المكاتب العقارية في سورية: نصب واستغلال وعمولات باهظة

زاد عدد المكاتب العقارية في المناطق السورية التي حافظت على استقرارها في السنتين الأخيرتين بطريقة لا سابق لها، حتى قيل إنه بات لكل شقتين فارغتين مكتب عقاري على الأقل!
إنها مهنة اللقمة السائغة التي تعترف بالسمسرة والعمولات وتضرب بالنخوة والإنسانية عرض الحائط، تكاثرت كالفطر لأن القوانين في حالة احتضار وليس هناك من يحاسب على التراخيص أو أذونات العمل. فتحوّلت إلى وسيلة ابتزاز واستغلال وكسب غير مشروع لشعب أنهكته الحرب. هي لا تحتاج إلى شهادات أو خبرات بقدر ما تحتاج إلى لسان معسول وعلاقات واسعة، وما يزيد من فرص نجاحها حاجة الناس الماسة للحصول على مسكن آمن في ظل حالة الفوضى التي تحوّل المساكن الوضيعة إلى أماكن وثيرة يدفع المحتاجون مبالغ طائلة ليحصلوا عليها.
يقول أ. نوار وهو محامٍ يتولّى قضايا تتعلق بعقارات متنازع عليها: «يفرض الدلالون (السماسرة) في مثل هذه الأوضاع عمولات مرتفعة تفوق طاقة المستأجرين على توفيرها، مستغلين حالة الفوضى السكنية العارمة التي تجتاح المناطق المستقرة. وهناك عشرات العائلات تحرمها كلفة المأجور من شراء حاجاتها الإنسانية الأخرى».
وتكشف سيدة أن عائلتها تدفع نحو 40 ألف ليرة بدل إيجار شهري للشقة المفروشة التي تسكنها. ولم يسمح لهم صاحب مكتب السمسرة بالانتقال إلى الشقة إلا بعد أن نقدتّه مبلغاً مماثلاً كعمولة.
كما تؤكّد سيدة أخرى أن الدلال الذي أجّرها المسكن الذي تقيم فيه أصر على أن تدفع له سعراً «سياحياً» لكيلو واط الكهرباء وهو خمس ليرات على رغم أن سعره الرسمي لا يتجاوز قروشاً عدة. وقد وجدت نفسها مجبرة على الرضوخ لهذا الاستغلال كيلا تعرّض نفسها للطرد أو «البهدلة». فالجميع يعرف أن معظم أصحاب المكاتب العقارية يرتبطون بعلاقات طيبة للغاية مع الجهات الأمنية.
احتيال مزدوج
يستغل العاملون في هذه المهنة الأوضاع أيما استغلال، فهناك آلاف العائلات التي فضّلت مغادرة المدن والعودة إلى الأرياف المستقرة أمنياً، وبعد أن تحولت هذه المدن إلى أماكن مزدحمة. وعهد معظمهم بالمنازل التي يملكونها إلى أصحاب المكاتب العقارية كي يشرفوا على عملية تأجيرها وإخلائها، وهو ما أطلق أيدي السماسرة فيها فقاموا بعمليات احتيال واسعة بحق المؤجر والمستأجر في بعض الأحيان.
يقول مؤنس وهو صاحب منزل تركه بعهدة مكتب عقاري، أنه فوجئ باتصال من أحد الجيران يعلمه أن منزله أقفل بالشمع الأحمر وأن هناك تبليغاً قضائياً إلصق على باب الشقة يطالبه بحضور جلسات محاكمة. ويضيف: «عندما وصلت إلى دمشق صعقت عندما علمت من الجيران بأن منزلي تحول إلى ما يشبه الماخور، وإن الدلاّل الذي كنت كلّفته برعاية المنزل متوارٍ عن الأنظار. ولم أتمكن من التخلّص من تبعات هذه القضية إلا بعد أن دخلت في متاهة قضائية استمرت أكثر من عام وكلفتني مبالغ طائلة».
كلهم سماسرة
يقول عدنان الذي اضطر للبحث عن شقة جديدة بعد قدوم عائلة زوجته للمكوث معهم: «خلال رحلة البحث عن مسكن جديد التقيت عشرات الأشخاص الذين عرضوا علي منازل للإيجار. كثر منهم لم يكونوا سماسرة في مكاتب عقارية، لكنهم لم يترددوا في طلب عمولة لقاء هذه الخدمة. وفي النهاية اصطحبني بقال لرؤية شقة أكبر من التي كنت أقطنها، وأعجبتني، لكنه طالبني بعمولة كبيرة متذرّعاً بأن الشقة الجديدة تابعة لمكتب عقاري وأنه لن يُسمح لي بإشغالها إلا بعد دفع العمولة لصاحب المكتب. فدفعت وأدركت متأخراً أن الجشع لم يعد مقتصراً على أصحاب المكاتب العقارية وحدهم، فهناك كثيرون يسعون وراء العمولات».
وعموماً، لم تنتقل هذه المهنة في سورية من قبل إلى مصاف العمل المؤسساتي المنظّم كشركات الوساطة التي ظهرت في بقية البلدان، بل بقيت في يد شريحة من الناس غالبيتها من المتقاعدين كالموظفين أو الضباط السابقين او تجار البناء المفلسين، أو من يستسهلون هذه المهنة التي لا تتطلب أكثر من مكتب صغير وعدد من الكراسي وطاولة للنرد، يمضي بها السماسرة أوقاتهم بانتظار قدوم الزبون الجديد، الضحية الجديدة.

الحياة اللندنيّة