة كالنصرة وحتى مرتزقة داعش، لضرب النظام السوري من جهة وضرب المناطق الكردية من جهة أخرى لإجهاض أي مشروع كردي في شمال سوريا.
في خضم هذه الفوضى والأزمة التي تعيشها سوريا منذ خمسة سنوات، لم يسقط النظام السوري ولم تنتصر المعارضة السورية والجيش الحر. بل أسفرت هذه الأزمة عن ولادة تنظيمات سلفية جهادية متشددة، لها أهداف سلفية وتوسعية لا تقف في حدود إسقاط النظام السوري وضرب المناطق الكردية، بل تتعدى إلى نشر الإرهاب في كامل منطقة الشرق الأوسط، كما يحدث الآن في كل من ليبيا واليمن وسوريا والعراق وحتى مصر، وقابلة للتمدد إلى السعودية وقطر وتركيا. وقد استطاعت هذه التنظيمات الجهادية أن تهزم الجيشين السوري والعراقي وتستولي على كميات ضخمة من العتاد السوري والعراقي على حد سواء، وتبسط سيطرتها على ثلث العراق ونصف سوريا، لدرجة تنبهت فيها القوى الدولية لخطر تمدد هذه التنظيمات الجهادية، واحتمالية تهديدها لمصالحها في الشرق الأوسط وحتى تمددها إلى أوربا من بوابة تركيا راعية هذه التنظيمات، وتنبهت أيضاً لخطر اندماج فصائل المعارضة مع هذه التنظيمات المتشددة، نظراً لوحدة الجذور الاسلامية المتشددة، وكان هذا السبب الرئيسي لعدم تقديم الدعم العسكري الأمريكي والأوربي لفصائل المعارضة المسلحة، وظلت أمريكا والدول الأوربية تبحث عن قوة حقيقية تستطيع الوقوف في وجه هذا الخطر المتمدد، حيث بدت الأمور واضحة للعيان بأن القوات الكردية متمثلة بوحدات حماية الشعب (YPG)، هي القوة الوحيدة المنظمة التي استطاعت تحقيق الانتصارات المتتالية على هذه التنظيمات في مختلف الجبهات، من سري كانيه إلى جزعة وتل حميس وتل براك وتل تمر والحسكة وصولاً إلى ملحمة كوباني التي قاومت لأكثر من ستين يوماً في وجه أكبر الحشود الداعشية المدعومة بكافة الأسلحة الثقيلة التي اغتنمها داعش من قاعدة سبايكر في العراق والموصل ومطار الطبقة العسكري والفرقة 17 واللواء 93 في سوريا، كل هذا قبل أن يتدخل التحالف الدولي وقوات البيشمركة لمؤازرة القوات المدافعة عن كوباني.
من هنا نستطيع القول بأن السبب الرئيسي والوجيه لمساندة قوات التحالف الدولي للقوات الكردية، والتنسيق فيما بينها وبين وحدات حماية الشعب، هي أن وحدات حماية الشعب والمرأة (YPG،YPJ) كانت القوة الوحيدة التي صمدت وانتصرت على هذا المد السلفي، بل هي وحدات دفاعية تحمل طابعاً ديمقراطياً تدافع عن مختلف مكونات المنطقة، وبعيدة كل البعد عن التعصب القومي، بالإضافة إلى أنها تشكل سداً منيعاً في وجه المشروع والطموح العثماني بحكم طبيعتها الجغرافية والسياسية. جدير بالذكر أن نقول أن القوات الكردية لم تستنجد بالتحالف الدولي، بل استطاعت أن تحقق الانتصارات المتتالية على مدى أكثر من ثلاث سنوات على هجمات داعش والتنظيمات السلفية المتشددة وجبهة النصرة، قبل أن يدخل التحالف الدولي على الخط. بل الأصح القول بأن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية، هي التي رضخت للأمر الواقع وقبول القوات الكردية كقوة حقيقية منظمة وحيدة استطاعت الوقوف في وجه هذه التنظيمات السلفية والحد من تمددها وتطبيق مشروعها، وعلى هذا الأساس بدأت بفتح خطوط الاتصال والتنسيق.