الموقع الجغرافي :
تقعُ آليان في الشمال الشرقي من سورية في منطقة ديريك، يحُدها شرقاً نهر كَري ديرا وغرباً نهر الجراح، أمَّا جنوبا فينتهي حدودها عند بلدة جل آغا، وشمالاً حتى جبال طوروس الواقعة الآن في الحدود التركية ،ويُذكر أنَّ حدودها في السابق كانت تشملُ من جهة الجنوب حتى قرية تل علو وخراب باجار وعدد القرى في هذه المنطقة تتجاوز 55 قرية ذات تسمياتٍ قديمة لا يُعرف لكثير من اسمائها المعنى وسبب تسميتها بهذه الاسماء ( باترزان، باكروان، قاصتبان، باديان ..) ويبدو من خلال التلال الأثرية الموجودة في معظم القرى تقريباً أنَّها احتضنت شعوباً وحضارات مختلفة عبر الزمن ويظهرُ ذلك جليّاً من خلال بقايا الأواني الفخارية والمطاحن التي كانت تعمل عن طريق مياه الأنهار والينابيع الغزيرة، لكن لشح التنقيب والدراسات عن هذه المنطقة هناك الكثير من المعلومات خفيت عنَّا إلى الآن .
سببُ التسمية:
اختلفت الروايات في سبب تسميتها بآليان لعدم توفر أيِّ وثيقة تثبت ذلك فهي روايات شفهية تناقلتها الأجيالُ عبر السنين ،فقيل أنَّها جاءت من الطرف أو الحد أو أنَّها سُميت بذلك عندما رفع مرعي آغا راية الاستسلام أمام رجال أزدشير عندما هاجموا ديرونا آغي كما ذكر آذاد علي في دراسته عن آليان والتي نُشرت في مجلة الحوار العددان 16 +17، كما ذكر علي سيدو كَوراني في القاموس الكردي الحديث أنَّ (alya )اسم لعشيرة كردية تسكن جنوب بوتان وشرق القامشلي ،كما تقول بعض الروايات أنَّ معناها منطقة الآلهة ..! أو أنها جاءت من كلمة آريا – آري نسبة الى العرق المعروف ..!! والحقيقة التي ينبغي الاعتراف بها أنَّ التسمية لا يُعرف لها معنى دقيق وواضح يمكن الاعتمادُ عليه .
العشائر والقرى القديمة :
إنَّ أقدم العشائر في آليان يذكرها المسنون هي ( قرغوكى، شيخ بزني، باقلى ، قلنكَ وشمخالك ) ثم وفدت إلى المنطقة عشائرٌ كثيرة أهمها من حيث العدد (دومانى، دوركى ، عليكى ، سييد ، حمكى) ومن العشائر القديمة التي كانت بيدها ملكية قرى كثيرة ،عشيرة قلنك وشمخالك فقد كانت تملك قرى مثل ( ديرونا قلنكَا، باباسي، خوشيني، علي بدران، توكل ، آلى قوس، خربه جهوا، نبي سادي، جل آغا وقد كانت وقتها قرية، خراب باجار، تل علو ) .
ومن أقدم القرى المأهولة التي تذكرها الروايات الشعبية في آليان (ديرونى) والتي سُميت في ما بعد ديرونا آغي بعد أن ملكها( آل مرعي)، فقد كانت المركز الرئيسي لمنطقة آليان منذ عشرات السنين ومن المراكز المهمة في محافظة الحسكة ومنطقة القامشلي، فبعد الاحتلال الفرنسي في عام 1925 كانت تسمى ناحية ديرونا آغي واستمرت ناحية حتى أربعينيات القرن الماضي كما ذكرها الاستاذ أنيس حنا مديوايه في كتابه عن القامشلي ، كما بُنيت فيها أول مدرسة في منطقة آليان .لكن القول في تحديد أقدم قرية فيها ضرب من المغامرة التأريخية فتسميات بعضها ربما يوحي بأسماء أقوام ضاربة في عمق التاريخ فمثلاً قرية (عابر) قد يكون نسبة إلى قوم عابر الذي يعود تاريخه إلى مئات السنين قبل الميلاد .
الحالة الاجتماعية :
لا يختلفُ الوضعُ الاجتماعي في آليان عن باقي المناطق الكردية في سوريا أو كردستان عموما ، فالصبغة العشائرية تطغى على العلاقات في كثير من مناحي الحياة الخاصة والعامة ، فالعاداتُ والتقاليدُ ما زالت إلى حد ما يتمسك بها الناس في آليان بإجابياتها وسلبياتها، إلا أنَّ بعضَ هذه العادات انتهت وانقضت نتيجة الوعي الاجتماعي والثقافي، مثل عادة (الخطيفة والمبادلة ) كما أنَّ هناك عادات متأصلة تحولت من حالة اجتماعية إلى ظاهرة اجتماعية مثل عادة العزاء . فعندما يتوفى شخص ما يتوافد الناس إلى منزل العزاء على صورة قوافل غفيرة تستمر إلى ثلاثة أيام على الأقل، والجدير بالذكر أنَّ مسألة الضبط الاجتماعي والرادع الاخلاقي هما الحكم في كثير من الحالات الاجتماعية فتحول دون تدخل القانون في هذه المسائل .ويبدوا عند الاستقراء الاجتماعي أن المجتمع في تلك المنطقة قد بدأ في العقود الأخيرة يتحلل من بعض إيجابياته كعامل التكافل الاجتماعي والرابط الاجتماعي والأسري ربما نتيجة تعدد الاتجاهات السياسية التي زجت المجتمع في خلافاتها الحزبية بشكل أو بآخر .
