تابع
إذاً تخشى الجالية العربية والمسلمة ردود أفعال المتطرفين في البلاد، الذين قد يحاولون الانتقام.
تقول نادية، التي تقيم في ألمانيا منذ سنوات: “بعد الهجمات الإرهابية في باريس، صرت أشعر بخوف كبير، وخصوصاً أنني أرتدي الحجاب”. ترى أن الهجوم “ينافي القيم الإنسانية ومبادئ الإسلام، كما أن مرتكبي هذه الجرائم لا يمتّون إلى الإسلام بصلة”.
أما محمد، وهو طالب مغربي يدرس في جامعة مدينة بون، فيصف ما حدث “بالمؤسف جداً والمقلق في آن”. يقول إنه “يتفهم ردود أفعال الألمان الأوليّة حيال المسلمين”. في الوقت نفسه، يأمل أن “يتصرف المجتمع الألماني بعقلانية ويُفرّق بين مسلم مسالم وإرهابي يريد الخراب وإثارة الفوضى”. من جهتها، ترى سارة، وهي لبنانية تحمل الجنسية الألمانية، أنه “يجب علينا كمسلمين مقيمين في ألمانيا أن نُظهر تعاطفنا وحُسن النيّة تجاه المجتمع الذي نعيش فيه”.
لدى عارف، وهو سوري لجأ إلى ألمانيا هرباً من الحرب في بلاده، مخاوف كبيرة. يقول: “لا أريد العودة إلى سورية والموت تحت الأنقاض”. جلّ ما يتمناه ألا تعيده الدولة إلى بلاده “بحجة حماية المجتمع من الإرهاب”. يخشى أيضاً أن يتعرض للاضطهاد كونه مسلماً. “أريد أن أعيش بأمان وسأحترم قوانين الدولة التي استقبلتني”.
يتمنى العرب ألا يستسهل الألمان التعميم، واعتبار جميع العرب أو المسلمين إرهابيين. في هذا السياق، يقول سليم الذي يعمل مهندساً في شركة ألمانية إن “الجالية العربية والإسلامية ستدفع ثمناً باهظاً بسبب تصرفات قلة متطرفة هي في الحقيقة لا تخدم الإسلام والمسلمين”. يضيف أنه سيتابع حياته بشكل طبيعي لأنّه لا يقوم بأية مخالفة للقوانين. لن يحول حياته إلى جحيم لأنه مسلم.
من جهتها، تقول إيمان وهي أم لثلاثة أطفال، إنها تشعر بالقلق بسبب ارتفاع معدّل الخوف من الإسلام لدى بعض الألمان. تتمنى ألا تجبر في المستقبل على مغادرة البلاد.
في المقابل، يرفض هانس، وهو ألماني، التعميم. يقول إن “كل عمل إرهابي هو إرهاب ضد الإنسان بغض النظر عن انتمائه الديني. لا أعتقد أن أي دين قد يدعو إلى قتل الأبرياء”. بعكسه، يرى رالف أنه “يجب على المسلمين العودة إلى بلادهم وممارسة شعائرهم الدينية هناك”.
تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الألمانية لم تتخذ أية إجراءات ضد المسلمين المقيمين على أراضيها. وسعياً إلى تبديد مخاوفهم، أشادت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالعلاقة التي تقيمها ألمانيا مع المسلمين المقيمين على أراضيها. كذلك، حذر وزير الداخلية، توماس دي ميزيير، من الشك في المسلمين بشكل عام، معتبراً أن “هذه الهجمات الإرهابية ليست لها علاقة بالإسلام، وهي موجهة ضد المجتمع ككل”.
وعلى الرغم من هذه التطمينات، ما زال الخوف يسكن قلوب العرب، وخصوصاً أنه يتوقع أن يزداد أعداد المناصرين لحركة “بيغيدا” المعادية للإسلام، علماً بأنها دعت إلى تظاهرة كبيرة للتضامن مع ضحايا الهجوم على صحيفة “شارلي إيبدو”.
في المقابل، دعت جمعيات إسلامية عدة إلى تظاهرات في العاصمة برلين وغيرها من المدن، تعبيراً عن رفضها للإرهاب، وتعاطفها مع الضحايا الذين سقطوا نتيجة هذا الهجوم المأساوي، بالإضافة إلى التأكيد على التعايش السلمي.
ويتمنى بعض العرب لو أن بلادهم توفر لهم سبل العيش والأمان ليعودوا إليها، وخصوصاً أنهم يجهلون ماذا يخبئ لهم المستقبل، على الأقلّ وصمة الإرهاب التي تلاحقهم، أو نظرات الريبة من قبل الألمان.
تجدر الإشارة إلى أنه بحسب دراسة أجرتها مؤسسة “برتلسمان” الألمانية قبل هجوم “شارلي إيبدو”، فإنّ 61 في المائة من غير المسلمين في المجتمع الألماني يرون أن الإسلام لا يتناسب مع المجتمع الغربي. واعتبرت فئة كبيرة من هؤلاء أنه يشكل مصدراً للتهديد.
ربما لم يعد بالإمكان توقع كيف سيكون مستقبل الجاليات العربية في ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، وخصوصاً بعد هذا الهجوم. أكثر من ذلك، يُدرك العرب أن حياتهم لن تعود كما كانت، وسيكون عليهم دائماً إثبات العكس ليبددوا خوف الألمان منهم.
العربي الجديد