شكراً للثورة لأنها كشفت حقيقة صاحبي بهلوان.. (*)

شكراً للثورة لأنها كشفت حقيقة صاحبي بهلوان.. (*)

بقلم: م. رشيد

بداية أكنّ الاحترام والتقدير لكل قلم صادق وجادّ وشريف، ولكلّ فكر مخلص ومهذب، ولكل نشاط هادف ونزيه، ولكل نتاج سليم ومفيد على طريق النضال من أجل نصرة قضايا شعبنا الكوردي القومية والوطنية العادلة والمشروعة.
في مقالتي هذه لا أقصد شخصاً بعينه، ولا أبغي الإساءة لأحد، إنما أسلط الضوء على حالة مستشرية في بعض الأوساط ومؤثرة إلى حد ما في شكلها وصورتها على أقل تقدير، فقد تكون مَرَضية أو طبيعية، ولكن تبقى مثار جدل واستفهام، ومدخل الموضوع هو:
1- عندما طلب أحد الشارين من محل أشرطة الكاسيت شريطاً مسجلاً لأحد المطربين، سأله البائع مستهزئاً: أي ّ شريط تريده؟ الصباحيّ أم المسائيّ؟ (يقصد غزارة الانتاج وابتذال المضمون لحناً ونصاً وأداءً وجدوىً).
2- وعندما سُئل المرحوم (الشاعر) سيداي (…)،كيف تكون جاهزاً لإلقاء القصائد في المناسبات الطارئة والمفاجئة وبهذه العجالة؟ فجاوب: هي نفس القصيدة، إنما أغيّر الأسماء فيها، وإن دعت الحاجة والضرورة أغيّر الشطرين الأول والأخير من القصيدة.
3- سُئل أحد المطربين العريقين من آل كني، كيف حالك؟ أجابه: الحمد لله أنا فرح وسعيد لأن الناس يُرزقون بأخ أو ابن كل سنة، أما أنا ففي كل يوم بواحد أو أكثر. (يقصد ازدياد عدد الممتهنين للعزف والغناء وإحياء الحفلات من غير المختصين والمحترفين وبصورة غير منطقية وبدون ضوابط.. موضة تلك الفترة، ولكنه لم يدرِ أن التحولات الكمية تؤدي إلى التحولات النوعية!).
4- سأل قارئ فضولي أحد الكتاب المعروفين، متى أصبح فلان كاتباً ومثقفاً؟! أجابه الكاتب: ما حدا أحسن من حدا، فليس هناك اختبار أو رقابة، والأمر لا يحتاج لشهادة أو رخصة، إنما لقليل من الحنكة والشطارة الفردية، ودعم وتقديم من إحدى الجهات الوصائية والاعتبارية، وانضمام لإحدى المجموعات (ﮔروبات)، واقتناء لخط انترنت بالمشاركة أو الإعارة أو..، وجهاز كمبيوتر.إلخ.
5- كان على طريق بيتنا محلٌ لبيع الزهور ومستلزمات الأعراس، لفتت نظري ذات مرة لوحة ضخمة ملونة ومزينة بقلبين متداخلين يرمزان للعروسين، ويحيط بهما عدة جمل مخططة باللغة الكردية مليئة بالأخطاء النحوية والإملائية، فطلبت منه تصحيحها، لأنها تعلق في صالة يشاهدها كل الأعمار وخاصة الأطفال والمبتدئين (وهذا خطر جسيم)، ثم سألت عن الكاتب، فقال: إنه يؤلف قاموساً كردياً، ويعلّم الشباب اللغة في دورات خاصة، ويمنح المشاركين شهادات بذلك، فقلت: يا للهول.. يا للمصيبة (!!) من هو هذا اللغويّ الذي لم نسمع به بعد؟ وِلمَ لا نتعرف عليه فنستفيد من عبقريته ونبوغه؟!، ثم متى أصبح مرجعية ومؤسّسة اعتبارية؟.
