الدولة الموحدة أو البسيطة / المحامي فاضل موسى

تتميز الدولة الموحدة بوجود جهاز حكومي واحد يضطلع بجميع وظائفها طبقاً للدستور الموحد الحاكم لكافة أجزاء الدولة من أقاليم أو محافظات أو ولايات.
وأبرز ميزات هذه الدولة أنها تقوم على المركزية السياسية المتمثلة في اجتماع كافة السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية في العاصمة.
ورغم أن هذا الشكل من الدولة هو الغالب في العالم إلا أن تكوينها السكاني يفتقر للتجانس القومي والثقافي والديني وهذا ما يخلق الشعور بالغبن لدى المكونات الأضعف سلطوياً والتي تناضل رغم ضعفها للحفاظ على خصوصيتها في مواجهة محاولات السلطة المركزية الممثلة في أغلب الأحيان – وخاصة في الدولة الموحدة المستبدة – لمصالح المكون القومي أو الديني المسيطر على مفاصل الحكم لصهرها مع القومية أو الطائفة أو الفئة السياسية الحاكمة.
وهذا ما يخلق حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي وضعف التنمية وخاصة في الأقاليم النائية، لأن التجانس بين مكونات الدولة الموحدة يتوقف على مدى احترام حقوق الأقليات في ممارسة حقوقها السياسية، والقومية، والثقافية، والاقتصادية بعيداً عن القمع و الإكراه.
و تقوم الإدارة في الدولة الموحدة على نموذجين:
1-    المركزية الإدارية: وهي أسلوب يقوم على حصر وتركيز الوظيفة الإدارية وحق البت والقرار في يد السلطة المركزية في العاصمة، وتبعية الموظفين وتدرجهم إداريا وقيام هذا التدرج على الخضوع والطاعة لرأس الهرم الإداري.
وللمركزية الإدارية أسلوبان: أ- أسلوب التركيز الإداري: وبمقتضاه تجمع السلطة المركزية في يدها كافة السلطات.
ب – أسلوب عدم التركيز الإداري: ويعني توزيع الاختصاصات التنفيذية على نواب الرئيس الإداري ومرؤوسيه في فروع أو مديريات الوزارات والمصالح في الأقاليم والمحافظات، بحيث يفوض الموظفين الإداريين سلطة البت في حدود صلاحياتهم المخولة لهم من رؤسائهم ، ولا يعني ذلك استقلالهم عن السلطة الإدارية المركزية.
2-    اللامركزية الإدارية: وهي تتبع نموذجاً أرقى نوعاً ما في الإدارة وهو توزيع السلطات والاختصاصات بين الإدارة المركزية في العاصمة والوحدات الإدارية المحلية ذات الشخصية الاعتبارية.
وبمقتضى هذا الأسلوب يتم تقسيم إقليم الدولة إلى وحدات إقليمية (ولايات أو محافظات ) ذات شخصية اعتبارية، ولكل وحدة مجلس منتخب على أن تخضع هذه المجالس لرقابة السلطة الإدارية المركزية.
ولكن لم يلبِّ هذا النموذج تطلعات المكونات المُضطهَدة سياسياً واقتصادياً في معظم الدول الموحدة و خاصة في الشرق الأوسط في إدارة شؤونهم من خلال مجالس منتَخَبة ديمقراطياً بعيداً عن هيمنة السلطة المركزية و الحزب الحاكم.
لأن اللامركزية الإدارية في الدول ذات الأنظمة الاستبدادية هي عبارة عن متَنَفس شكلي لشعوبها المقهورة مع الإبقاء على إحكام القبضة الأمنية للسلطة المركزية.
أما في الأنظمة الديمقراطية فاللامركزية الإدارية تمثل رغبةً حقيقية في إشراك سكان المناطق في التخطيط والإدارة، والاستفادة منهم في السياسات المحلية، والعامة وتحسين الحريات .
وبالعموم فإن اللامركزية الإدارية في حقيقتها تخضع للسلطة المركزية ونظامها السياسي، والقانوني شكلاً ومضموناً وتعبِّر عنها أبلَغَ تعبير.
ولذلك تكون اللامركزية الإدارية في أحسن حالاتها قانوناً وتطبيقاً عندما يكون النظام ديمقراطياً.
ولكن رغم ذلك فإنها غير قادرة على حل خلافات، وصراعات الهويات، والثقافات  لعجزها و قصورها عن حلِّ تلك القضايا المعقدة، لأنها غير مخوَّلة دستورياً و قانونياً لحلِّ هذه القضايا التي ينبغي أن يكون حلّها سياسياً و دستورياً، وهذا ما تفتقر إليه اللامركزية الإدارية من حيث جوهرها و صيغتها الدستورية.
لذلك فإن السلطة المركزية في نظام الإدارة اللامركزية تستميت بشتى وسائل الاستبداد في بسط رقابتها على المجالس المحلية (المنتخبة) بهدف الحفاظ على وحدة الدولة.
فإن استقلت الهيئات اللامركزية استقلالاً تاماً وتخلصت من رقابة السلطة المركزية تحولت اللامركزية الإدارية إلى لامركزية سياسية و بالتالي يتغير شكل الدولة من دولة موحدة إلى دولة اتحادية والتي قد تلبي طموح المكونات المضطَهَدة في التحرر وإدارة شؤونهم و ممارسة حقوقهم السياسية، والثقافية، والاقتصادية بقدر أكبر من الحرية مما كانت عليه في الدولة الموحدة .