هكذا تُدلّل ألمانيا حيواناتها المعدّة للذبح

إن كان لا بدّ للإنسان أن يتناول اللحوم، فهذا لا يعني أن يُمعن في إيذاء الحيوانات أو أن يتفنّن في ذبحها. هذه قاعدة تختصر عمل المسالخ في ألمانيا. ففي الدرجة الأولى، يحرّم القانون الألماني ذبح أي حيوان من دون تعريضه بداية إلى صدمة كهربائيّة لتخديره أو إتمام ذلك بحقنة خاصة. وأيّ مخالفة تكلّف اللحّام الكثير، باستثناء الذبح الحلال الذي دخل الثقافة الغذائيّة الألمانيّة لأسباب خاصة.
والخطوة الأولى من عمليّة الذبح التي تتمثّل في تخدير الحيوان، تليها خطوات كثيرة. فيتوجّب على اللحّام تغطية عيون الأبقار والأغنام، قبل أن يدخلها في ممرّ لتنظيفها عبر رشّها بماء ساخن.
وتجدر الإشارة إلى أن الموسيقى الكلاسيكيّة تأتي من ضمن برنامج الذبح. فهي أمر متداول منذ فترة زمنيّة في ألمانيا، لما لها من تأثير في تهدئة أعصاب الحيوان المعدّ للذبح.
سيمون مولر مزارعة في الثلاثينيات من عمرها، تملك مزرعة مساحتها نحو 100 فدان في منطقة تورنغن، تشدّد على أن للجودة والمذاق اللذيذ أولويّة في رعايتها لحيواناتها، لذا لا بدّ من التعامل الإنساني معها.
وتوضح: “أنا أطعمها علفاً من دون أي إضافات كيميائيّة، علف طبيعي 100%. فكلّ ما أنتجه في المزرعة من بطاطا وخسّ وبندورة طبيعيّ 100%، وكذلك كلّ ما أقدّمه إلى حيواناتي”.
حفلات في المزارع
إلى ذلك، تعمد مزارع كثيرة تبيع منتجاتها إلى المحلات، إلى دعوة المواطنين إلى حفلات كبيرة في إحدى مزارعها. ويتضمّن برنامج الحفل عادة زيارات لحظائر الحيوانات وأماكن رعيها. كذلك يقدّم المسؤول عن الحفل، وصفاً مفصلاً لنظام حياة الأبقار والأغنام وطبيعة غذائها. ويستطيع الزائرون الاطلاع على كل ما تتضمنه المزرعة، في حين يقدّم لهم اللحم المشوي ومنتجات الحيوانات من حليب وجبن، كهدايا في أغلب الأحيان.
وتأتي هذه الحفلات بمثابة حركة لتعزيز الثقة بين المواطن والمنتج. ويعلّق أحد أصحاب المزارع قائلاً: “علينا أن نكون على تماسّ مباشر مع زبائننا، بيننا وبين الزبون، التاجر أو بائع الجملة. لكن من حقّ الزبون التأكّد من مصادر تغذيته وطعامه بشكل مباشر ومن دون وسيط”. يضيف: “نحن نخضع لرقابة الناس بالدرجة الأولى، قبل رقابة المسؤولين. لذا نفتح مزارعنا أمامهم”.
رقابة وتفتيش
من جهة أخرى، تأتي الرقابة الرسميّة مشدّدة على المزارع في ألمانيا. وهي رقابة قويّة منذ سنوات طويلة، تخضع خلالها المزارع للتفتيش الدائم، للتأكّد من أن الحيوانات تحصل على اللقاحات الصحيحة وفي الوقت المناسب، بالإضافة إلى خلوّها من الأمراض. كذلك تتمّ مراقبة حجم الحظائر ونظافتها، ونوعيّة العلف ومدى مطابقته للمواصفات. وثمّة حرص على رصد أي مخالفة من أي حجم كانت، قد تهدّد صاحب المزرعة بإغلاق مزرعته بالكامل.
لذا، يتوجّب على المزارعين والفلاحين اعتماد أحدث وسائل التكنولوجيا الحديثة، إذ إن المواصفات التي تفرضها الرقابة الصحيّة لا يمكن الحصول عليها إلا بتطبيق تكنولوجيا عالية الدقة واستخدام ماكينات حديثة. وبالتالي، فإن المزارع والملاحم التي لا تنجح في تلبية المواصفات المنصوص عليها في القانون، تغلق فوراً.
والفضائح الغذائيّة في ألمانيا تُعَدّ من أصعب الفضائح وأشدّها وطأة على المواطنين وكذلك على السياسيّين، لما لها من تأثير على سمعة المنتج والشركات وبالتالي على الاقتصاد. وكلّ فضيحة غذائيّة تشكّل نكسة اقتصاديّة بالدرجة الأولى. وبعد كل فضيحة عادة، تتّخذ ألمانيا إجراءات أشدّ صرامة تجاه الرقابة الغذائيّة، وعلى سبيل المثال فضيحة لحم الخيل الممزوج بلحم البقر. وعلى الرغم من أن هذه الفضيحة لا تعني ألمانيا تحديداً، إذ إن تلك اللحوم المغشوشة وصلتها من رومانيا، إلا أنها تأثرت بها بشكل كبير، وقد اعتبرتها أزمة ثقة.
عندما يدخل المرء أي محل لشراء النقانق أو اللحم، يستطيع وبكل سهولة تتبّع مصدر ما يشتريه، وحتى اللحام الذي قام بالذبح. فكل نوع من اللحوم المعروضة للبيع، مرفق برقم المزرعة ورقم اللحام. ويستطيع المواطن بالتالي إدخال الأرقام على شبكة الإنترنت في نظام التتبّع الخاص، حتى يعرف إذا كانت المعلومات صحيحة، أو كي يتقدّم بشكوى في حال تعرّضه لأي نوع من الغش.
إلى ذلك، فإن جميع العلب التي تحوي لحم دجاج أو غيره والمعروضة في المتاجر والمنتجة في ألمانيا، مزوّدة بعنوان المزرعة ومكان الذبح، بالإضافة إلى تفاصيل أخرى من شأنها طمأنة المواطن عند شرائها أو إتاحة المجال له للتقدّم بشكوى إذا ما تعرّض لأي سوء.