يعتقد
وجورجي جاتنز وآن ماكميري في كتابهماHealing the Scars of Emotional Abuse. 2009، أو التعامل مع آثار الإساءة النفسية، باعتبار الصمت على الخلافات الزوجية وتجاهلها حتى تصل إلى الانفجار شكلاً من أشكال الإساءة النفسية، وله تأثيره المدمّر في العلاقة، ووصول علاقات زوجية كثيرة إلى مرحلة الانفصال العاطفي، أو البرود الذي لا علاج له كما يسميه بعضهم، أو الهجران، أو الطلاق من دون مشكلات معلنة سابقاً.
يصطدم متزوجون كثر بعد مرور سنوات من الزواج بالاعتقاد أن الشريك الآخر لا يتحدّث عن مشكلات العلاقة، حتى تصل الأمور إلى مرحلة الانفجار. فيُفاجأ الزوج أو الزوجة بتعبير الآخر الغاضب عن عدم رضاه عن علاقتهما، من خلال موقف لا يرى أنه يستحق هذا الانفجار أو ردّ الفعل الغاضب، كأن ينفجر الرجل انفعالياً لأنه وجد أن زوجته اقتطعت جزءاً من دخلها لأمر ما دون أن تعلمه، أو قرّرت تغيير مدرسة الأطفال، وحجزت لهم مقاعد في المدرسة الجديدة، وهذا يدفع الزوجة للاعتقاد بأن الزوج يتخذ هذا الموقف للهروب من العلاقة أو ادعاء أنه لم يكن سعيداً، على رغم أنه لم يتذمّر يوماً ولم يعترض على شيء قرّرته زوجته مسبقاً.
أو أن تنفجر الزوجة بسبب مصارحة الرجل لها بعدم رضاه عن شيء في العلاقة، بأنها هي أيضاً غير راضية، وأنها تواجه صعوبات في علاقتها معه، وأنّ أموراً كثيرة لا تعجبها بدءاً من تحمّله مسؤولياته في المنزل، أو العلاقة مع أهله، أو طريقته في تربية الأطفال والإنفاق علــــى الأسرة، وغيرها من الأمور، ولكنها كانت دائماً تصمت، وتتجاهل هذا الأمر، وأنها احتملت الحياة من أجل الأطفال مثلاً، أو لأنها لا تريد أن تحمل وصف مطلقة، نظراً للوصمة الاجتماعية غير السليمة إلى المرأة المطلقة.
ومما تشير إليه دراسات الإرشاد الزواجي والأسري أن احتمال توقّف أحد الزوجين بغض النظر عن جنسه، عن التعبير عن عدم الرضا أو الغضب من سلوكات الطرف الآخر، ولجوئه إلى الصمت على مشكلاتها، يرتبط بدرجة الانفتاح في العلاقة، وعدم وجود طرف مسيّطر أكثر من الآخر، كما أنه مرتبط بدرجة الشعور بالرضا عن العلاقة برمّتها، فالرضا والشعور بالاطمئنان في العلاقة يجعل الشخص أكثر انفتاحاً وقدرة على التعبير عن الرفض والرضا، وهو مرتبط بالبداهة بنوعيّة التواصل والتقبّل للآخر في العلاقة. فالعلاقة التي يتقبّل فيها كلا الطرفين أفكار بعضهما بعضاً ومشاعرهما من دون لوم أو انتقاد أو تهكّم، ومن دون التصرّف بطريقة دفاعية ومهاجمة الطرف الآخر، ويسعيان فيها إلى التوصل إلى الحلول وليس إلى اللوم والهروب من تحمّل مسؤولية كل منهما عن سلوكه، هي علاقات لا يسودها الصمت، بل تعتبر علاقات صحيّة وناجحة.
إن العلاقات التي يسودها الصمت وعدم المشاركة أو عدم التعبير عن عدم الرضا عن العلاقة حتى تصل إلى الإنفجار، هي علاقات تعاني من مشكلات جوهريّة في التواصل بين الزوجين، وتعاني من شعور الطرفين فيها أو أحدهما بالرفض، وبأنه ليس من حقه أن يعبّر عما يفكّر فيه في شأن العلاقة، ويأتي هذا الشعور نتيجة عدم تقبّل الطرف الآخر ملاحظات شريكه حول العلاقة، سواء كانت بتجاهل مطالبه، أو رفضها صراحة، أو لومه عليها واعتبارها مطالب غير واقعية أو غير مناسبة.
ويؤدي هذا التجاهل إلى تراكم المشكلات في مــفاصل العـــلاقة الأســاسية كالعلاقة الحميمة، ودرجة احترام كل من الطرفين شخص الآخر وتقدير إنجازاته ودوره، وتصوّر كل منهما لإدارة المنزل والعلاقات الاجتماعية، وأسلوب تربية الأبناء، وإدارة موازنة المنزل، وأساليب التعامل مع الخلافات الزوجية والأسرية.
ومع مرور الوقت واستمرار الزوجين أو أحدهما في تجاهل مشكلات العلاقة، وصمتهما أو صمت أحدهما على ذلك، تتضخّم هذه المشكلات وتتفاقم، حتى تُقتل العلاقة، وهو أمر أشبه بالسرطان الذي يبدأ بالانتشار والتفاقم بصمت، حتى يقتل الجسد، أو يدخل الإنسان رحلة علاج مؤلمة وطويلة للتخلّص منه، متسلّحاً بدافعية كبيرة ووسائل علاج فعالة للتعامل معه، والعلاقات الزوجية تماماً كذلك، إذ إنها تصل نتيجة للصمت الطويل على مشكلاتها الجوهرية إلى مرحلة موت العلاقة، فتنتهي إما بالاستمرار في زواج لا روح فيه، ويعاني من الانفصال العاطفي والنفسي، أو الطلاق الفعلي، إلا إذا قرّر الزوجان الدخول في عملية علاج جادّة وفعالة للعلاقة، بتحسين التواصل، والاتفاق على حلول عملية لمشكلات العلاقة، وتوضيح توقعاتهما منها، وإظهار كل طرف للجهد الحقيقي للتغيير وإصلاح العلاقة.
إن الاختلاف وعدم التوافق وحدوث المشكلات أو الخلافات بين الزوجين بعد مرور سنوات على الحياة معاً، أمر من الطبيعي أن يحدث في شكل يومي أو شبه يومي، إلا أنّ ما يحدّد طريقة التعامل مع هذه الأمور هو طريقة التواصل، ومدى استعداد كل طرف لبذل الجهد للحفاظ على العلاقة، وعلى الشريك، والذي لا يعتبر تجاهل مطالب الشريك أو الصمت على المشكلات وتجاهلها، شكلاً من أشكاله، فالحفاظ على العلاقة والشريك يعني بالضرورة التخلّص من مشكلات العلاقة والتعامل معها أولاً بأول، وتلبية متطلّبات الشريك النفسية والجسدية، وحاجته للتقبّل والاهتمام والتفهّم التي هي الهدف الأساس من الزواج.
الحياة