سيدة العام 2014 … كل مصرية عادية

للعام الثاني أو الثالث ولعله الرابع أو أكثر، تحتل هي مكانة الصدارة باعتبارها أكثر السيدات إبداعاً وإبتكاراً وإنجازاً. وعلى رغم إنتقاص حقها، وبخس قيمتها، وبخس الأرض بها، إلا أنها تخرج مع نهاية عام وبدء عام جديد متربعة على عرش نساء مصر، متفوقة على زميلتها السفيرة، وصديقتها الوزيرة، وقرينتها القاضية، ومثيلتها سيدة الأعمال، وبنات عمومتها من كبار الموظفات ونجمات الفن والإبداع، وسليلات الحسب والنسب، وبنات العائلات الراقيات.
لن تقف إلى جانب الباكستانية ملالا يوسف زاي تلوّح لشعوب الأرض فرحة لنجاح نضالها من أجل حق الفتيات في التعليم، ولن تنافس اليمنية توكل كرمان في التغريد ليلاً ونهاراً عن ربيع عربي مجهض وحرية رأي موؤود، ولن يلتف الـ «باباراتزي» حولها وأنجلينا جولي لإلتقاط صورهما في إطار دعوة لتقبّل سرطان الثدي هنا أو التعاطف مع الأطفال المحرومين هناك.
إنها المرأة المصرية منزوعة الألقاب، خالية المكانات، صاحبة رصيد الصفر في المصارف، والملايين في القلوب. هي التي لم تقابل السيد رئيس الجمهورية يوماً، لكنها من أتت به. ولم تحظ بتأشيرة الوزير أبداً، لكن من تحملت إخفاقه. ولم تنل شرف «شكراً» من زوجها أو أولادها أو رب عملها، ولا هي تنتظره ولن تنله على الأرجح إلا ربما في تأبينة قصيرة «كانت أماً رائعة»، أو «كانت زوجة فاضلة».
فضل المرأة المصرية على المجتمع المصري على مدار عام مضى لن يجد طريقه إلى استفتاءات النجمة الأجمل، أو السياسية الأبرز، أو السيدة الأولى الأكثر أناقة في عام 2014. ولن تجد نفسها على غلاف مجلات الموضة والجمال في جردة آخر العام بإعتبارها صاحبة القوام الأمثل، أو الزي الأغرب، أو الحذاء الأعلى. ولن تحظى بإشارة إنجاز أو تلويح اعتراف في لوائح «غينيس» لأنها خبزت الـ «بيتزا» الأكبر في تاريخ الإنسانية، أو خضعت لعدد عمليات التجميل الأكثر في مسار الطب، أو لأنها صاحبة الأرجل الأطول في عالم الأرجل. إنها الحاضرة الغائبة، البطلة الكومبارس، النجمة المجهولة «الست المصرية»، أي «ست مصرية».
وحيث إنه على مدار عقود مضت، أزيحت عن سباقات الشخصيات الأهم، والوجوه الأجمل، والإنجازات الأكبر، والأرقام القياسية الأعلى. فقد وجب مع نهاية عام 2014، العام الرابع من ثورة يناير، والثاني من ثورة يونيو، والـ 14 من الألفية الثالثة، تنصيبها ملكة متوّجة باعتبارها الأهم والأجمل وصاحبة الإنجاز الأكبر.
«أكبر إنجاز قامت به المرأة المصرية هذا العام، وأولهن أنا، هو البقاء على قيد الحياة. فعلى رغم ضغوط لا أول لها أو آخر، بدءاً بموازنة البيت الخربة، ومروراً بحال الشارع المتدهور، وإنتهاء بضغوط العمل الرهيبة، إلا أنني نجحت في البقاء وأسرتي على قيد الحياة»، كما تؤكد نرمين صلاح (38 سنة)، محاسبة وأم لثلاثة أطفال.
إنجاز آخر تفاخر به «ست مصرية» أخرى هو الإحتفاظ بالقناعة بأن «الحال رضا». ويبدو أن الإسم على مسمّى، فرضا فوزي (58 سنة) مساعدة تمريض في دار للمسنين. وعلى رغم ظروف عملها القاسية، حيث تعمل 12 ساعة يومياً من دون عقد عمل أو تأمين صحي أو وظيفي، ومن دون عائد مادي معقول أو وسيلة مواصلات مقبولة.
ولا تعيل رضا أسرتها فقط، بل أيضاً أسرة إبنها المتوفي، وإبنتها المتزوّجة من عاطل عن العمل. وتقول معلقة على حالها: «رضا الحمد لله. ربنا يدمها نعمة».
نعمة الحمد ومنة القناعة والقدرة على البقاء على قيد الحياة، كانت معايير اختيار المرأة المصرية الأهم في عام 2014. وحيث إن تنصيب الفائزة باللقب لا يمكن أن يتسع لملايين المصريات، وبما أن برامج الـ «توك شو» وإستفتاءات مجلات الموضة والجمال للمرأة الأهم هذا العام لن تعترف بـ «مدام عنايات» الموظفة أو «الحاجة جمالات» العاملة أو حتى «الآنسة شيماء» الطالبة إمرأة العام، لأنهن لن يجذبن المعلنين أو يؤثّرن في المشاهدين. فقد وقع اختيار «الحياة» على كل إمرأة عادية في مصر لتكون سيدة العام، سواء لأنها تعمل وتجتهد في صمت، أو لأنها تتعرّض للتحرّش والتمييز والتجهيل منذ عقود، أو لأنها لا تزال باقية على قيد الحياة هي ومن معها.

الحياة