مدارات (أوركسترا لحرب «المئة سنة» الإسلاميّة – الإسلاميّة؟) أدونيس

ـ 1 ـ
متى ستقول للشّبكة التي تُمسِك برأسك:
ابحثي عن صيدٍ آخر،
أو اذهبي إلى الجحيم.
ـ 2 ـ
هل «الرّبيع العربيّ» فاتحةُ أوركسترا مسلَّحة
تؤسِّس لحرب «المئة سنة» الإسلاميّة – الإسلاميّة ؟
ـ 3 ـ
لماذا تبدو الغيمةُ نفسُها في سماء تلك المدينة،
خندقاً حيناً، ونفقاً حيناً، وبرجاً حيناً؟
ـ 4 ـ
أوه! ما هذا النّشاز؟
يُصِرُّ على أن يلعب دور قائد الأوركسترا، إيّاها،
وهو لا يعرف أيَّة آلةٍ موسيقيّة،
ولا يفقه أيّ شيءٍ في عِلم الإيقاع!
ـ 5 ـ
لا تَطابُقَ في حياته بين ظاهرها وباطنها:
ألِهذا تبدو هذه الحياةُ لَغواً؟
ألهذا تبدو ثقافتُه هي كذلك لغواً؟
ـ6 ـ
هل يُعَدُّ الإنسانُ موجوداً حقّاً في نظامٍ لا يقدر أن يعارضَه، أو أن يسير ضدّ التيّار السّائد فيه؟
أَلَن يتوجّب عليه، في هذه الحالة، أن يبتكرَ وجودَه كلّ يوم؟ أن يخلق حوله، في نفسه، وفي نفوس الآخرين «اليقين» بأنّه موجود؟
لماذا، إذاً، لا نتفهّم كيف يخلق حاجزاً بينه وبين العالم، حاجزاً ثابتاً لا يتزحزح، ولا يمكن اختراقه. هكذا يُموِّه جراحه. يخفيها. يلبس قناعاً كلّما أُزيل انبثق تحته قناعٌ آخر.
هكذا يعيش كأنّه موجودٌ خارجَ جسده. كأنّما لا أثر لكيانه العميق، لهويّته في هذا الجسد الذي هو جسدُه.
ولماذا، إذاً، لا يعيش كأنّه مسافر لاكتشاف شيء يحلم به؟ لماذا لا يعيش مأخـوذاً بهـــذا السّفَر؟ لا يفعل شيئاً، لا يقـــرأ، لا يقيم علاقةً إلاّ إذا كان هذا كلُّه يُعزِّز مسيرته، ويعطيه القوّة لكي يتابع سفره.
ولماذا، تبعاً لذلك، لا يُمضي حياتَه عائشاً على حافّة الممكن والمُحتَمَل؟
ـ 7 ـ
تغيّرَت الكتابة،
والحبرُ والورقُ في إضرابٍ شاملٍ ومفتوح:
الكلمةُ اليوم، سيفٌ يتقطّر دماً.
ـ 8 ـ
ينتمي إلى الممكن والمُحتمَل
ويقول عن الواقع إنّه جيشٌ مُندَحِرٌ دائماً.
ـ 9 ـ
لم يعُد يرى غريباً في أيّ شيْءٍ غريب.
ـ 10 ـ
كان دستويفسكي يقول عن روسيا:
«إنّها وطنٌ شاغِر».
هل يمكن، اليوم، أن يُقال ذلك عن « الوطن العربيّ « ؟
ـ 11 ـ
أهنّئك، دوستويفسكي – في قبرك ذاته:
استطعتَ إذاً، أخيراً،
أن ترمي عن كتفيكَ جُثّةَ الهواء.
ـ 12 ـ
شقاؤك، أيُّها الصّديق، واقعيّ كما تقول:
أنتَ، إذاً، أقلّ عذاباً
منّي – أنا العائشَ في شقاءٍ أتخيّلُه.
