جاءت مسرحية «حكايات المطر»، وهي تجربة مشتركة بين مسرح أسترالي و»دائرة السينما والمسرح» العراقية، تولى اعدادها وإخراجها العراقي المقيم في أستراليا، نزار جبر، لتكون لخطوة الأولى للتعاون الإبداعي بين فنانين من العراق وأستراليا، بدأت بورشات عمل تعتمد اسلوب التعاون، فالمشاركون فيها يقدمون تصوراتهم الفنية عن موضوعة المطر، وكل مشارك في الورشة، قام بتجهيز مشهده كتابة وإداء وتقديماً، ليصوغها المخرج لاحقاً في عرض، غايته التواصل الإنساني من طريق الأفكار، على ان يتم اغناؤها لاحقاً حين يقدم العرض في استراليا»، وفق ما كتبه القائمون عليه.
واعتمد العرض المسرحي، إقصاء لعنصري الدراما والتمثيل لحساب المشهد البصري الذي شكلته سينوغرافيا، جبار جودي، وكان بمثابة الدعامة الأكبر التي قام عليها العرض، لتحضر تقنيات التصوير السينمائي في مشهد مرسوم ببراعة، فكرته قائمة على خوذة حربية ممتلئة بالماء تحملها امرأة من سواد لتضعها على رأس رجل اولاً، ثم فتى، واخيراً طفل، وفيما تكون الخوذة، هنا اشارة معلنة، فإن الماء، هنا يتحول كناية عن الإفناء الدموي للكيان الإنساني في الحروب، وما أكثرها، وما أعمق تأثيراتها في الإنسان العراقي المعاصر.
المطر بلّل، لا ثياب النازحين ولا أغرق خيامهم وحسب، بل محا حبر الحروف في دفاتر أطفالهم، وهو ما تم تجسيده على الخشبة، بتكثيف عال، حد ان المشهد القصير، كان جلياً في احالته مصائر نحو مليون من اطفال البلاد التائهين في ارضها الى محو تام ومجهول يمتد الى مساحات فارغة لا تعطي اي شارة بحياة أو أمل.
وإلى جانب هذا المشهد «الواقعي»، ثمة الآخر «الخيالي» الذي يمثله أطفال يتوافرون على عدة الغوص، في اشارة الى انهم سيعبرون يوماً ما «برك» الأمطار وأوحالها، او الفتاة التي تحلم بوردة وتغني لحناً وجدانياً يبدو نقيضاً للنواح الأسود الذي تنشغل فيه والدتها.
ومن الحكايات عن المطر، انه مؤمل الماء الذي يحمله شاب منكسر رغم فتوته، ليسكبه في جردل، وبه يزيل ما علق بتحولاته الإنسانية (3 رجال) من غبار ووحل هما في حقيقتهما سخام الحياة العراقية ورثاثتها.
ان تكثيفاً للدلالات في مشاهد عدة تضمنها العرض، قابله ايضا ترهل، بل تسطيح في مشاهد اخرى، كما في اداء الممثل محمد هاشم، للضارب على الطبلة الصغيرة العراقية التقليدية «الخشبة»، وعلى ايقاعاتها الناقرة السريعة المضطربة، يتلو مقاطع من قصيدة السياب «انشودة المطر»، مثلما هي الحال في مشهد الشبان الذين يلتقطون صوراً تتناثر من اعلى سقف المسرح، لتكون وجوهاً بلا ملامح لأناس غابوا في لجج حياة يخوض الناس في اوحالها. هنا كان الأداء متهافتاً بل حتى اقل من مدرسياً، لتصبح «التضحية» بعنصر التمثيل في العرض من اجل ربح التأثير البصري، مؤشراً إلى خسارة مزدوجة، فلا تمثيل رصين ولا دهشة بصرية.
وإذا ما رغب القائمون على «حكايات المطر»، في اعادة تقديمه في استراليا، فإن عليهم حقاً ان يقوموا بـ «تجهيز مشاهده كتابة وإداء وتقديماً، على ان يتم اغناؤها»، وإلا فإنه سيفتقد نسيجه الفني، ويتحول (اذا ما اخذنا قضية اللغة بالحسبان) الى مشاهد لا دلالة لها، بل مجرد تهويمات بصرية لا تعني شيئاً.
الحياة