قصة وطن

قمْ يا أستاذ :  لقد وصلت قالها سائق الميكرو
رفعت رأسي متحدقاً بالرجلِ   .. نعم
السائق : لقد وصلت تفضل
* لأي جيش وأي جهة وصلنا
السائق :وصلنا للبلد
* أه الحمد لله  فكرت قد وصلنا لحاجز آخر يريد منا النزول والبطاقات الشخصية , ووقتها تنفست السعداء وأدركت أنني وصلت لبيتي بسلام وسوف يراني أطفالي وأحبتي , بعدما كنت قد قطعت الأمل بالوصول  فما أن خرج الميكروباص من الكراج حتى أوقفنا حاجز مرفوع عليه صورة الأسد ومخطوط تحتها ” الأسد أو نحرق البلد ” فأصابني الهلع , لأنني كنت قد  خرجت في مظاهرات تنادي بإسقاط الأسـد , وبعد أخد الهوايا الشخصية ونظرات بعض الملثمين إليها أعادوها فكان الموقف كخروج غزالة من فكي الأسد , ثم سار الميكرو  بضع كيلومترات  فنظرت جانباً لأقرأ عبارات تمجد أحرار الشام و أخرى بجانبها  تدعو لجبهة النصرة  وأرمة مكتوبة عليها توينة  ,
وبعدها ألمحت بيوت جديدة بملامح قديمة هنا وهناك  مكتوبة عليها مغلق – برسم البيع – مهجور وكانت آثار القصف والدمار بارزت في إحداها  , من مر فيها أعاث فيها فساداً
لم اتجاوز مسير عشرين كيلومتراً  حتى تبين لي أن وطني قد أصبح ممزقاً ولايات وألوية وقطاع طرق وشذاذ آفاق من كل صوب وحدب  وخاصة ممن يدعون بـ : حماة الإسلام  , فالإسلام وتعاليمه منهم في واد وهم في واد آخر ” لا تقطعوا شجرة  ولا تقتلوا شيخا كبيراً ولا طفلاً ”  بينما هم يقطعون كل ما يقع تحت نسل سيوفهم وحراب بنادقهم  ,فلم نسمع زقزقة العصافير التي كانت تنتشر فوق الأشجار المحاطة بالسد ولا رائحة الدجاج  من مداجن تلك المنطقة ولا صورة جميلة لتلك الطبيعة  , فكلها أصبحت أنقاض و بعضها تلاشت معالمها  كالشركة البلغارية , تجاوزنا سد تشرين في شهر تشرين ولم نراه يسد خلفه سوى حجارة سوداء  إذ لا مياه و لا شباك صيادي السمك .
وأحياناً كانت السماء تتدخل بإخافتنا “أصوات الرعد والبرق “, وبعد مسيرٍ قصير استوقفنا حاجز آخر ولكنهم في هذه المرة كانوا على شاكلتنا يتكلمون مثلنا ,  راياتهم  مزركشة بألوان قوس قزح ( الأخضر , الأحمر , الأصفر )  يعلو الحاجز سلاح الدوشكا  وآخر قابض على زند بندقيته لا يهاب البرد , أدركت أنه حاجز القوات الكردية  ومعهم تلاشى  رويداً رويداً خوفي إذ متجاوز سن قانون الدفاع الذاتي أنا , فبدأ عيناي ينتابهم الغفوة فقد طبق عليهم جفوني  ودخلت في أحلام اليقظة الممزوجة بالخوف والفرح خوف على الوطن وتمزقه , والفرح بقدوم وطن ينعم فيه الإنسان بحريته وكرامته  , وطن يكون للكردي فيه لما لغيره من حقوق وواجبات وبينما تتناقل أفكاري بين هذه وتلك فإذا بسائق السيارة يقول : يا أستاذ قم لقد وصلت

 
قصة قصيرة/عمران فرمان