أثار ترشيح المعارضة التركية أكمل الدين إحسان أوغلو للرئاسة التركية في الانتخابات المقررة في العاشر من آب (أغسطس) المقبل تساؤلات كثيرة في الشارع التركي، فترشيح رجل معروف بتاريخه الإسلامي وهو الأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي وأبن رجل الدين الشهير محمد إحسان افندي، شكل صدمة في هذا الشارع، إذ كيف لحزب الشعب الجمهوري العلماني والذي يمثل إرث مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك أن يقدم على مثل هذه الخطوة؟ هل هو تقديم أولوية إسقاط أردوغان على أي شي آخر؟ أم لغياب أي مرشح تجمع عليه المعارضة؟ أم أنه انقلاب أيديولوجي وتصالح مع التاريخ بعد أن قامت أيديولوجية هذا الحزب على محاربة البعدين الديني والقومي لمصلحة الأسس التي شيّدت عليها الجمهورية التركية؟
ثمة عوامل تقف وراء اتفاق «حزب الشعب الجمهوري» وحزب «الحركة القومية» على ترشيح أوغلو لهذا المنصب، لعل أهمها:
1- عدم وجود مرشح من المعارضة أو قريب منها، يتمتع بكاريزما سياسية في مواجهة أردوغان، ويحظى بتوافق أحزاب المعارضة، كما حصل عام 2000 عندما اتفقت الأحزاب التركية على ترشيح الرئيس السابق أحمد نجدت سيزار.
2- قناعة الحزبين بأن ترشيح أوغلو سيغير من المعادلات التي تسود الشارع التركي، فحزب «العدالة والتنمية» منذ وصوله إلى السلطة عام 2002 فاز بسلسلة الانتخابات البرلمانية والرئاسية والبلدية، وكانت نسبة أصواته تتراوح بين 40 و50 في المئة تقريباً، وعليه فان ترشيح أوغلو له علاقة بقناعة الحزبين بأهمية خلط الأوراق، إذ إن هذا الترشيح قد يؤثر في رصيد أردوغان من خلال جلب أصوات أحزاب إسلامية ومحافظة مثل حزب السعادة والوحدة الإسلامية الكبرى، فضلاً عن حركة الخدمة بزعامة فتح الله غولين، ويرى الحزبان أنهما بهذه الخطوة قد يحققان نسبة أكثر من خمسين في المئة لمرشحهم الرئاسي، أو على الأقل قطع الطريق أمام أردوغان للفوز من الجولة الأولى.
3- محاولة «حزب الشعب الجمهوري» تحسين صورته في ظل موجة التدين التي تجتاح الشارع التركي، إذ تقول تقارير إن كتلة تقدر بأكثر من أربعين في المئة من المجتمع التركي باتت إسلامية الهوية والتفكير، ولعل هذا ما يفسر حديث زعيم حزب الشعب كمال كيلغدار أوغلو عن عدم وجود تعارض بين الكمالية والتدين، مع أن أيديولوجية الحزب قامت تاريخياً على محاربة التدين، فهو الحزب الذي ألغى الأذان بالعربية وكذلك التعليم الديني وعارض تولي عبدالله غل رئاسة الجمهورية لمجرد أن زوجته محجبة.
4- وعلى غرار الانفتاح على الجماعات المتدينة ثمة محاولة مماثلة للانفتاح على القضية الكردية، إذ زار كليغدار أوغلو مدينة دياربكر العاصمة التاريخية لأكراد تركيا، ومن هناك خاطبهم بالقول إن حزبه لم يعد الحزب الذي أُنشئ في ثلاثينات القرن الماضي وأنه يدعم الحريات وحقوق الإنسان ويعمل على إيجاد حل سياسي للقضية الكردية.
5 – قناعة المعارضة بأن إحسان أوغلو الذي ولد في مصر وعاش فترة في السعودية وبريطانيا وعمل أميناً عاماً لمنظمة التعاون الإسلامي وله علاقات جيدة مع مصر والسعودية وإندونيسيا وغيرها من الدول الإسلامية الكبرى، سيحظى بدعم وتأييد هذه الدول، خصوصاً أن علاقة بعض هذه الدول ليست جيدة بأردوغان، ولعل قبول إحسان أوغلو مثل هذا الترشيح يؤكد تأييده ما ذهبت إليه المعارضة.
ترشيح إحسان أوغلو القريب من «الحركة القومية» أثار جدالاً حاداً في «حزب الشعب الجمهوري»، خصوصاً مع إعلان عدد من قادة الحزب رفضهم لهذا الترشيح وإعلانهم التفكير بجمع أصوات عشرين نائباً لترشيح شخص آخر وسط الحديث عن إمكان ترشيح الزعيم السابق للحزب دنييز بايكال الذي استقال اثر فضيحة جنسية يقال إن أوساطاً مقربة من أردوغان دبرتها له. بما يعني أن احتمال حصول انشقاق في الحزب بات مرجحاً.
خورشيد دلي/ كاتب سوري