أهم الأحداث :
بين عامي 1920-1925 حدثت في منطقة آليان وتحديداً في قرية (آلى قوس )حادثة هزت تلك المنطقة برمتها وهي هجوم الكرد الإيزيديين من شنكال على هذه القرية وذلك بسبب خلاف نشأ بين “حاجي أوصمان” و”عبدي آغا” فقد لجأ الأول إلى شنكال وطلب منهم المدد فلبوا ندائه بمائة رجل وواحد ثم غاروا على القرية فخلفت الحادثة ضحايا كثر حتى قيل بلغت ستين رجلاً بين قتيل وجريح. كما قصف قرية (كَندكي طيب )بالمدفعية في العشرينيات من القرن الماضي من قبل الأتراك وتمّ حرقها, فحفرت تلك الحادثة ذكراها في مخيلة الناس في تلك المنطقة.
كذلك في عام 1962 حدثت محرقة (جالكا )الشهيرة وكان عدد الضحايا ما يقارب 50 نفساً معظمهم من النساء والأطفال وقد كتبنا عن هذه الحادثة في تقرير خاص نشر في العدد صفر من هذه الصحيفة. بالإضافة إلى بعض حالات الثأر التي جرت هناك كحادثة (خوشيني، وموس كَورى ) في فترة الثمانينات حيث كانت لها أصداء سلبية على الحالة الاجتماعية في تلك الفترة.
الوضع الاقتصادي :
تمتلكُ هذه المنطقة مساحاتٍ شاسعة تقدر بآلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية الخصبة ، حيث يزرع فيها الحبوب بأنواعها المختلفة (القمح، الشعير، العدس والحمص) و ايضاً زراعة القطن التي اشتهرت منذ التسعينيات إلى جانب زراعة بعض التوابل مثل الكزبرة والكمون وحبّة البركة والتي باتت تزرع بكثافة في تلك المنطقة وغيرها من المحاصيل الزراعية .
ومن أقدم أنواع القمح التي كانت تزرع (خمرك ،صورك، روتك ، قوقو، القمح الايطالي، والقمح الفرعوني ) وكانت هناك محاصيل أخرى تزرع سابقا مثل الذرة والرز والسمسم .فكانت هذه المحاصيل تزرع في وقت كانت الأمطار تهطل بنسب كبيرة فتؤدي إلى تشكل الينابيع والأنهار مما كان يستفيد الفلاح من ري أرضه بشق السواقي إليها لكن بسبب تتالي سنوات الجفاف في مراحل معينة جفت معظم هذه الينابيع والأنهار إلا القليل منها ،ومن أهم هذه الأنهار ،نهر الجراح الذي شكل سد (مزكفت ) ونهر ماشوق الذي شكل سدها ،ونهر عرب شاه الذي كان ينبع من قرية (عتبة ،علي بدران ،خوشيني )ونهر جل آغا الذي شكل سدها أيضاً ، وكذلك نهر كَري ديرا .
أما الثروة الحيوانية فتنحصر في تربية المواشي كالأغنام وأعدادٍ قليلة من الماعز والأبقار، ويُقال بأنّه كانت هناك أنواعاً من الحيوانات البرية في ما مضى مثل الغزلان والخنازير والضباع ، وهنالك إلى الآن أعدادٌ قليلة من الذئاب والثعالب والأرانب إلى جانب أنواع من الطيور كالحِجل ،كما أن في آليان خمسة حقول للنفط وهي (سعيدة، آلى قوس، عليان،معشوق، باباسي) .
العمران في آليان :
إن المادة الأساسية في البناء منذ القديم في تلك المنطقة هي الطين (اللبن )فكانت السبب في اندثار الكثير من آثار البيوت والقرى القديمة لعدم مقاومتها للتقلبات الجوية والمناخية وما يزال اللبن المادة الرئيسية في البناء فمنها تتشكل معظم بيوت المنطقة وفي السنوات الأخيرة قل الاهتمام بها على حساب مادة الاسمنت حتى باتت لا تخلوا منها قرية من قرى المنطقة والجدير بالذكر أن بعض القرى تتميز بالتنظيم من حيث شوارعها وبعض الساحات الصغيرة فيها وذلك بعد إنشاء بعض البلديات في التسعينيات لكن عمل هذه البلديات يقتصر في القرى الموجودة فيها مع العلم أن كل بلدية تتبعها مجموعة من القرى المحيطة بها وعددها ثمان بلديات فقط تتوزع في آليان كلها .
الوضع السياسي :
تُعتبر آليان من أهم المناطق بالنسبة للحركة الكردية عموماً ، لأنَّ غالبية السكان في قراها ترتبط تنظيمياً بالأحزاب والحركات الكردية منذ نشأتها وإلى الآن. فبعض القرى قد احتضنت مؤتمرات واجتماعات كانت لا تجرؤ على عقدها كثير من مناطق وقرى الجزيرة إبّان النظام البعثي مثل قرى ( خراب رش، باباسي ، كيشك، كَفري دنا … ) .
كما عانى بعض رجالها السجن والتعذيب على يد الحكومة السورية وذلك لاحتضانهم جرحى ثورة البارزاني وإيوائهم مثل (عبدي ياسين وفرحوفرحو)، وفي المقابل كانت هناك عوائل تربطهم بالحكومة السورية علاقات مبنية على المصالح والعمل المخابراتي مما كانت تعود بنتائج سلبية على المنطقة بشكل عام .
تحقيق: حمزة همكي