قلْ لي:
هـل شرَرُ الصّورة ينبثق من جَمْر المعنى،
أم هو شرَرُ المعنى ينبثق من جمرة الصّورة؟
هل تقولُ لي أيضاً:
لماذا تستحقُّ الحياةَ أفكارٌ وأشياءُ
لا تحبّ الحياةَ ولا تملك شعريّتها؟
ـ 13 ـ
مُذنِبٌ؟ نعم.
لكن، أهو جديرٌ بأن يُحاكَمَ وأن يُدان؟
ـ 14 ـ
شعرُ «صديقه» يتمحور حول «الجماعة – الأخلاق»
وشعرُ «عدوّه» يتمحور حول «الذّات – الحرّيّة»:
فنّيّاً، لا يستطيع إلاّ أن يقفَ إلى جانب عدوّه،
إيديولوجيّاً، لا يستطيع إلاّ أن يقف إلى جانب صديقه.
أين هو إذاً؟ وماذا نقول فيه؟
ـ 15 ـ
كثيرون هم أولئك الذين صنعوا
ذلك الواحد الذي هو أنا –
في عصرٍ
يتصاعد اللهبُ من يديه وصدره،
ومن فمه وعينيه.
ـ 16 ـ
لا أعرف إن كان الليلُ العربيّ يزدوج في حياة العرب كما يزدوج في حياتي: ليلاً لموتٍ مضى وليلاً لموتٍ آتٍ،
لا أعـــرف إن كانــت الشمس العربية تتمزّق في أجسادهم كما تتمزّق في جسدي.
أعرف أنّ الإنسانَ غير الحرّ يعيش كمثل طائرٍ بلا أجنحة، ولا يحتاج إليه الفضاء.
هكذا يطيب لي أن أتركَ الذرواتِ إلى من يشاء، وأنصرف إلى التوغُّل قبضاً على الهاوية.
وكما قسّم عُروة بن الورد «جسمه في جسومٍ كثيرةٍ» يطيب لي أن أوزّع نفسي على الأشياء، خصوصاً على تلك التي لا تتوقّف جراحُها عن النّزيف.
وكنت قد حلمتُ بأنّني أبَحْتُ لدمي أن ينثر ما يشاء من حمرته على شقائق النّعمان العربيّة التي هي نفسها الشقائق التي نبتت في الأسطورة من دم أدونيس.
ـ 17 ـ
لا نردَ في يد الغيب. النّردُ مخلوقٌ ليد الأرض. واللاعبون هم أولئك الذين يذوِّبون كيانَ اللحظة في حبر الرّغبات.
ـ 18 ـ
خيرٌ لك، أنت يا من تسألني عن الحياة، أن تُمضي حياتَك في المدرسة التي تعلِّمُك يوميّاً كيف تنتزع قدَمَي الأرض من خفِّها، وكيف ترافقها حافيةَ القدمين إلى حلبة الرّقص الكونيّ.
ـ 19 ـ
لا تُعِرْ أذنيكَ إلاّ لحبرٍ تُجَنُّ أمواجُه.
لا تُعِرهما إلاّ لحَبّارِ الشهوات. لكلماتٍ ترفض العكاكيزَ، ولا تُعطي أيديَها إلاّ للعواصف.
ـ 20 ـ
كيف تكون شاعرَ الجذور، وأنتَ لا تُعاشِرُ إلاّ الهشيم؟
ـ 21 ـ
بلى ثمّةَ أقنعةٌ تلثِّم خلايا الجسد. وربّما انشقّ القناع إلى اثنين: واحدٌ للحَجْبِ
وآخر لكي يُعَرِّف الغَيْبَ بأحواله.
أقنعةٌ تتكلّم هي أيضاً. وشفاهها مليئة بكتب النّجوم.
ـ 22 ـ
إنّها ساعةُ التّعب:
الشّجرُ نفسُه يفيء إلى الظلّ.
ـ 23 ـ
يا أخي، يا أبا العلاءْ
أيُّهذا المسافرُ في حيرةٍ وفي ظُلْمَةٍ
سائلا عن ضياء السّماءْ.
إنها الأرضُ مَنذورةٌ للشّقاءْ
مثلما قلتَ، يا سيّدي
يا أخي
يا أبا العلاءْ.

الحياة