مضى
لائحة طويلة من المشكلات التي تفرض ذاتها على عالم الطفولة في مصر، بعضها مزمن مثل تردّي التعليم وتدهّور الرعاية الصحية، وبعضها الآخر حديث نسبياً آخذ في الزيادة ومستمر في التفاقم، حيث العبء الملقى على الدولة ثقيل، وتحديد الأولويات يدفع بتلك المشكلات إلى ذيل القائمة. قائمة البلاغات التي تلقاها خط نجدة الطفل الشهير في المجلس القومي للطفولة والأمومة خلال العام المنصرم تُلخّص حال فئة عريضة من الأطفال الذين يعانون الأمرَين في صمت وسكوت قاتلين.
آلاف البلاغات تلقاها الخط على مدار العام، لكن بعضها فرض نفسه ليكون إنذاراً بتطورات جلل تضرب المجتمع. جرائم وحشية إرتكبها أطفال في حق أطفال تعكس تعرّض الطفولة برمتها لهزات تعصف بها، وأخرى إرتكبها الأهل إما إقتراقاً أو صمتاً ليضيفوا مشكلة إضافية إلى المأساة الأصلية، وغيرها تفيد بتجذّر الإهمال في دور الرعاية لتتحول من ملاجئ آمنة لأطفال لا أسر لديهم إلى بيئة طاردة تودي بهم إلى عرض الشارع الذي يكون أحياناً أحنّ عليهم من الأهل أو مسؤولي الرعاية.
ولا تخلو اللائحة من عمالة أطفال جائرة مع وسائل مواصلات خطرة، واستغلال جنسي وربحي لأطفال الشوارع، ناهيك عن الاستغلال السياسي، وخطف وضرب وقائمة كبيرة وتشكيلة واسعة من الأجواء التي تجعل حياة الطفل جحيماً.
طفلة في الخامسة تتعرض لمحاولة إغتصاب من بائع خضراوات في الـ15 من عمره. سائق «توك توك» في الـ15 من العمر يغتصب طفلة في العاشرة بوحشية، ويحاول قتلها لعدم إفتضاح أمره. أب يعتدي جنسياً على طفلته البالغة من العمر 12 سنة. وعلى رغم حمل الصغيرة، ترفض الأم الإبلاغ خوفاً من الفضيحة.
أطفال في دور رعاية تعرّضوا لممارسات أدت إلى آثار حرق وكدمات في أنحاء متفرقة من أجسادهم. هروب 13 طفلاً من دار رعاية أخرى إلى الشارع بسبب تعرّضهم للتعذيب المستمر والضرب الوحشي من مشرفي الدار.
وفي بني سويف تسبب حادث بشع تعرّض له عشرات الأطفال في تسليط الضوء على مأساة حقيقية مسكوت عنها منذ سنوات. فأثناء توجّه الأطفال من بيوتهم إلى النوبارية حيث يعملون في جني البازلاء والبطاطا، تعرّضوا لحادث سير نجم عنه وفاة خمسة منهم وجرح عشرات. وإضافة إلى ظاهرة العمالة، سلّط الحادث الضوء على طرق نفل الأطفال غير الآدمية إلى أماكن العمل، حيث يركبون سيارات نصف نقل بأعداد كبيرة وتسير بسرعات كبيرة معرّضة كل من فيها للموت.
ومن موت على الطريق إلى موت بطيء يتحوّل فيه الطفل إلى سلعة ووسيلة لإطلاق الثورة. فقد استدرج عاطل من العمل مجموعة من أطفال الشوارع الصغار من ميدان التحرير إلى شقة يستأجرها لتدريبهم على التسوّل والاستيلاء على ما يجنونه من أموال ومساعدات، كما يعتدي عليهم جنسياً كلما رغب في ذلك.
وكلما أراد فصيل سياسي إثارة الفوضى ونشر الشغب، تلجأ كوادره إلى أطفال الشوارع لجذبهم بقليل من المال والوعود، وتوجيههم إلى تنفيذ ما يخططون له. بلاغات عدة تلقاها خط نجدة الطفل في هذا الصدد، إلا أنه يصعب إثباتها في أحيان كثيرة.
بلاغات التعرّض للضرب والمعاملة السيئة أكثر من أن تحصى، لكن تظل ظاهرة تنغّص على الأطفال حياتهم وتؤدي إلى تكوين شخصيات غير سوية في المستقبل، حتى بين الذين يحظون بأسرة مُحبة ونظام تعليمي معقول.
لكن من غير المعقول أن يخرج حصاد عام 2014، في ضوء ما تلقاه خط نجدة الطفل من بلاغات، بنتيجة مفادها أن هناك نقصاً حاداً في مراكز تقديم خدمات الدعم النفسي والمشورة، على رغم توافر الموارد البشرية وكثرة المشكلات النفسية.
وبلغة الأرقام والإحصاءات، فإن نصف البلاغات التي تلقاها الخط تدور حول نقص الخدمات المقدّمة للأطفال، في حين أن نحو 30 في المئة منها عن أطفال تعرّضوا للعنف، و14 في المئة عن آخرين تعرضوا للعنف.
أما الفئة العمرية الأكثر حاجة ومعاناة، فهم الأطفال بين سن العاشرة والـ12 سنة، ما يرجعه مسؤولو الخط إلى خصوصية لتك المرحلة التي يخضع فيها الطفل لتغيّرات في السلوك والشخصية والانتقال من الطفولة إلى المراهقة.
وقد فرضت الظروف الاجتماعية المتردية نفسها على الأطفال، فجاءت خدمات التضامن الاجتماعي والمساعدات المالية الأكثر حاجة، تليها الخدمات النفسية، ثم الأمنية، ثم الصحية، وأخيراً التعليمية، ما يعكس الأولويات الحياتية للأطفال. وعلى رغم تصنيف المشكلات وسبل علاجها بحسب كل تخصص، حيث أطفال الشوارع والعنف الجنسي، وعمالة الأطفال وغيرها، وخروج توصيات الجردة السنوية الخاصة بخط نجدة الطفل لتحوي سبل علاج متخصصة، إلا أن التوصية الأهم تتعلق بالوقاية التي هي خير من ألف علاج، أي الاهتمام بالأسرة، لا سيما الأب والأم، ليكونا نواة العائلة التي ترعى أطفالها رعاية لا تعرّضهم للعنف أو الاعتداء، أو تدفع بهم إلى سوق العمل أو يكون الشارع مهرباً لصغارها.
يذكر أن المجلس القومي للطفولة والأمومة أوصى نفسه بتبنّي برنامج قومي لدعم الأسرة بأساليب التنشئة الاجتماعية السليمة، لا سيما أن مؤشرات خط نجدة الطفـــل أكدت وجود قصور لدى قطاع كبير من الآباء والأمهات في سبل التربية. ويُعد مثل هذا التوجه أشبه بالتدخّل الوقائي.
الحياة