– سُمي السّوق باسم بحري الدلال نسبةً إلى قِدم الحاج بحري في هذا السوق.
– سوق العَرَصَة كان عِبارة عن بسطات صغيرة متناثرة حول هذا المجمع تحمل ما لذَّ وطاب من الفواكه والخضروات والأجبان.
تشتهر المدن الصغيرة عادة بأسواقها الشعبيّة, هذه الأسواق التي شكّلت عبر الأزمنة مراكز إشعاع اقتصاديّ, لما كانت تشهده تلك المساحات المكانية الصغيرة من عمليات البيع والشراء والوجهة التي يقصدها الناس للحصول على حاجياتهم من البضائع.
وفي سرد لصفحات ذاكرة مدنية قامشلو الجميلة التي تحمل بين طيّاتها ثقافة خليطه السكاني المنوّع الذي قطن المدينة مذ تأسست عام 1926م, هذه الثقافة التي تشهد على حقبة زمنية ماضية, لكن أسواقها القائمة إلى اليوم لازالت تخبرنا عنها, فيصرّ الماضي على الحضور بعفويته وبساطته وزهوٍ يستعصي على النفس مقاومته.
سؤال بات يطرق باب الذاكرة بإلحاح كلما ذكر أحدهم عبارات من قبيل ” قصدت سوق بحري الدلال, مررت بسوق الأتراك, وجئت من سوق العرصة( العبَّارة)” باحثاً عن إجابة تعلل سبب تسمية تلك الأسواق بأسماء أشخاص كانوا يعملون فيها كما هو الحال في سوق بحري الدلال, أو سميت باسم التجار الذين كانوا يترددون على هذا السوق بقصد بيع بضائعهم كما هو الحال في سوق الأتراك…
هذه الأسواق الثلاثة والتي تحتل مساحة مكانية، مشكلة في توزيعها مستطيلا يتوسط المدنية, كانت في فيما مضى من الزمن عبارة عن بسطات متناثرة حول العبَّارة التي بناها الفرنسيون في ثلاثينات القرن الماضي أثناء انتدابهم لسوريا, يفرد عليه الباعة بضائعهم ومنتوجاتهم لتتحول اليوم – ونتيجة البناء العمراني – إلى مجموعة دكاكين صغيرة متلاصقة تتناثر البضائع على أبوابها.
سوق العَرَصَة أو سوق الهال القديم …
شكّلت النقطة المركزية لأسواق المدينة, حيث كان عِبارة عن بسطات صغيرة متناثرة حول هذا المجمع تحمل ما لذَّ وطاب من الفواكه والخضروات والأجبان والألبان, لتتحول تلك البسطات الصغيرة والمتناثرة بشكلٍ عشوائيّ مع زحف الحداثة العمرانيّة إلى محال للمواد الغذائيّة ومطاعم صغيرة تقدم وجبات الإفطار الشهية من القشطة والعسل الطبيعي.
عماد نديم حسن – صاحب مطعم النسيم للقشطة والعسل:
أعمل في هذه المهنة منذ ثمانية عشر عاماً, نقدم وجبات الافطار الصباحي؛ من العسل والقشطة والمامونية والزيتون واللبنة, أخذت هذه المهنة من السيد” نسيم قرجلي” مذ كان السوق عبارة عن بسطات صغيرة حيث لم تكن على هذه الشاكلة البنائية إلا بعد أن قامت بلدية المدينة ببنائه وترميمه في الثمانينات.
أغلبية هذه المحال كانت محال للخضار والفواكه والقشطة ” گيمر” لتتحول اليوم إلى مطاعم صغيرة تقدم وجبات العسل والقشطة وهي لازالت قائمة إلى هذا الحين ” مطعم النسيم, مطعم أبو أمير, مطعم اسحاق, ومطعم ابن هلوش ”
ماجد نوري محمد – صاحب مطعم العسل والقشطة:
هذا السوق قديم جداً، تحوّل مع مرور الزمن إلى محالّ للمواد الغذائية بأصنافها المتنوعة ولكن نسبة كبيرة منها تحولت إلى مطاعم “الإفطار الصباحيّ” يسمى هذا السوق بسوق” العَرَصَة” أو” سوق الهال القديم” ولازال الناس يتداولون هذه التسمية.