6- يصف الأستاذ بافي نازي الشويعر – عنوان قصته وموضوعها – الذي كان يقتطف أجزاء من ديوان شعر يعود لشخص آخر كان قد اقتناه بطريقة غير مشروعة، ويدّعي أنه صاحبه إلى أن انتهى به المطاف بنفاذ مكونات الديوان وافتضاح أمره.
7- أدركُ تماماً أن لكل قاعدة شواذ، وأن لكل مهنة متاعب خاصة بها، وأن لكل حالة صحية وسليمة فيروسات وجراثيم تُحدث الاضطراب والخلل في منظوماتها وأجهزتها، وأدركُ مخاطر هكذا موضوع لأنه سيُفهَم خطأ من لدن العديد ذوي الحساسية…

والموضوع وما فيه هو أن صاحبي بهلوان فشل في بيته أو حزبه أو عشيرته أو وظيفته أو ثروته ليصبح مشهوراً ومقبولاً اجتماعياً ويكون صاحب رأي وموقع (أو ليكون عضواً في المؤتمر الوطني المرتقب) أسوة بزملائه وأقرانه، فسلك طريق الموضة لأنه الأقصر والأسلم والأرخص(وربما لأسباب وأجندات أخرى غير معلنة وقد يكون جمع المال والثراء أهم مقاصده)، وقد نجح حتى الآن في مشروعيه (الاستراتيجي والتكتيكي) دون أن يدفع ضريبة ذلك من العناء والعذاب والخسارة (كما أعلم)، يبدو أنه يتقن قواعد اللعبة ويؤدي أدواره بشكل تام ودقيق، فها هو اليوم يحمل قائمة من الألقاب: كاتب وباحث – في كل المجالات- وأديب ومثقف ومستقل وشخصية وطنية، إضافة لكونه ناشط حقوقيّ ومن دعاة المجتـمع المدني (بتاع كلو)، له علاقات واتصالات مع الجاليات الكوردية في المهجر والشتات (شي خَيْلي)، يجيد التمثيل والخطابة، فما أفصحه حينما يعتلي منصةً وهو يحمل ميكروفوناً يلقي شعراً، أو يبدي رأياً، أو يلقي خطاباً، أو ينعي شهيداً، أو يتلو بياناً كتبه ووقعه من أقرانه (ويصدق نفسه بأنه كذلك)… فهو من المدعوين دائماً للمناسبات والندوات والحفلات.. يجلس في الصف الأول، هذا إذا لم يكن هو ذاته عريفاً للحفل أو عضواً في لجنة الإشراف والإعداد حسب نوعية المناسبة, كيفما تلمسه يرنّ (سبحان الله)، سريع التكيّف والتفاعل مع الأوساط التي يخترقها – فهذه موهبة ومنحة ربانية يستفرد بها – حيث يتغير لونه تلقائياً دون أن يخلق تكلفة أو إزعاجاً لأحد، فبعض التلفزيونات الكردية تجري مقابلات معه، وبعض المواقع الالكترونية الكردية تزين صدور صفحاتها الرئيسية بلقطات صوره الفنيّة المعبّرة، فابتسامته عريضة عندما يكتب عن حلبجة الشهيدة، وسيجارته تدخن أسوداً عندما يشارك في ندوة أو لقاء، وكثّ شعره غير الممشط، وسكسوكته أو لحيته (سر تميّزه وعنوان شاعريته) تحتاج للّمس والمداعبة عندما ينظّر ويحاضر ويفكّر…
يتميز صاحبي بهلوان عن سواه بانتمائه إلى أكثر من كروب ثقافي أو سياسي أو أعلامي…، يحتمي بها وينطق باسمها ويحمل جواز سفرها كشخصية اعتبارية معتمدة لدى الجهات الشعبية والرسمية الكوردية لحضور مناسباتها واحتفالاتها الخاصة والعامة.
