بيدَ أن ضياء تستدرك وتقول في محاولة لإقناع نفسها ومن حولها بأنها لم ترتكب جريمة بحق ابنتها، أن «أمها وجدّتها تزوجتا في هذه السن، وبالتالي لا غضاضة في ذلك».
غير أن ضياء لا تلبث أن تجهش بالبكاء كلما خلت إلى نفسها، بعيداً من أعين صديقاتها وأطفالها الذين بدأت تفكّر في أن يترك أكبرهم (13 سنة) المدرسة، ليلتحق بالعمل في محطة غسيل للسيارات، من أجل أن تحصل على ما يؤمّن لأسرتها إيجار البيت، كما طلب منها مالكه الذي يملك أيضاً المحطة.
ولم تتوقف قسوة الحياة التي تكابدها ضياء على رغم تضحياتها عند هذا الحدّ، فقد وقعت فريسة ألسن الناس التي ترجم شرفها كلما دقّ بابها محسن، ما اضطرها لمغادرة مكان إقامتها وبدء حياة جديدة في مدينة أخرى حيث لا يعرفها أحد.
وليس حال ضياء أفضل حالاً من أمل بعد أن تجرّأ عليها إخوتها وحرموها من الميراث، على رغم حاجتها الماسة له لتستطيع أن تكمل مسيرة عائلتها التي فقدت معيلها قبل سنوات، وجعلتها مطمعاً للقاصي والداني.
وتشير أمل إلى أن موت زوجها جعلها بلا سند أو حماية من إخوتها الذين خيّروها بين الميراث وقطع علاقتهم بها إلى الأبد، أو التنازل عنه في مقابل فتات زهيد يرسلونه لها كل شهر. وتضيف أنها لم تقوَ إلّا على ترك الميراث حتى لا تخسر إخوتها بعد زوجها. لكنهم أهملوها لاحقاً وأضحت عرضة لاعتداءات جنسية من جانب زملائها في شركة التنظيفات حيث تعمل، بسبب ضعفها وقلة حيلتها وحاجتها لإطعام أطفالها.
وتوضح جمعية المعهد الدولي لتضامن النساء الأردني «تضامن» أن العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مختلف بلدان العالم تؤثر في شكل مباشر في حياة الأرامل وأطفالهن. وتؤكد أن التمكين الاقتصادي للنساء، لا سيما الأرامل منهن وعدم حرمانهن من حقوقهن الإرثية وتسهيل عملية تملّكهن الموارد والعقارات والأراضي وتوفير فرص عمل، ستساهم كلها في تحسين أوضاعهن الاقتصادية وبالتالي أوضاع أطفالهن.
كما أن مساعــــدتهن لمواجهة أعباء الحياة وتقديم الرعـــاية الصحية والخدمات التعلـيمـــية وتغيير صورة المجتمع النمطية تجاههن، ستؤدي حتماً إلى الاعتراف بأدوارهن في خدمة أسرهن ومجتمعاتهن.
وتعتبر «تضامن» أن الممارسات الثقافية والأعراف السائدة في عدد من البلدان تضع الأرامـــل في مواجهة مع مجتمعاتهن تهميشاً ونبـــذاً، ويكون فقدانهن أزواجهن بمثابة إعــلان عن بدء هذه المواجهة التي تجرّدهن من غالبية مكتسباتهن، والتي ارتبط حصولهن عليها بمراكزهن الاجتماعية لمراكز أزواجهن، فيُحرمن من الميراث ويتعرّضن لاعتداءات جسدية قد تصل إلى القتل. ويُجبرن في حالات أخرى على الاقتران بأقارب أزواجهن، ويعاني أطفالهن من صعوبات صحية وتعلّمية، وتضطرهن الظروف ومن أجل إعالة أسرهن للعمل أو دفع أطفالهن إلى ذلك وطفلاتهن إلى الزواج المبكر، فضلاً عن المعاناة النفسية والمعاملة القاسية لهن ولأطفالهن.
وتوضح «تضامن» أن مجتمعات كثيرة تعتبر أن الأرامل فريسة سهلة للاستغلال والإتجار بهن والاعتداء عليهن جنسياً واغتصابهن، ما يؤثر سلباً في حقوقهن الصحية ويعرّضهن لأمراض قاتلة. كما أن أوضاع بعضهن الاقتصادية قد تدفعهن إلى العمل في مجالات جنسية كالدعارة.
كما تعتبر الصراعات والنزاعات المسلّحة والحروب رافداً أساسياً كي تصبح النساء أرامل، وغالباً ما يترافق ذلك مع انتهاكات صارخة لحقوقهن الإنسانية كمشاهدتهن عمليات تعذيب أزواجهن وقتلهم، وقد يتعرّضن لمختلف أنواع التشويه والتعذيب والاعتداءات الجنسية. ويعشن بسبب النزوح أو اللجوء ظروفاً قاسية أو مهينة أو غير إنسانية، وقد يُستخدمن كأدوات حرب، ويتعرّضن لضغوط استغلالية وأطفالهن.
وتربط «تضامن» بين ارتفاع أعداد الأرامل وأعداد النساء اللاتي يعلن أسرهن في الأردن، إذ يشير مسح العمالة والبطالة لعام 2011 الصادر عن دائرة الإحصاءات العامة عن الحالة الزوجية للسكان لفئة (15 سنة وما فوق)، إلى أن 7.3 في المئة من النساء أرامل، ويبلغ إجمالي عددهن 221 ألف أرملة، في مقابل 0.8 في المئة من الرجال.
أما نسبة النساء الأرامل العاملات فهي الأعلى، إذ تشكّل 96.9 في المئة، في مقابل 82.2 في المئة من المطلقات، و68 في المئة من العازبات.
وتظهر أرقام دائرة الإحصاءات العامة الأردنية زيادة في عدد الأسر التي ترأسها نساء، إذ وصل عددها إلى 158 ألف أسرة في عام 2012، أي 13.4 في المئة من مجموع الأسر الأردنية.
الحياة