يتوسط هذا المجمع مقهى صغير يسمى ” مقهى النصر” هذا القاطن ُ القديم الذي لازالت جدرانه ومقاعده الصغيرة شاهدةً على قصص ومشاحنات الشباب والمسنين من أهل المدينة الذين كانوا يقصدونه للعب النرد والشدة والطاولة, لازال هذا القاطن على حاله ولازال الناس يقصدونه رغم وجود المقاهي الكبيرة في المدينة, ليعقدوا على مدخله الصغير تلك الجلسات الحميميّة.
سوق بحري الدلّال:
من هو بحري الدلال؟ وماذا كانت طبيعة عمله؟ ولماذا أطلق الناس هذا الاسم على السوق؟
للإجابة على هذه الاسئلة ما كان منا إلا أن نقصد السيد رمضان حاج بحري وهو ابن دلال مدينة قامشلو ويعتبر أحد أقدم العاملين في هذا السوق, حيث كان يقصده الناس عندما كانوا يفقدون حاجياتهم وكان سبيل التائهين في المدينة ليرشدهم إلى مقصدهم وكان أيضاً مقصد من يحتاج المساعدة في البحث عن مفقوداتهم .
السيد رمضان حاج بحري- دلّال المدينة:
الوالد كان يعمل في هذا السوق منذ عام 1935م وأخذت عنه هذه المهنة, أعمل في هذا السوق منذ عام 1975, يمكنني القول بأنه ما يقرب الخمسين عاماً، كان هذا الشارع مكتظّاً ببائعي اللبن والخبز يلفون المجمع التجاري الذي بناه الفرنسيون أثناء حقبة الانتداب, فيقصده الناس لاقتناء حاجتهم من خبز (التنور) والألبان والمنتوجات الريفية في الفترتين الصباحية والمسائية.
وعن تسمية السوق أجمع العم رمضان مع العم عيسى الخطيب الذي يعمل في هذا السوق منذ 40 عاماً في تصليح الأدوات الكهربائية وبيع بعض الأدوات القديمة والخردة, بأن هذا السوق سُمي باسم بحري الدلال نسبةً إلى قِدم الحاج بحري في هذا السوق، ولأنه كان دلال المدينة ويقصده جميع سكان المدينة.
أما عن سوق الأتراك:
الحاج عبد الباقي مصطفى – صاحب متجر:
أكّد بأنَّ عمر سوق الأتراك لا يزيد عن 35 عاماً هذا الشارع الذي يُسمى اليوم بسوق الأتراك وهو قديم البناء, حيث كان يتردد عليه التجّار الأتراك بغية عرض بضائعهم والتي كانت تتمثل في أغطية النوم الصوفية والأدوات الكهربائية ومادة التبغ التي كان الاتجار بها ممنوعاً سابقاً من قِبل الدولة خلاف الواقع الذي نجده عليه اليوم, وتحوّل هذا الشارع مع مرور الوقت إلى سوق مصغّر، حيث تنثر البضائع التركية على أبواب محالها.
كما أجمع كل من إبراهيم حاج حسن و مراد محو ” صاحب متجر” على أنه سمّي هذا السوق بسوق الاتراك نسبةً إلى ما كان يباع فيها من البضائع التركية، فمدينة قامشلو تعتبر منطقة حدودية ومتاخمة لمدينة نصيبين وهذا ما أدى إلى تنشيط العلاقات التجارية بين هاتين المدينتين وأغلب البضائع التي كانت تباع في هذا السوق لم تكن مواد تموينية بل اقتصرت على الأدوات الكهربائيّة والمنزلية ذو الصناعة التركية, وهذه المحال كاملة كانت عبارة عن بسطات صغيرة وبسيطة.
وتبقى هذه الأسوق الشعبية بدكاكينها القديمة والصغيرة مكاناً نابضاً بالحياة, يتزاحم فيه الناس للاستمتاع بالتسوّق من بضائعه المتنوعة, وهي محافظة على خصوصيّتها وطابعها الشَّعبي الذي يميزها ويخصُّها دون سواها من أسواق هذه المدينة العريقة التي تحتضن ثقافة وتاريخاً عريقاً.
تحقـــيق: فنــصة تمـــو