مازال صاحبي بهلوان يفتش عن نفسه، فأين ستقوده رحلة التفتيش والبحث هذه؟! وما هو مبتغاه ومنتهاه ؟ّ! (الله أعلم)، أما أنا والكثير من طيّبي القلب يضعون إشارات استفهام بدون جدوى.
صاحبي بهلوان لا تفوته مناسبة – في كل دعكة له كعكة – وهو باللباس الميداني الكامل دائماً وأبداً، ومعه قصيدته وكلمته وتعقيبه, وغيره من المهتمين وأصحاب الشأن لا يدرون بالحدث إلا بعد فواته ونشر وقائعه على صفحات الانترنت والجرائد الحزبية. (ما السر؟!).
عجيبٌ أمره يا أخي !! فهولا يدع حزباً إلا ويتدخل في شأنه وخصوصياته وخلافاته، ولا كاتباً إلا ويرد عليه، ويعتبر تحليلاته وآراءه وأحكامه صائبة وقاطعة، ولكن عندما تشتد الردود عليه وتزداد التعليقات، تراه يتراجع فوراً عن موقفه تماشياً مع التيار(والسوق) فيتبرأ من كتاباته وأقواله أحياناً، ويعتبرها زلة أو هفوة أحياناً أخرى، أو كان يقصد أمراً آخر لكن القراء والسامعين فهموا الموقف خطأ.
يجيد التملّق والرياء للكثير من المشهورين بعائلاتهم أو نضالاتهم أو أموالهم أو أحزابهم… فيكيل لهم المديح والمجاملة والتعظيم ويشاركهم مناسباتهم من خلال الهاتف أو الإيميل أو المواقع الالكتروني.. دون أن يعرفهم شخصياً، أو يلتقيهم سابقاً، أو تربطه بهم أية علاقة، فتراه يستغل المناسبات والتجمعات جيداً، حيث يلتصق بقيادات الأحزاب والجمعيات, ومحرّري الصحف والمجلات والمواقع, وخاصة تحت خيم العزاء (ولغاية في نفس يعقوب ؟!).
يمتلك صاحبي بهلوان الكثير من العناوين البريدية الالكترونية، والعديد من الأسماء المستعارة، يكتب مقالاً باسم ويرد على نفسه باسم آخر، وهكذا تكبر القضية وتطول القصة ويصدقوها أصحاب المواقع والجرائد والقراء المغبونين والمخدوعين، ويبقى هو الفائز والكسبان من العملية الدعائية.
يمتلك صفة التواصل والحضور بحرية في الداخل والخارج بالرغم من حدة لهجته وشدة موقفه تجاه بعض القضايا على عكس أمثاله، الذين يتعرضون للمضايقات والاستجوابات وأحياناً للاعتقال، وإذا تعرض لتلك الحالات فيخرج منها أكثر جرأة وحدّة وحراكاً ( مثل الشعرة من العجين)!؟، فهو محنك من هذه الناحية، فقد كان مناضلاً شرساً لفترة طويلة من الزمن ضمن أحد الأحزاب المحمية من النظام والمحصنة منها(وربما ما يزال عضواً قيادياً فيه)، فكلما ضاق به الحال استشهد بتاريخه الموالي بلا حرج أو حياء، ويصطف مع رتل آخر ضبابي لألا يُسأل ويُحرج ويُكشف سره وتُفضح انتهازيته.
ينسى أو يتناسى صاحبي نفسه وقيمته أحياناً عندما يكون في الخارج ويحسب نفسه عنترة أو هرقل ..، فيصبح قوي النبرة ولاذع النقد وشديد العتاب، ويتهم من في الداخل من السياسيين والمثقفين بالتخاذل والتقصير في أدائهم تجاه القضايا الوطنية والقومية.
