حال المهاجرين المدعاة للحزن لقلة ما يصنعونه في الشتاء البارد شجعت المزارع العاشق لصيد الأسماك على محاولة إقناعهم للخروج معه وتعلم طرق الصيد التي لا تحتاج إلى كثير من المعدات بمقدار ما تحتاج إلى الرغبة في الخروج إلى الطبيعة والتفاعل معها. يقول: «ليس لديهم ما يفعلونه سوى الاستيقاظ مبكراً والتحديق بالأشجار المتجمدة، ولأنني من الذين يعتقدون أن أفضل هواية في الشتاء هي صيد الأسماك في البحيرات المتجمدة رأيت أنه من المناسب دعوتهم لمشاركتي تلك المتعة».
يوزع الوثائقي «صيادو حُفَر الجليد من سورية» مادته على مسارين: المشهد العام للسوريين وهم يشاركون السويدي هوايته ومسار ثان يتيح فرصة كافية لبعضهم للتعبير عن إحساسهم في تلك اللحظة التي تجسد مفارقة صارخة، إذ يجد السوري نفسه وسط مياه متجمدة محاولاً اصطياد أسماك تحت سطحها من دون أن تغيب هواجسه ومخاوفه على وطنه وشعبه. وهذا ما عبّر عنه مالك أدلبي: «أهالينا مشردون، لذلك لا أشعر بالراحة هنا، فأنت تفكر بمصير أختك وأخيك وأحياناً كثيرة تشعر بتأنيب الضمير لأنك نجوت فيما هم يواجهون مصيراً مجهولاً».
ميلاد أبي عيسى يستمع إلى صوته الداخلي ويعكسه إلى الخارج بحزن: «في سورية الظروف فظيعة. كثير من أهلنا استشهدوا بطرق مختلفة؛ من الجوع أو تحت التعذيب ومن جراء القصف وغيرها. عندما خرجنا إلى مصر تعاملنا مع مهربين خطرين ولم يكن التخلص من جشعهم سهلاً. هنا نحن نفكر في عيش يومنا فقط أما مستقبلنا فلا أفق يشجع على التفكير به». مونولوجات كثيرة سجلتها عدسة الوثائقي فيما كانت غيرها تتابع مسار المشروع البسيط الذي يديره المزارع بفرح وبفهم إنساني نادر. يقول: «بالنسبة إلى كثيرين منهم هي المرة الأولى في حياتهم التي يخرجون فيها إلى أرض تغطيها الثلوج ويقفون فوق بحيرة مياهها متجمد، لكنها تبقى مناسبة طيبة ليعرفوا عنا نحن السويديين كيف نعيش وكيف تدبرنا أمر بقائنا، لقرون، عبر صيد الأسماك والتكيف مع الطبيعة القاسية وهذا مهم لهم لأنهم سيصبحون مستقبلاً سويديين مثلنا أيضاً».
ولأن البشر يتقاسمون هواياتهم ويتشاركون أفكارهم فقد جاء إعلان أحد السوريين مفاجأة للبرنامج حين قال لمعده: «إنه يهوى صيد الأسماك وإنه أثناء هروبه من سورية لم يأخذ معه من أثاث منزله سوى صنارة صيد».
يريد السويدي أن يتعرف المهاجرون إلى طريقة عيشهم وهم بدورهم يريدون تعريف العالم بقضيتهم والمآسي التي يمرون بها. تناقض ظاهر لا تلغيه سوى لحظات فرح حين تمسك صنارة أحدهم بسمكة صغيرة تنسيه أحزانه، وتدعوه لمقارنة الحالتين كما يقول أحد الشباب وقد أمسك بسمكة صغيرة: «الحياة هنا هادئة، لكنها غريبة، فالناس يتحدثون لغة مختلفة ومشاكلهم لا تشبه مشاكلنا. لهذا يصبح التأقلم معها صعباً، مع كل رغبتي في التأقلم والعيش في هذا المكان الجديد والغريب». أما الأطفال وهم الأسرع في الاندماج مع المجتمع فلا يفكرون كثيراً في الماضي ورغبتهم في الحياة تنسيهم ما مروا به من صعاب كما يلخصها الطفل محمد أدلبي الذي مازال يتذكر مشهد سقوط سيدة سورية بالقرب منه بعد إصابتها برصاصة قناص. يقول: «هنا ليس كما في سورية، الناس يمنحون الطفل حرية كبيرة ويتركونه يستمتع بوقته وفرحه على عكس ما كنا نعيشه في بلادنا حيث طيلة الوقت نمكث في البيوت خوفاً، ولا نسمع فيها سوى صوت القنابل والمتفجرات… مع الأسف!».
عن الحياة