لماذا نجحوا في العراق بهذه السرعة

انتفاضة العراق لم تندلع بطريقة عفوية كما حدث في سوريا، بل أن المعطيات السابقة جميعها تمت دراستها والعمل على تفاصيلها بتأن من قبل تنظيمات وتشكيلات سياسية وعقائدية.

بغض النظر عمن يقودها، فإن الحركة المسلحة التي تجتاح غرب العراق، لم تحقق هذا التقدم السريع بلا أسباب منطقية، ولا هي من صنع أشباح أو مؤامرة كونية أو تيسير إلهي، بل نتيجة شروط سياسية واجتماعية توفرت في الحالة العراقية، ويمكن الحصول على النتائج ذاتها فيما لو تكررت المعطيات في أي بيئة أو دولة أخرى.

على رأس تلك الظروف الوضع السياسي المزعزع والمخلخل في العراق منذ أكثر من عشر سنوات، والمحفوف باستقطاب اجتماعي حاد شيعي سني، فشيعة العراق بدعم وتدخل مباشر من إيران استولوا على الرأسمال المادي والرمزي للدولة العراقية، وهمش السنة واضطهدوا عبر لعبة الأغلبية السياسية، وقهروا بأدوات الاجتثاث والتخوين والاتهام بالبعثية حيناً والتطرف الديني حيناً آخر، واقترن ذلك بفساد عميم جعل الوضع الاقتصادي والمعاشي للعراق في مستويات لا تليق ببلد يملك واحدا من أكبر احتياطيات النفط في العالم. وقد مهد هذا الخلل لظهور قضية سياسية اجتماعية لها مشروعية أخلاقية وقاعدة فكرية مقنعة، وأصبح التخلص من النفوذ الإيراني وطليعته المحلية المتمثلة بالفريق الحاكم، هدفاً جديرا بالكفاح والتضحية لدى عموم سنة العراق.

ضرب نوري المالكي وفريقه الحاكم عرض الحائط بكل محاولات قادة سنة العراق وبعض قادة الشيعة لتسوية التناقضات الداخلية العراقية بالطرق السياسية المعروفة المفترضة في نظام ديمقراطي مثل الذي يزعم المالكي أنه يقوده، وشعور جزء من سنة العراق بالخديعة والغدر، سواء ممن جاؤوا على ظهور الدبابات الأميركية، وساهموا في إسقاط نظام صدام حسين والبعث، أو الذين تعاونوا منهم مع حكومة المالكي والقوات الأميركية في التصدي للتطرف الديني والقضاء على تنظيم القاعدة، حيث ترك منتسبو الصحوات لمصيرهم، وليتم تصفيتهم واحداً تلو الآخر بعد أن انتهت مهمتهم، وذهبت أدراج الرياح كل الوعود السياسية بالمشاركة والاندماج وبناء جبهة وطنية على خلفية نبذ العنف والتعصب المذهبي.

وحين لجأ سنة العراق إلى الوسائل السياسية والسلمية للحصول على حقوقهم، كما حدث في الرمادي والفلوجة والموصل، واجهتهم حكومة المالكي بنيران الجيش ذي التركيبة الطائفية الفاقعة، ومع البدء بقصف المدن بالطيران والمدفعية على غرار النظام السوري، وبإعادة انتخاب المالكي لولاية ثالثة، اقتنع سنة العراق بأن لا إمكانية للوصول إلى نتيجة عبر الوسائل السلمية مع النظام الذي يأتمر بأمر طهران.

لكن انتفاضة العراق لم تندلع بطريقة عفوية كما حدث في سوريا، بل أن المعطيات السابقة جميعها تمت دراستها والعمل على تفاصيلها بتأن من قبل تنظيمات وتشكيلات سياسية وعقائدية، لبعضها خبرة في العمل السياسي والتنظيمي تتجاوز النصف قرن مثل حزب البعث المحظور، وأخرى لا يتجاوز عمرها العشر سنوات، لكنها تمتلك الخبرة والتجربة الغنية مثل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، وقد صنعت هذه التشكيلات بمجملها نوعا من التنظيم الثوري القادر على تقديم الكوادر والقادة المؤهلين لإدارة العمل بشقيه السياسي والعسكري، وتشغيل المنظومة الجديدة بطريقة مقبولة ومنسقة.

كما وفرت تجربة الثورة في سوريا المجاورة، لثوار العراق، لا فقط ميدان التدريب والتجريب والدعم اللوجستي، بل قدمت لهم ولجمهورهم البرهان على أنه من الممكن أن ينجحوا، بل سينجحون بالتأكيد، لهذا رأى العالم وبدهشة كيف تتساقط المناطق في العراق وتتداعى بسرعة، وكيف تسابق أبناء كل منطقة على حدى أو التنظيمات الموجودة فيها للاستيلاء على وحدات جيش النظام وأسلحته دون تردد أو انتظار للتطورات في مناطق أخرى، وهو ما أدى في الوقت عينه إلى الانهيار الكبير والفوري في قوات نوري المالكي الذي عجز عن تفسير الأمر حتى بنظرية الخيانة، التي لم يستطع إثباتها.

مجمل الظروف السابق وصفها، والتي هيأت الأرضية لانطلاق ثورات الربيع العربي، لها ما يماثلها في دول الشرق الأوسط، والفوارق الضئيلة هنا وهناك قد تأخر انفجار الموقف لبعض الوقت، ويبدو هذا البلد أو تلك الدولة بمنأى عن هذا المصير، لكن صرخة واحدة، أو رصاصة تطلق في التوقيت المناسب، تكفي لإضرام الحريق، في أية نقطة من هذا الهشيم الممتد.

كاتب سوري

عن العرب اللندنية