زور آفا بين الأمس واليوم

– نسبة من العوائل الكردية التي بقيت في الحي تطوعت في هذه الكتائب إما خوفاً من بطش النظام أو ذريعة للحفاظ على ممتلكاتهم وأرزاقهم  

– من بقي في حي  زورآفا اليوم وحسب إحصاءات  ما بين 20 إلى 25 بالمئة من عدد السكان

– تعرضت بعض هذه البيوت إلى حالات بيع من قبل المستأجرين لأنها ليست مسجلة بأسماء أصحابها ولا تسجل حسب قانون المخالفات . والمسجل فقط هي “ساعة الكهرباء”
يعتبر هذا الحي العشوائي من حيث البناء التجمع الأكبر للأكراد الذين قطنوا دمشق بعد الهجرة من المدن والقرى في الجغرافيا الكردية في سوريا ، والتي بدأت بشكل رسمي في بداية الثمانينات من القرن الماضي بسبب الفقر والتردي في الحالة المعيشية جراء السياسات المتبعة من قبل الحكومة السورية .
لقد بني الحي عندما كان مشروع دمر في حيز التنفيذ حيث كان الكثير من الكرد يعملون في بناءه ، ومكان الحي  كان عبارة عن جبل يفصله عن مشروع دمر وادٍ صغير على طول المشروع وامتداد الجبل نحو القصر الجمهوري سمي بجبل الرز الذي اتخذه العلويون حياً لهم مع نسبة قليلة من الكرد .
فغالبية الكرد كانوا يسكنون ما بين المشروع وجبل الرز لذا سميت تلك المساحة بوادي المشاريع الغربية والتي سماها الأكراد (زور آفا )
و بناء الحي  لم يستغرق وقتاً طويلاً حتى تشكل في صورته التي هو عليها الآن ،لقد بني على عجل خوفاً من مطرقة عامل البلدية  التي لا تعرف سوى الهدم فكان حاله حال الكثير من أحياء العاصمة دمشق وضواحيها الأمر الذي جعله وجعل باقي ضواحي دمشق بهذه الصورة العشوائية .فعبرت عن هندسة رُسمت خطوطها في جنح الظلام ..
وبعد تنامي الحي مع الزمن بلغت نسبة الأكراد فيه ما يزيد على 95 بالمئة من عدد السكان….
والمهن التي كانوا  يمارسونها تعددت بتعدد الشرائح والفئات العمرية المختلفة فمعظم الرجال كانوا يمتهنون أعمال البناء والاكساء وغلبت على شريحة الشباب العمل في مطاعم دمشق ومقاهيها وانبرى قسم منهم إلى جانب فئة قليلة ممن لم يبلغوا السن القانونية للعمل في الملاهي الليلية . كما انحصر عمل بعض النساء والفتيات في مشاغل الخياطة ومعامل البسكوت وغيرها من المهن الخفيفة .
وفي بدايات الهجرة وعندما كان الحي يبنى في ليله المعتم خوفاً من صيادي البلدية وتهديدات الهدم المستمرة كان الفقر يخيم على معظم المهاجرين لكن كان النشاط في أوجه من جهته والذي أدى في السنوات الأخيرة قبل قيام الثورة إلى ارتفاع ملحوظ في مستوى الدخل والمعيشة ..
لكن هذه الحالة لم تدم طويلا لأن الثورة قد بدأت وبدأت معها الهجرة  المعاكسة نحو الوطن ، رويداً رويداً حتى أُفرغ الحي من الكرد إلى أن وصل إلى حاله في الوقت الراهن فنسبة الأكراد فيه اليوم حسب إحصاءات  من بقي في الحي  ما بين 20 إلى 25 بالمئة من عدد السكان  فالحي صار ملجأً للنازحين من المحافظات الأخرى إلى جانب جلب النظام لكثير من عوائل الجيش وكتائب الدفاع الوطني ..
حتى أن نسبة من العوائل الكوردية الذين لم يغادروا الحي تطوعوا في هذه الكتائب إما خوفاً من بطش النظام أو ذريعة للحفاظ على ممتلكاتهم وأرزاقهم  ..
كل شيء تغير في زور آفا .. حركة الناس وسكناتهم الحالة الاجتماعية والنفسية كل الأشياء صارت نقيضا لقد بات الحي مزيجا مختلفاً ومتنافراً في حالته الاجتماعية ..
فقد استوقفت عدداً من ساكني الحي من الكرد والتقيت بأحد وجهائه  السيد عبدالباقي سعيد وهو من الذين كانوا يقومون بشأن المصالحات على صورة للجان شعبية عرفية كان يوكل إليهم مهام من ذلك القبيل .. وهو من القلة الذين بقوا في الحي ، سألته عن سبب بقائه إلى الآن في منزله مع عائلته ..
فقال : بأنه لا يوجد عنده مبررٌ لترك منزله إلى  الآن وقال عندما يوجد ذلك المبرر فإنه سيهاجر إلى الوطن لأن أسباب الهجرة المنطقية  لم تتحقق بعد بالنسبة للحياة والعيش في الحي وأنتقد الكثيرين ممن لم يكونوا بحاجة إلى الهجرة وتركهم منازلهم بهذه الصورة الفوضوية وقال بأن ضواحي دمشق تعرضت للقصف والتدمير وما زال الناس يتمسكون بأرضهم وممتلكاتهم  مع العلم أن حي زور آفا لم يتعرض لهذه الحالة لكن أهله تركوه دون أي اعتبار على حدّ تعبيره .
ثمّ سألته عن  البيوت المهجورة وحالها فقال إن قسماً منها جعلها أصحابها في عهدة أشخاص معينين لهم صلات مع النظام على أمل أن يحافظوا على بيوتهم وهؤلاء الأشخاص يأجرون تلك البيوت بأسعار مرتفعة فيأخذون القسم الأكبر من رسوم الإيجار ويرسلون الباقي إلى أصحاب البيوت ..
وقسم آخر أغلقوا أبواب منازلهم بما فيها من المتاع والعفش وهذه البيوت معرضة للاقتحام في أي وقت  والقسم الآخر أجروا بيوتهم قبل ذهابهم لأناس لا يعرفونهم وهم النازحون طبعاً ..
ولقد تعرضت بعض هذه البيوت إلى حالات بيع من قبل المستأجرين  لأن البيوت ليست مسجلة بأسماء أصحابها ولا تسجل أصلاً وذلك حسب قانون المخالفات . والمسجل فقط هي “ساعة الكهرباء” ونقل تسجيل الساعة إلى اسم آخر عملية سهلة لا تخضع لرقابة قانونية ..
وذلك ما تأكد لي لاحقاً فالشقة التي كنت أسكن فيها قد بيعت الشقة التي تعلوها بنفس الطريقة …

تحقيق: حمزة همكي