تقارب حذر في لحظة سورية معقدة

 

عبدالغني سليمان أمين

تشهد الساحة السورية منذ عام تقريباً حراكاً سياسياً لافتاً تتمثل في استئناف التواصل بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والحكومة المؤقتة في دمشق في محاولة لإعادة تنظيم العلاقة بين الطرفين بعد سنوات من القطيعة والتباين هذا التطور وإن بدا محدودا في نتائجه حتى الآن يحمل دلالات سياسية تتجاوز طبيعته الإجرائية ويعكس تحوّلاً في مقاربة الملف السوري.

جميع المعطيات المتداولة تشير إلى وجود تفاهمات مبدئية تتعلق بمستقبل العلاقة بين الجانبين بما في ذلك بحث آليات اندماج مؤسساتي تدريجي ضمن إطار الدولة السورية غير أن هذه التفاهمات ما زالت تفتقر إلى إطار زمني واضح أو آليات تنفيذ محددة الأمر الذي يجعلها أقرب إلى إعلان نوايا منه إلى اتفاق ملزم

وتظهر لغة التصريحات الرسمية حرصاً واضحاً على خفض سقف التوقعات في ظل إدراك مشترك لحساسية الملف وتعقيداته سواء على المستوى الداخلي أو في سياقه الإقليمي والدولي.

على الرغم من أجواء الحوار فإن الواقع الميداني لا يعكس بالضرورة مستوى التقدم السياسي المعلن فبعض مناطق الشمال السوري ما زالت تشهد توترات متقطعة تؤكد أن الخلافات الأمنية لم تحل بعد بشكل جذري وأن بناء الثقة بين الطرفين لا يزال في مراحله الأولى.

هذه الازدواجية بين المسار السياسي والواقع الميداني تشكّل أحد أبرز التحديات أمام أي تقارب حقيقي إذ لا يمكن لأي تفاهم سياسي أن يكتسب شرعيته دون انعكاس ملموس على الأرض.

في جوهر النقاش القائم يبرز تباين واضح في الرؤى حول طبيعة الدولة السورية المستقبلية فبينما تؤكد الحكومة المؤقتة على ضرورة الحفاظ على مركزية القرار السياسي والإداري تدافع قسد عن نموذج لامركزي ترى فيه ضمانة للاستقرار وتمثيل المكونات المحلية

هذا الخلاف لا يُطرح بوصفه صراعًا على وحدة البلاد بقدر ما يعكس اختلافا في مقاربات إدارة التنوع وحدود الصلاحيات وآليات المشاركة السياسية في مرحلة ما بعد النزاع.

بعيدًا عن طاولات الحوار يتابع السوريون هذه التطورات بقدر كبير من الحذر. فالتجارب السابقة جعلت الرأي العام أقل تأثرا بالتصريحات وأكثر ارتباطا بالنتائج العملية، تحسين الأوضاع الأمنية وتخفيف الأعباء المعيشية وضمان استقرار نسبي، تبقى المعايير الأساسية التي يُقاس بها نجاح أي مسار سياسي.

من هذا المنطلق، ينظر إلى التقارب الحالي باعتباره فرصة قابلة للاختبار لا مسارا محسوم النتائج.

حتى اللحظة يبدو التقارب بين قسد والحكومة المؤقتة خطوة محسوبة في توقيت دقيق لا تحمل وعودا كبيرة لكنها تفتح نافذة محدودة لإعادة ترتيب العلاقة ضمن مشهد سوري بالغ التعقيد

نجاح هذه الخطوة سيبقى مرهونا بقدرة الطرفين على الانتقال من منطق التفاهمات العامة إلى اتفاقات واضحة قابلة للتنفيذ تستجيب لتطلعات السوريين في الاستقرار وإنهاء حالة الانقسام المستمرة.

سورياقسد