يجيد صاحبي النقل والاقتباس والاقتناص…فمن خلال متابعاته الدائمة والمستمرة للأحداث والوقائع وما يكتب ويقال عنها، يجمّع الأفكار وينسقها ثم يصيغها بأسلوبه وينشرها باسمه – فهو يعرف من أين يؤكل الكتف؟! – وزميل آخر له وعلى شاكلته يكتب ويكتب ويكتب – وله اسم وصيت ذائعين – ولكن إذا غربلت جميع مقالاته وكتاباته لا تحصل على فكرة مفيدة ولا غاية رشيدة، ولا يدري قراؤه ماذا ولماذا يكتب (كلها ألغاز وفلسفة ورصف كلمات وحكي جرائد؟!) ومع ذلك يرشح لمناصب ومهام.
صاحبي عضو دائم أو مراقب أو ضيف شرف في كثير من المنتديات والروابط والجمعيات بمختلف مشاربها واتجاهاتها محلياً وكردستانياً وخارجياً، وتهدى له العديد من منشورات الأفراد والأحزاب، الأدبية منها والسياسية كونه أديب وسياسي مهتم ومتابع.
وصاحبي هذا ليس فريداً من نوعه، ولا وحيداً في شأنه وهيئته، ولكنه أنموذج مألوف ومتكرر في أشكال وقوالب أخرى، فقد يكون وجود هؤلاء حاجة أو ضرورة لعدم وجود البديل وضعف الأصيل، أو أنّ الظروف والأوضاع الراهنة – الذاتية والموضوعية – غير الصحيحة وغير السليمة التي نعيشها من سياسية وإعلامية وثقافية وحقوقية, هي التي تبرر حضورهم، أو ربما بسبب غياب المرجعيات التشريعية والمؤسسات الرقابية والمنظمات التخصصية وذات العلاقة, تصبح الساحة خالية لهؤلاء يسرحون ويمرحون، أو ربما عدم تحصين تلك المرجعيات (إن وجدت) بضوابط وقواعد، تجعل نوافذها معرضة للاختراق من قبل فيروسات مصطنعة ومدرّبة تهدف إلى إتلاف الملفات والمجمّعات بأشكالها وأنواعها، وتعمل بشكل مخطط ومدروس لتسطيح المسائل وتمييع القضايا وتزييف الحقائق وتخريب الأسس وتشتيت الصفوف, وبالتالي تحريف المسار وإضاعة الهدف لصالح جهات لا تريد الخير والأمن والسلام لشعبنا.
ولم ينس صاحبي أن أيام الغربلة والفرز آتية لا ريب فيها (وإن سقط أو طفى أو غمر) لأنه قادر على تغيير لونه وشكله وطعمه ورائحته، ويخرج كالشعرة من العجين، ولكني أذكره بحكم وأمثال لعله يستفيق ويهتدي: “حبل الكذب والخداع قصير، ولا تسلم الجرة في كل مرة، وإن كنت ريحاً فهناك إعصار، كما أن الأيام والشهور والسنين ومعها التقنيات الحديثة الدقيقة كفيلة وقادرة على كشف المضمر من النوايا والظاهر من الأقوال والأفعال إن كانت كاذبة أو صادقة أو منتجة أو مصطنعة أو خاوية أو مليئة.

(*)تنويه: كتبتُ هذا المقال بعنوان (بهلوان.. كُويتب الموضة والمغالطات والمناسبات) بتاريخ 12/02/2010 ولم أنشرهُ في حينه، والآن وقد ظهرت بعد الغربلة الموعودة (وقد صدق حدسي) أسماء تُجسّد صفات الانتهازي بهلوان بل أكثر منه وضوحاً وعمقاً وبلاغة وتبلوراً، وطفت وتميزت بفعل الظروف (شكراً للمرحلة) التي أوجدتها الأحداث والأوضاع الراهنة، آثرتُ نشرها لتسليط الضوء على هؤلاء ليس إلا.