الزوجات تهجرن أزواجهن

عادةً ما تهجر الموريتانيات البيت الزوجي بحكم العادات والتقاليد التي تشجع المرأة على التمرّد وهجر المنزل، بالرغم من عدم وجود أسباب واضحة أو مقنعة بالضرورة. ورغم إدراكهن خطورة هذا القرار على استقرار الأسرة، تصر النساء على الهجر، والذهاب إلى بيت الأهل كلّما حصل خلاف مع أزواجهن، لاعتقادهن أن “ترك البيت سيدفع الأزواج إلى تلبية طلباتهن بعدما يعانون من غيابهن عن البيت”.
وبالرغم من الأصوات التي خرجت أخيراً مطالبة بالتخلي عن هذه العادة، محذرة من تأثير الخصام والهجر على بنية الأسرة، إلا أن الزوجة تتخذ قرارها بترك البيت من دون أدنى قلق. فالزوج لن يقدم على تطليقها خوفاً من التبعات المالية لقرار كهذا. فيضطر إلى الاستعانة بأعيان ووجهاء للتواصل مع أهل الزوجة، ومحاولة إرضائها بالاعتذار وتقديم الهدايا.
وتقول مريم امبيريك (37 عاماً)، وهي سيدة منزل، إن “هجر المرأة لبيت الزوج، وعودتها إلى بيت العائلة بعد حدوث خلافات، يحفظُ لها كرامتها، ويمنع الاحتكاك بين الزوجين، ويمنحهما فرصة لمراجعة قراراتهما. كما أنه وسيلة لتعرف الزوجة مدى حب الزوج لها وتعلقه بها”. وتشير إلى أنها “هجرت بيت زوجها أربع مرات بسبب خلافات. وفي كل مرة، كان يأتي إليها مصطحباً أصدقاءه وأقاربه لإقناعها بالرجوع إلى البيت”.
دلع وأنانية
ترفضُ بعض الزوجات الاعتراف لقريباتهن بقرارهن هجر البيت الزوجي. وعادة ما لا يكشفن عن أسباب بقائهن في بيت الأهل، فيتحججن بالمرض أو الملل من الحياة أو الشوق للأهل. وما يزيد الأمر تعقيداً هو ارتباط النساء، وخصوصاً المتزوجات حديثاً، بأهلهن. وتصرّ بعض الزوجات على تمضية عطلة نهاية الأسبوع عند الأهل، ناهيك عن الزيارات المتكررة. ولدى حدوث أي خلاف بسيط، تهرب المرأة إلى عائلتها.
وخلال السنوات الأخيرة، تغيرت طريقة تعامل الأزواج مع هذه الظاهرة، وبخاصة الشباب، الذين يرفضون هذه العادة ويعتبرونها “دلع بنات”. ويعاقب بعضهم الزوجة التي هجرت بيتها بإهمالها، أو منع الأطفال من زيارتها، ما يؤثر على الأبناء، ويعمق الخلاف بين الطرفين.
يقولُ الباحث الاجتماعي محمد محمود ولد عبدي إن “هجر البيت الزوجي عادة قديمة كانت تحمي المرأة من بطش زوجها في ظل غياب القوانين. فتلجأ إلى عائلتها التي تتكفل بحمايتها واسترداد حقوقها وإعادة أطفالها إليها. أما اليوم، وفي ظل وجود قوانين، لا داعي للتمسك بهذه العادة السيئة التي تلجأ الزوجات إليها للضغط على الزوج”.
ويُحذّر من “تأثير هجر البيت الزوجي على مستقبل الأسرة”، قائلاً إن “هذا القرار يفتح الباب أمام الأهل للتدخل في حياة الزوجين، وفرض شروطهم. كذلك، فإن تعنّت بعض الأزواج ورفضهم إرضاء زوجاتهم، في مقابل إصرارهن على عدم العودة إلى المنزل قبل قدوم الأهل والأصدقاء، يُهدّد كيان الأسرة. فتظل المرأة في منزل أهلها، وهو في بيته مع الأطفال”.
عادة قديمة
يضيف أن “هناك حالات عدة لأزواج انفصلوا عن بعضهم بعضا بهذه الطريقة، ومن دون طلاق”. ويدعو الأزواج إلى “احتواء خلافاتهم وإنهائها في فترة زمنية وجيزة، والتغلب على الأزمات في بداياتها حتى لا تتطور”.
بدوره، يرى الباحث الاجتماعي يعقوب ولد تقي الدين أن “الهجر الزوجي ظاهرة قديمة، تُقدم عليها المرأة بطلب من أهلها حين يشعرون أن ابنتهم تتعرض للظلم”. ويطلق على الزوجة لقب “المرأة الغضبانة” التي تنتظر مجيء زوجها لإرضائها بغض النظر عن سبب الخلاف. يضيف: “الهجر وسيلة ضغط لتحقيق هدف ما، لأن نسبة كبيرة من النساء يتركن البيت الزوجي وهن راغبات بالعودة إليه بقوة”.
ويُشير تقي الدين إلى أن “الزوج يجد نفسه مضطراً لملء الفراغ الذي تتركه الزوجة، بانتظار عودتها إلى بيتها”. يضيف: “لا يمكن الاستغناء عن دور الزوجة في الأسرة. فهي المربية والمتسامحة ورمز الحنان والعطف، ويصعب على الأسرة أن تنجح من دونها”. ويوضح أن “الأسرة المتوازنة والمستقرة هي التي لا تكتمل ولا يمكن أن تؤدي دورها إلا بوجود ضلعيها، فغياب أحدهما يؤدي إلى اختلال عملية تدبير شؤون الأسرة على مستوى العلاقات والأدوار”.
وعن التأثيرات النفسية والاجتماعية لهذا الانفصال الطوعي أو الاضطراري عن الأسرة، يقول الباحث إن “هجر الزوجة لبيتها يسبب فراغاً عاطفياً وإحباطاً، بالإضافة إلى فقدان الثقة، واعتلال رابط المحبة بين أفراد الأسرة. فمن يفترض به أن يحميها ويغدق عليها مشاعر الحب والحنان تخلى عن مسؤوليته وغاب عنها”.
ويُشير إلى أن “أسباب ترك البيت الزوجي تتلخص بالمشاكل الاقتصادية والروتين اليومي والعاطفي، وتدخل أهل الزوجين، والغيرة”. في السياق، يلفت إلى “أهمية الصبر في الحياة الزوجية، وتحمّل الطرف الآخر، وتجاوز أخطائه”، مشدداً على “ضرورة إنهاء الخلاف وحصره في لحظاته الأولى، على أن تكون الخلافات أو النقاشات بعيداً عن مرأى ومسمع الأهل والأطفال”.

العربي الجديد