من سقوط الأسد إلى صعود الجولاني: الثورة السورية بين كماشة الطغيان القديم والتسلّط الجديد

من سقوط الأسد إلى صعود الجولاني: الثورة السورية بين كماشة الطغيان القديم والتسلّط الجديد

*طلال محمد

سقط النظام؛ هذه ليست أمنية أو تحليلاً سياسياً، بل واقع بات من المستحيل تجاهله. بشار الأسد هرب، والمؤسسات الأمنية والعسكرية تفكّكت، وانسحب ما تبقى من السلطة المركزية في دمشق تاركاً خلفه خرائب دولةً وشعباً منهكاً. بعد عقدٍ ونصف من الثورة والدمار والخذلان، تهاوى الجدار الذي بناه الاستبداد لعقود، لكن لم يتسلل منه النور، بل خرج منه وجه آخر من الطغيان باسم الدين هذه المرة، لا المخابرات.

أحمد الشرع، المعروف سابقاً بـ “محمد الجولاني” بات رئيساً لسوريا بحكم الأمر الواقع. فصائل المعارضة الضعيفة جرى تفكيكها أو تحييدها، والقوى الوطنية تم تهميشها، والمجتمع الدولي التزم الصمت.. وجد الجولاني، باسمه المدني الجديد، طريقاً ممهّداً لتقديم نفسه كزعيم شرعي لسوريا “الجديدة”، مدعوماً بقوة عسكرية ومؤسسات صورية، لكنه يُعيد إنتاج منطق الأسد، بشكل أكثر فردانية واحتكاراً.

هذا الانحراف الخطير لا يُمثل انتصاراً للثورة، بل خيانة لها، فالثورة التي خرجت تنادي بالحرية والديمقراطية، لا يمكن أن تقبل ببديل يُقصي الآخرين، ويمنع الإعلام، ويكمّم الأفواه، ويُعيد عسكرة المجتمع باسم “التحرير”، وسوريا لا تحتاج إلى “أمير”، بل إلى عقد اجتماعي جديد يجمع السوريين على أساس الحقوق، لا الانتماءات.

في مواجهة هذا الواقع، من الذي بقي؟.. وسط هذا المشهد القاتم، يبقى مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) واحداً من أهم المشاريع الوطنية التي لا تزال تطرح بديلاً حقيقياً، ليس لأن مسد بلا أخطاء، بل لأنه الجسم الوحيد الذي لم يتورط في دماء السوريين، ولم يراهن على الخارج على حساب الداخل، وبنى مؤسسات مدنية تمثل مكونات محلية من عرب وكرد وسريان آشوريين وغيرهم، وطرح مشروعاً واضحاً: سوريا لا مركزية ديمقراطية، تحترم التنوع وتضمن الحريات الفردية والجماعية. واليوم، التحدي الأكبر أمام مسد لم يعد في مواجهة النظام، بل في التصدي لمن يريدون وراثة الثورة دون مشروع، واحتكار السلطة دون شراكة.

الجولاني (الشرع) أو أياً يكن اسمه، لا يملك رؤية وطنية، إنما يملك قوة عسكرية وتحالفات ظرفية، تحكمها المصالح لا المبادئ. أما مسد، فبإمكانه أن يشكل نقطة التقاء لكل القوى الديمقراطية التي لا تزال تؤمن بسوريا مدنية، موحدة، تعددية، لكن ذلك لن يتحقق بالصبر وحده، بل بالتحرك الفاعل على محورين هما:

توسيع الحوار مع القوى الوطنية داخل مناطق الإدارة الذاتية وخارجها، لكسر صورة “الانعزال” التي روّج لها الخصوم عمداً.

إطلاق مبادرة سياسية وطنية شاملة، تعلن بوضوح رفض كل أشكال التسلط- سواء كانت بعثية أم جهادية- وتضع مساراً للانتقال السياسي بقيادة وطنية حقيقية.

 

فإذا لم تتوحد القوى الديمقراطية اليوم، ستُسرق الثورة مرة ثانية، وسنُجبر على الاختيار بين “نظام الأمن” أو “نظام الفتوى”، بينما تضيع الدولة والشعب معاً.

الثورة لم تكن ضد شخص، بل ضد منطق الحكم بالإكراه، والسوريون لم يُقدّموا كل تلك التضحيات ليجدوا أنفسهم أمام نسخة أخرى من الاستبداد، ولو غيرت وجهها ولغتها، والطريق لا يزال طويلاً، لكن الأمل لا يُصادر، طالما بقي هناك من يقول: لا، لكل طغيان، جديداً كان أم قديماً.

* سكرتير حزب السلام الديمقراطي الكردستاني.

 

 

سورياطلال محمد